آتشيه: زيارة واحد أغضبت المؤسسة العسكرية ولم ترض الانفصاليين

TT

هناك من يقول الآن في شارع اندونيسيا السياسي «ان جبل الرئاسة الاندونيسية قد تمخض، يوم الثلاثاء الماضي بزيارة عبد الرحمن واحد لباندا آتشيه عاصمة اقليم آتشيه ولم يلد الا فأرا. وعناصر التقليل من نواتج الزيارة كثيرة، ويتقدمها سؤال موضوعي حول امكانية نزع فتيل الازمة وعمرها 25 عاما منذ عام 1976 بزيارة لم تتجاوز 4 ساعات، انفق الرئيس واحد معظمها في مسجد المدينة مصحوبا بـ5 آلاف شرطي من العاصمة جاكارتا لحمايته بعد ان تلقى تهديدات بالقتل.

وهناك بين العناصر التي تقلل من ناتج الزيارة ضعف عرض الرئيس واحد لجبهة تحرير آتشيه وتلاشي امكانية تمديد هدنة الستة اشهر بوقف اطلاق النار الموقعة في 15 يونيو (حزيران) الماضي. ودليل ذلك الضعف يمكن قراءته من رفض قيادة جبهة تحرير آتشيه للقاء واحد، او الدخول في مفاوضات جديدة بعد نهاية الهدنة في 15 الشهر المقبل.

ومعلوم ان اولئك القادة قد بنوا مواقفهم على تجاوز المؤسسة العسكرية لشروط الهدنة واستهدافها للسكان، بدعوى نشاطهم السياسي مع حركة التحرير، وتلميحهم الى أن المؤسسة العسكرية لا تلتزم في الاصل بتوجيهات الرئيس. ومعلوم ايضا ان الرئيس واحد قد استبطق هذا الاتهام في خطبته بالمسجد وناشد العسكريين بآتشيه ان يعاملوا المدنيين في المقاطعة كأصدقاء وليس كأعداء.

عرض الرئيس واحد لقادة آتشيه لم يتجاوز تمكينهم من تطبيق التشريعات الاسلامية في اقليمهم، وذلك لا يعالج كل الفوارق التي سببت الازمة، بالاضافة الى توسيع اوعية الحكم الذاتي بصلاحيات سياسية جديدة وذلك ايضا لم يلامس سقف المطالب الاقتصادية لجبهة تحرير آتشيه وفيه مطالبات صريحة بحصص عادلة من موارد الاقليم الاقتصادية وفي مقدمتها النفط والغاز الطبيعي. ولذلك سارع قادة الجبهة الى المطالبة بمفاوضات خارج اندونيسيا، وفي حضور وسيط دولي لم يسموه. وهناك من يقول الآن ان قبول ادارة الرئيس واحد بمثل ذلك الطلب ستنقل القضية الى ضفاف التدويل، وتعيد سيناريو تيمور الشرقية التي نالت استقلالها باستفتاء تحت اشراف الامم المتحدة في اغسطس (آب) 1999.

زيارة الساعات الاربع لم تفتح جراحها في جسد الرئيس واحد على صعيد خصومه في جبهة تحرير آتشيه فقط، ولكنها فتحتها، وهذا هو الاخطر، على صعيد المؤسسات التي يديرها واحد نفسه.

فالمؤسسة العسكرية بداية لم تعتبر توجيد الرئيس بمعاملة السكان كأصدقاء الا نوعا من الخطابة السياسية، ولان اجهزة مخابراتها ظلت ترصد عملا سياسيا داعيا للانفصال في اوساط المواطنين، وبالتالي فإن مثل هذا النشاط، من وجهة نظر المؤسسة العسكرية، سيؤدي في القريب الى ظهور جناح سياسي لحركة تحرير آتشيه بكل مستحقات مثل هذا التطور، والذي سينقل النزوع نحو الاستقلال نقلة نوعية تتعدى مجرد اطلاق النار المتبادل بين قوات التمرد والمؤسسة العسكرية. (فاتورة الخسائر تشير الى مقتل 850 مدنيا منذ توقيع الهدنة في يونيو و5000 قتيل في السنوات العشر الاخيرة).

اما على صعيد المؤسسة التنفيذية فالتداعيات لا تقل خطورة، فقد ألمح عدد من الوزراء الى رغبتهم في تقديم استقالاتهم من حكومة الرئيس واحد لشعورهم بضعف القيادة وربما لدفعه دفعا للتخلي عن اسلوب اللمسة الناعمة الذي يميز منهج ادارته لقضايا اندونيسيا المعقدة، بدءا من محاكمة حقبة سوهارتو وميراثه ونهاية بالانخراط في حلول عاجلة لنزعات الانفصال في اريان جايا وآتشيه، والحروب الطائفية في جزر البهار.

زيارة الساعات الاربع لباندا لم تضف الكثير لاداء الرئيس واحد وهو يدخل شهره الخامس عشر كأول رئيس منتخب في تاريخ اندونيسيا، اذا لم تكن هذه الزيارة قد فتحت جراحا جديدة او عمقت جراحا قائمة او احيت اخرى قديمة وفي مقدمتها عودة الصراع بين العسكر والسياسيين والذي وضح ان ابعاد رمز واحد من حلبته، وهو الجنرال ويرانتو لم يكن كافيا.