شمس الدين لـ «الشرق الأوسط»: تناول موضوع الوجود السوري ليس محرما وأحذر مجلس الأمن من الوقوع في خطأ سحب اليونيفيل

TT

دعا الشيخ محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان الداعين الى خروج الجيش السوري من لبنان الى توخي الحذر والتحلي بالبصيرة والابتعاد عن التشكيك والتخوين. كذلك دعا الحكومة اللبنانية الى التزام التعهدات التي اعلنت في هذا المجال، معتبرا انه لا يجوز جعل انجاز المصالحة الوطنية مرهونا باتفاق اللبنانيين حول مسألة الانسحاب.

وجاءت دعوات الشيخ محمد شمس الدين في اطار حديث لـ«الشرق الأوسط» ادلى به في باريس حيث هو موجود للمعالجة.

وردا على سؤال حول الدعوات لخروج القوات السورية من لبنان بعد انسحاب اسرائيل من الجنوب اوعلى الاقل تطبيق ما ينص عليه اتفاق الطائف بخصوص اعادة انتشار القوات السورية، قال رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى: «آمل بكل قوة، ومن موقع الحرص على استقرار وسيادة لبنان واستعادته كل قواه في المرحلة القادمة، ومن كل من يتولى اثارة مسألة الانسحاب السوري ان يراجع نفسه في مدى جدوى هذه الاثارة بالنسبة للنتيجة النهائية للبنان، فهل مجرد الاثارة وما رافقتها من اتهامات وتشكيك وتخوين كفيلة باستكمال السيادة وتوفير الاستقرار». واجاب شمس الدين على هذا التساؤل بالقول: «الظاهر ان الجواب سلبي وهذا الاسلوب لا يساهم في ذلك بل يؤدي الى زيادة القلق وتعطيل عوامل النمو والاستقرار في لبنان في هذه المرحلة».

ويستطرد الشيخ شمس الدين في شرح موقفه بالقول: «ثمة معطيات تجعل طرح هذه المسألة الآن عملا غير حكيم وانا لا اجاري المطالبين بالانسحاب السوري من لبنان، واعتبر ان قراءتهم للواقع تنقصها الدقة والشمولية، وبالتالي فان نظرتهم اليه تجزيئية». واضاف: «موضوع التوقيت لا يمكن تحديده وفقا للرغبات بل وفقا للمعطيات الموضوعية في لبنان ومحيطه واقلها الواقع الاسرائيلي الذي يفرض نفسه على جميع الاطراف وبشكل خاص على لبنان وسورية. من هنا اميل الى استبعاد هذا النقاش وحصر تناول هذا الموضوع بالحكومتين اللبنانية والسورية».

ورفض شمس الدين الخوض في تفاصيل الدعوات الصادرة عن البطريرك الماروني صفير او التيارات المسيحية، كذلك رفض التعليق على مواقف رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط وعلى «مبادرة» رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

ومع ذلك، فانه أكد ان «لا مانع لديه» ان تطرح هذه المسألة «من دون تجريح ولهجمات اتهامية او تخوينية». ومقابل ذلك، أكد شمس الدين انه «لا يجوز الرد على هذه الدعوات بالروحية التي تمت بها الردود في الفترة الاخيرة. وخلص الى القول «تداول هذا الموضوع ليس محرما، فالمشكلة ليست في الطرح انما في الظروف التي تكتنفه». واستطرد قائلا «اصبح واضحا ان مثل هذا الطرح عنوان من عناوين المعارضة لسورية، وتبدو كأنها استجابة لبعض النزعات والفئات والتوجهات التي تعبر عنها بعض الاوساط الدولية (الاميركية والاوروبية) حين تطرح مطلب بسط الدولة لسلطتها في الجنوب او نزع سلاح المقاومة وخلاف ذلك. وتقرن هذه الامور بعضها البعض وكأنها متداخلة ومترابطة وهذا ما يدفع الى النظر بحذر الى هذا الطرح (طلب خروج القوات السورية).

* ولكن ألا يجب ان يتلاقى اللبنانيون حول مسألة القوات السورية، من باب التغلب على مسألة خلافية تعيق انجاز المصالحة الوطنية؟

ـ اجاب شمس الدين عن هذا التساؤل قائلا: «نحن نعتبر ان الاساس في دعم لبنان وتحصينه هو المصالحة الوطنية ولا يزال قسم اخر من غير انجاز. ولا ارى من المناسب ابدا جعل هذه المصالحة مشروطة باتفاق اللبنانيين على قضية الانسحاب السوري وانما يجب ان نمضي فيها قدما وان نتجاوز اكثر النقاط حساسية في هذا المجال».

اما في موضوع الجنوب، وحول امكانية أن تعمد الامم المتحدة الى تخفيف انتشارها او حتى سحب قواتها بحجة ان لبنان لم ينفذ المطلوب منه واول ذلك ارسال الجيش الى الحدود، فقال شمس الدين: «ما زلت اعذر الدولة لانها لم ترسل قواتها الى الجنوب، اذ المقصود من ذلك ليس امن لبنان بل الحيلولة دون استمرار المقاومة التي تضغط على اسرائيل بسبب استمرار احتلالها لمزارع شبعا وبسبب الاسرى اللبنانيين المحتجزين لديها».

