«المحافظون» البريطانيون على خطى ثاتشر بعد 10 سنوات من إطاحتها

TT

يبدو حزب المحافظين البريطاني بعد عشر سنوات من رحيل المرأة الحديدية مارجريت ثاتشر مترهلاً وعاجزاً عن مخاطبة الناخب البريطاني، بدرجة جعلت رئيس الوزراء توني بلير يجزم في آخر مؤتمر عام لحزب العمال بأنه سيبقى في الحكم لعشرين عاماً قادمة.

ويبدو ايضاً ان ذلك العجز بعد رحيل المرأة الحديدية ذو صلة بطبيعة القيادة، وباختيارات المحافظين انفسهم، اذ سخر كاريكاتير بجريدة «التايمز» اول من امس، من المحافظين، وفيه يخاطب ناشط من المحافظين زميلاً له قائلاً: «ان افضل طريق امامنا لجذب الناخبين والحصول على اصواتهم هو ان نقترح تعديل قانون المرور لنسمح للسائق بأن يدور يساراً حتى في حالة الاشارة الحمراء».

ولمثل ذلك العجز تجلياته الواضحة مع قيادة وليم هيج الحالية، فالرجل قام قبل عامين بزيارة مطولة لأميركا حاول فيها ان يستقصي اسباب نجاح الجمهوريين بعد اربعين عاماً، في الحصول على اغلبية داخل الكونجرس الاميركي ومجلس النواب، والتقى جورج بوش (الابن) وجلس اليه طويلاً في تكساس، فسخرت الصحافة البريطانية من زعيم يحاول استنساخ تجارب الآخرين السياسية للخروج من مأزقه السياسي.

وهناك من يرجع شيخوخة حزب المحافظين، وهو آخر وصف ملازم لمعظم طروحاته الاخيرة، الى حقبة ثاتشر نفسها. واقدمت القناة الرابعة اواخر عام 1998 على اجراء محاكمة مطولة لمحلفين من النقاد والصحافيين، وبشهود دفاع من تنفيذيين في مجال الخدمات والاقتصاد، وشهود اتهام في نفس المجالات، وانتهت تلك المحاكمة التي استمرت اسبوعاً كاملاً بمحاكمة الحقبة الثاتشرية، ومعها حقبة جون ميجور الذي خلفها في قيادة الحزب.

ولكن تلك المحاكمة اغفلت الدور الخارجي، وانصبت على هموم المواطن البريطاني الداخلية، فجاءت التعليقات الصحافية التالية للمحاكمة لتذكر ان ثاتشر هي التي قدمت ميخائيل جورباتشوف للغرب وجعلت واشنطن تراهن عليه لتفكيك «امبراطورية الشر» او الاتحاد السوفياتي، كما ان المحافظين أدوا دورا محورياً في تحرير الكويت بوقوفهم الى جانب جورج بوش (الأب) والجمهوريين في اميركا باعتبارهم الأقرب الى فكر المحافظين.

في المقابل اغفلت تلك المحاكمة الحرب في ايرلندا الشمالية، لتنبه بعض الانتقادات الى ان تصلب المرأة الحديدية عمق من بؤر التوتر الكثيرة في الأزمة، ولا يدري احد إن كان ديمقراطيو اميركا قد قصدوا اضفاء رصيد وهالة سياسية على حزب العمال، بدخولهم كطرف اصيل في اتفاق «الجمعة الحزينة» منتصف عام 1998.

وهناك من يرجع محاولة الديمقراطيين الى انحياز ميجور في انتخابات اميركا عام 1992 الى جانب بوش (الأب) بتسريب بعض الوثائق المتعلقة بسلوك منافسه بيل كلينتون خلال وجوده بجامعة اوكسفورد البريطانية.

حزب المحافظين بعد ثاتشر فقد الكثير من بريقه من دون ان يعني ذلك ان اصدار الادانة على الحقبة الثاتشرية يصل الى حد الغاء تلك الحقبة من ذاكرة التاريخ، ولا سيما ان الثاتشرية منهج يتقمصه كثيرون الآن، بما في ذلك روسيا في مخاضها الرأسمالي الجديد رغم علمها ان اول المسامير التي دقت في نعش تلك الامبراطورية كان من صنع ثاتشر نفسها.