السكرتير الشخصي المزعوم لأسامة بن لادن ماروني من صيدا اعتنق الإسلام في الكويت

وديع الحاج أو أبو عبد الله اللبناني متهم بالسعي لشراء أسلحة كيماوية وإدارة الشبكة المالية لزعيم تنظيم القاعدة * عبد الله عزام الأب الروحي للأفغان العرب أحدث انقلابا في حياته

TT

لا تخلو حكاية اعوان اسامة بن لادن مع الولايات المتحدة من القصص المثيرة، فهناك قائمة تضم العشرات من اشخاص يعيشون داخل الولايات المتحدة، ومعظمهم حصلوا على الجنسية الاميركية، وجميعهم تربطهم صلات تنظيمية وحركية بتنظيم «القاعدة». وضمن هؤلاء محمد علي أبو السعود الملقب بـ«أبو عمر» الذي ظل مجهولاً تماماً لأجهزة الاستخبارات الاميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، حتى ورد اسمه في تحقيقات «العائدون من ألبانيا» في مصر بصفته المتهم رقم 23 في قائمة تضم 107 متهمين، والاخر وديع الحاج المعروف باسم ابو عبد الله اللبناني الذي وصفته التقارير المركزية بانه السكرتير الشخصي لابن لادن وكاتم اسراره وخبير المهمات الخاصة لاعضاء «القاعدة» وكنيته «الحاج نورمان»، وكلاهما حاصل على الجنسية الاميركية ومحتجز في سجن المتربوليتان الاميركي بنيويورك تحت حراسة أمنية مشددة، على ذمة الاتهام في تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام.

ولم يكن احد يتصور من جيران وديع الحاج وهو الشاب اللبناني الماروني الهادئ الخجول، والمسجل على انه من مواليد مدينة صيدا اللبنانية عام 1960، ومن اسرة كاثوليكية معروفة، والحاصل على الجنسية الاميركية، ان ينتهي به المطاف في سجن المتربوليتان في نيويورك، بعد مزاعم تورطه بالانضمام الى شبكة «القاعدة».

وهناك اكثر من كنية استخدمها وديع الحاج خلال تنقلاته الكثيرة بين السودان وافغانستان واوروبا والولايات المتحدة وهو ينفذ حسب ما تقول الاتهامات الاميركية التعليمات الخاصة لابن لادن، مستخدما جواز سفره الاميركي في الاشراف على التحويلات المالية لاعضاء «القاعدة»، والاتصال بكبار اعضاء المنظمة السرية، ومدهم بالاموال اللازمة لتصريف شؤون التنظيم. ومن تلك الالقاب «عبد الصبور» وابو عبد الله اللبناني و«التنزاني» و«المدير»، غير ان احب الالقاب التي كان يفضل ان تطلق عليه هي «الحاج نورمان» وهو لقب يجمع بين شخصيته قبل دخول الاسلام في الكويت وهو ابن الستة عشرة ربيعا، ولقب «الحاج» الذي كان يناديه به بن لادن في لحظات الصفاء اثناء معارك الجهاد الافغاني. وهناك محطات بارزة في حياة السكرتير الشخصي لابن لادن حسب المصادر الاميركية، منها سنوات الخصومة والعداء والصفعات التي تلقاها من افراد عائلته عقب اعتناقه الاسلام في الكويت، وكان ملاذ نجاته احد ائمة الكويت الذي تبناه وارسله الى الولايات المتحدة لتلقي التعليم الجامعي في جامعة ساوث ويسترن بولاية لويزيانا. ويتذكر زملاؤه في نفس الجامعة بقسم التخطيط العمراني الشاب النحيف الطويل، الذي كان منكبا فقط على التحصيل العلمي ويبتعد عن الاختلاط مع زملائه او الانخراط في الانشطة الجامعية، غير ان نقطة التغيير والتحول في حياة السكرتير الشخصي لابن لادن جاءت بعد شهور من اندلاع الحرب الافغانية، عندما تعرف على بعض الطلبة المصريين، حيث قادته رحلة البحث عن ذروة سنام الاسلام وهي «الجهاد» الذي كان متشبعا به الى حد الذهاب الى افغانستان للمشاركة مع زملائه من «الافغان العرب»، في طرد القوات السوفياتية، وهناك تعرف على الرجل الذي احدث في حياته انقلابا خطيرا، وهو القيادي الفلسطيني الاصولي عبد الله عزام مؤسس مكتب «الخدمات»، النواة الحقيقية التي تحولت في ما بعد الى منظمة «القاعدة» التي تولى رئاستها فيما بعد بن لادن. ويعتبر عبد الله عزام وهو من مواليد قضاء جنين عام 1941 بفلسطين المحتلة، حاصل على الدكتوراه من جامعة الازهر في الفقه والشريعة عام 1973، هو الاب الروحي لجماعات «الافغان العرب»، وله مؤلفات كثيرة بعضها احدثت انقلابا في حياة ابو عبد الله اللبناني.