واضاف: «اقول ان الطرح من اساسه غير صحيح واحذر من ان يقع مجلس الامن والقوة المؤثرة فيه في هذا الخطأ. وكذلك فانني انبه الحكومة اللبنانية من احتمال ان تقلص الامم المتحدة من عديد اليونيفيل او ان تنهي مهماتها وعليها ان تستعد لهذه المرحلة». وفي تحذير شديد اللهجة قال شمس الدين: «هنا اقول لدعاة الانسحاب السوري: ليفكروا في هذه الطروحات على ضوء ما قد يحدث في هذا المجال». وقال «من جملة المعطيات امكانية ان يحصل تطور في السياسة الاسرائيلية ـ الاميركية تجاه الجنوب يؤدي الى اعادة الاضطراب وعودة العدوان باشكال متنوعة جديدة. وهذا يقتضي ان تكون للبنان اعلى نسبة من الحصانة في هذا المجال ومن اسبابها وجود الجيش السوري».

وأكد ان الجيش السوري ضامن للسلم الاهلي في لبنان بنسبة من النسب «واكتفي بهذا القول من غير الدخول في تفاصيل التهديدات الحقيقية للسلم الداخلي من بعض الجهات. وهذا امر يفهمه الناس». وعند سؤاله عن حقيقة التهديدات قال: «هناك مشروع. الآن الساحة ملأى (بالوجود الامني) ولذا لا توجد تهديدات، ولكن اذا حدث فراغ، يمكن ان تحصل تهديدات وعندها علينا الخيار: إما ان نترك التهديدات تتفاعل واما نزج بالجيش في قضايا داخلية. وهنا اضيف ان الوجود السوري جزء حيوي في ضمانة الامن الخارجي وضد التحرشات الاسرائيلية».

وربط نزع سلاح حزب الله وتحويله الى تشكيلة سياسية كباقي التشكيلات اللبنانية لتحرير شبعا والافراج عن الاسرى اللبنانيين. وقال «العمليات العسكرية لا تحصل الا في منطقة مزارع شبعا. وهذا الامر يمكن معالجته بأن يفكك الاسرائيليون مواقعهم وينسحبوا بأسلحتهم وان تنشأ لجنة بمشاركة الامم المتحدة والصليب الاحمر تُسلمنا المعتقلين. وحينئذ يمكن ان يطلب من لبنان نشر جيشه في الجنوب ويمكن طرح السؤال التالي: الى متى يظل حزب الله مسلحا سلاحا ظاهرا».

* ولكن ماذا عن السلاح الفلسطيني في لبنان؟

ـ «الفلسطينيون مسلحون في المخيمات وهذه احدى النقاط التي تلحظ عند الحديث عن عوامل القلق او الاستقرار في لبنان. ونحن نرى ان الدور السياسي للسلاح الفلسطيني في المخيمات قد انتهى لذلك لا بد ان يلغى هذا السلاح. المقاومة في لبنان يتولاها اللبنانيون وبالتالي فلا مبرر لهذا السلاح سوى ان الفلسطينيين موجودون في المخيمات مع اسلحتهم. الفلسطينيين يقولون ان سلاحهم هو لحماية المخيمات من اسرائيل وعليهم بحث هذه المسألة مع الحكومة اللبنانية».

وفي الموضوع الفلسطيني، وامكانية تحويل الانتفاضة الى مقاومة، قال: «حالتنا العاطفية والانفصالية تدفعنا الى اتخاذ مواقف متشددة. ولكن هذا الامر يجب ان يدرس من ناحية الامكانات والقدرة على الاستمرار. افضل التركيز على الانتفاضة وهي لا تمنع ان تكون هناك ردود فعل مسلحة على بعض الجرائم الاسرائيلية المتميزة. ومن حيث الخط العام نفضل صيغة الانتفاضة ونريد ألا يقف احد في طريقها». واستطرد قائلا: «ان اسرائيل وصلت الى سقف قوتها (ضد الانتفاضة) ولم تصل الانتفاضة الى سقف قوتها. ماذا تستطيع حكومة اسرائيلية ائتلافية ان تفعل اكثر مما فعلت الحكومة الحالية؟ الشيء الوحيد المتاح امامها هو ان تعمد الى احتلال مناطق الحكم الذاتي وفي هذه الحالة ستنقلب الانتفاضة الى مقاومة مسلحة والى حرب شوارع وفي هذه الحال ستنقلب الساحة كلها الى حرب شوارع وسيمنى الجيش الاسرائيلي بهزيمة ساطعة. ولذا فالافضل للقيمين على التسوية ولاسرائيل ان يعودوا لتبني المبدأ الصحيح وهو العودة الى المفاوضات على قاعدة القرارات الدولية وليس على قاعدة الاتفاقات التي سقطت من اوسلو الى شرم الشيخ الاخيرة. هدف الانتفاضة يجب الا يكون تنفيذ شرم الشيخ بل الوصول الى تغيير شروط اللعبة الى العودة الى القرارات الدولية».

وفي مجال آخر، تناول رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى مسألة «المبادرة» الايرانية مع ليبيا لكشف ظروف اختفاء الامام موسى الصدر. وقال «طلبنا من الايرانيين كمؤسسة مرارا مساعدتنا وكانوا يسعون ويفشلون ويحدثوننا عن صعوبات. وفي الاعوام الاخيرة لم نعد نطلب شيئا». والآن نحن ندعو الايرانيين للقيام بما يستطيعون القيام به ونحن نرغب في مسعى لكشف حقيقة وغوامض هذه القضية. الامام الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين موجودون في ليبيا. فاذا كانوا احياء فليكشفوا عنهم ويسلموهم واذا كانوا امواتا فليسمحوا لنا بنقل جثثهم وبعد ذلك ننظر في الاثار القانونية لهذا الامر»، واكد شمس الدين انه يطلب من الدولة اللبنانية السير في موضوع الامام الصدر الى المحكمة الدولية في لاهاي التي يمكنها ان تنظر في هذه المسألة.