الوجه والقناع: كولن باول.. حمل يرتدي فروة ذئب

TT

بعد ثماني سنوات قضاها في قاعات المحاضرات، يعود كولن باول الى مركز الاحداث في واشنطن وزيرا للخارجية في ادارة جورج بوش (الابن). وكان الجنرال (4 نجوم) المتقاعد هو صاحب اعلى رتبة في القوات المسلحة الاميركية، عندما استقال كرئيس لهيئة الاركان المشتركة عام 1993، بعد خسارة بوش (الاب) للانتخابات الرئاسية لصالح بيل كلينتون. ويعتبر تعيين باول حدثا تاريخيا لعدة اسباب: فهو اول اسود يحصل على اعلى منصب وزاري في واشنطن. كما انه اول جنرال متقاعد لاكثر من خمسين سنة يصبح وزيرا للخارجية. والاهم من ذلك، ان باول هو اول اسود يحصل على منصب قيادي في الحزب الجمهوري. وتلك نقطة هامة لان الحزب الجمهوري، حزب ابراهام لينكولن مهندس القضاء على العبودية، كان يبعد نفسه بانتظام عن السود منذ الخمسينات. وفي الانتخابات الرئاسية الاخيرة صوت 93% من الناخبين السود لصالح نائب الرئيس آل غور ضد بوش (الابن). واخيرا فإن باول هو اول وزير خارجية يحمل لقب «بطل»، وحصل على اعلى الاوسمة والنياشين في الولايات المتحدة. ووصف بعض النقاد تعيين باول بانه اشارة الى ان الصفوة العسكرية في الولايات المتحدة تدعم سيطرتها على مقاليد السلطة. ويقول المؤلف الاميركي الشهير غور فيدال ابن عم آل غور: «ضع باول ونائب الرئيس المنتخب ديك تشيني معا، وستصبح وزارة الدفاع مسؤولة عن ادارة بوش. «كما ترددت نفس الافكار في وسائل الاعلام الروسية، التي اعربت عن مخاوف روسيا من ادارة بوش الجديدة التي ستبدأ سباقا جديدا للتسلح». وفي الوقت نفسه اعرب البعض عن اعتقادهم ان كولين باول ربما يكون «حملا» متنكرا في شكل ذئب». والقى باول خلال السنوات السبع الماضية العديد من المحاضرات، بأجر يصل الى 100 الف دولار في الساعة. ويوجد خط يتكرر في كل محاضراته، فهو يتذكر بان العراقيين في الحرب التي قادها لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، لم يقتلوا جنديا اميركيا واحدا. (فقدت الولايات المتحدة 11 جنديا، قتلوا عن طريق النيران الصديقة من القوات البريطانية او في حوادث). كما يحب باول الاشارة الى ان الجيش العراقي استسلم بعد 100 ساعة من القتال. ان تذكير باول المستمر بان الحرب ضد العراق كانت غير مكلفة تقريبا، من الناحية البشرية، وحققت اهدافها بسرعة لم يسبق لها مثيل، يوضح جوهر ما اصبح يعرف باسم «نظرية باول». وهذه هي النظرية التي يعتقد بعض المحللين انها ربما تعرض ادارة بوش الى مخاطر هامة في المجالات الرئيسية للسياسة الخارجية. وببساطة فإن نظرية باول تعتمد على الاعتقاد ان الولايات المتحدة لا يجب ان تتورط عسكريا في اي قضية، الا اذا تأثرت مصالحها الوطنية الرئيسية مباشرة. مثل هذا المبدأ ربما يكون مفهوما في النظام العالمي المجزء في الماضي. اما اليوم فإننا امام اقتصاد عالمي مفتوح، حيث اصبحت مصالح العالم متشابكة على عديد من المستويات. وفي حالات كثيرة، اصبح من شبه المستحيل اقرار او عدم اقرار ان المصالح الحيوية لبلد بعينها هي طرف في صراع محدد. كما ان نظرية باول تكشف عن مبادئ رئيسية في ما يتعلق بالتدخل العسكري الاميركي: فهي تطالب بوجود استراتيجية خروج، وبكلمة اخرى ان تكون واضحة بخصوص الظروف التي يمكن فيها للقوات الاميركية الانسحاب بعد تحقيق اهدافها. وفي حالة العراق، فإن استراتيجية الخروج ليست موجودة. فالولايات المتحدة لا تزال طرفا في الصراع بعد حوالي حقبة من انتصارها في الحرب. كما ان نظرية باول تصر على ارسال القوات الاميركية الى مناطق الصراع، فقط اذا كانت مخاطر الخسائر منخفضة. ولكن هذا ايضا، اجراء غير موضوعي لتكوين اسس سياسة جادة. ففي حالة العراق الخاصة لم توجد خسائر لان القيادة العراقية، التي شعرت بالقلق من تمرد قواتها، لم تكن لديهاالشجاعة للقتال. واذا قرر العراقيون المشاركة في القتال فقد كان من الممكن الحاق خسائر كبيرة بالقوات الاميركية وحلفائها. واخيرا تصر نظرية باول على استخدام القوة فقط في حالة «تفوق عسكري غالب». وهذا ايضا يمثل مشكلة، لان العديد من الصراعات الحالية في العالم تتكون من عمليات ذات كثافة محدودة، ولا تتطلب اسلحة معقدة او مرتفعة الثمن. ان تعيين باول، الذي هو ابعد ما يكون عن الاشارة الى الى سياسة خارجية متشددة، ربما يشير الى حذر مبالغ فيه. يبقى ان باول سيكون احد اللاعبين الرئيسيين في الادارة الاميركية الجديدة، بينما من المؤكد ان يكون لجورج بوش (الاب)، والد الرئيس الحالي نفوذ اذا قرر ابنه التحدث معه هاتفيا في الهاتف مرة في الاسبوع. كما ان السناتور جيسي هيلمز من ولاية نورث كاليفورنيا، الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، سيظل لاعبا رئيسيا بالاشتراك مع عدة مراكز ابحاث موالية للحزب الجمهوري في واشنطن. ومن المتوقع ايضا ان يطلب من وزير الخارجية السابق جيمس بيكر، وشبكة مساعديه في مجال السياسة الخارجية في تكساس، المساهمة في مجال السياسة الخارجية. لقد ذكر بوش (الابن) انه يريد سياسة خارجية مشتركة من الحزبين. وقد يعني ذلك تعيين ديمقراطيين في عدد من المناصب مثل المندوب الاميركي في الامم المتحدة او نائب وزير الخارجية. ولا تدهش اذا طلب بوش من كلينتون القيام بدور ما في السياسة الخارجية، فيما يتعلق بايرلندا على سبيل المثال.