ورغم زواج «ابو عبد الله اللبناني عام 1985 من فتاة اميركية مسلمة اسمها ابريل تبلغ من العمر 18 عاما من ولاية اريزونا، تعرف عليها عبر احد اقاربه، الا انه لم ينس رفاق الجهاد، فسرعان ماعاد الى باكستان، ولكنه كان مصحوبا هذه المرة بزوجته ووالديها، حيث عملت حماته كممرضة في احد المستشفيات الميدانية المتنقلة، فيما تنقل والد زوجته بين معسكرات المجاهدين الافغانية لتوزيع الكتب الجهادية ونسخ القرآن الكريم على المتطوعين العرب في مراكز التدريب. ويقول كثير من المراقبين ان ابو عبد الله اللبناني كان همزة الوصل بين بن لادن والشيخ عبد الله عزام، والاخير كان يخضع لاشرافه العشرات من الافغان العرب. ففي عام 1984 ظهر أول نموذج لعمل مؤسسي لجهاد العرب في أفغانستان وهو بيت «الأنصار» في بيشاور. وكان بيت الأنصار قد اسس كمحطة نزل أولي أو استقبال مؤقت للقادمين للجهاد قبل توجههم للتدريب ومن ثم للمساهمة في الجهاد. ورغم تأسيس بيت الأنصار فلم يكن عند بن لادن جهازه الخاص أو بنية تحتية من معسكرات ومخازن وإمداد واتصال، ولم تكن له جبهة خاصة به، بل كان يرسل الشباب القادمين إلى قادة أحد الأحزاب المقاتلة مثل حكمتيار وسياف أورباني. وتزامن تأسيس بيت الأنصار مع تأسيس مكتب «الخدمات» في بيشاور من قبل عبد الله عزام. ويقول اصوليون في لندن ان وديع الحاج كانت مهمته الاولى قبل التعرف على بن لادن الذي كان ينفق بسخاء على الحرب الافغانية، هو احداث نوع من التكامل مع «بيت الأنصار»، حيث يؤدي المكتب المهمة الإعلامية وجمع التبرعات وحث المسلمين وخاصة العرب على الجهاد. ويؤدي البيت المهمة العملية في استقبال وتوجيه الراغبين في القتال أو الاطلاع على أوضاع الأفغان. وقبل ان ينتقل الحاج الى بروكلين بولاية نيويورك لادارة مركز «الكفاح للاجئين»، ترددت مزاعم حول مشاركته في شراء اسلحة سلمت الى محمود ابو حليمة المتهم الرئيسي في قضية تفجيرات نيويورك.

وتقول حماته ان وديع كان من الاشخاص المتميزين بالهدوء، وكان لا يفقد اعصابه الا نادرا، وكانت كثير من الخلافات تندلع بين القادمين الى مركز الكفاح، وكانت مهمة الحاج هي تهدئة تلك الخلافات واعادة الامور الى نصابها.

وسواء كان وديع الحاج وسيطا بين الفرقاء من الطراز الاول او عنصرا ناجحا، استطاع ان يكون مثل «الرجل الشبح»، فتمكن من اخفاء علاقته مع تنظيم القاعدة خلال محطات تنقلاته سواء في افريقيا او اوروبا او الولايات المتحدة، الا ان علاقته الحميمة بكثير من المتهمين الذين ادينوا في حادث تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، سلطت عليه اعين ضباط المباحث الفيدرالية، خلال زياراته المتكررة الى السيد نصير وهو المواطن المصري البورسعيدي المتهم بقتل الحاخام كاهانا، ومحمود ابو حليمة وكلاهما ادين في قضية تفجيرات نيويورك. ولم يعمل ابو عبد الله اللبناني بمأثور القول الذي يحفظه عن ظهر قلب «اتقوا مواطن الشبهات فقد تم اعتقاله عام 1993 واتهامه بالتورط في اصدار شيكات مزيفة، وقيادته سيارة مع مروان سلامة احد الذين كانت تربطهم علاقات بمنفذي عملية تفجيرات نيويورك من خلال اتصالاته الهاتفية المكثفة بالمتهمين قبل شهرين من تنفيذ العملية. ويذهب ملف التحقيقات القضائي الي القول ان ابو عبد الله اللبناني كان الذراع اليمنى لابن لادن في الاشراف على معظم الشركات والمؤسسات المالية التي انشأها زعيم «القاعدة» في الخرطوم بعد انتقاله اليها عام 1991.

وكان الهدف الاساسي من وراء شبكة بن لادن الاستثمارية في السودان ودول اخرى، حسب ملف الاتهامات الاميركي، هو توفير غطاء مالي لمنظمة «القاعدة» وتسهيل مهمة شراء المتفجرات والاسلحة، وتوفير غطاء مناسب لاعضاء «القاعدة» للتنقل بين الدول العربية والافريقية والاوروبية يحول دون مراقبتهم من الاجهزة الامنية. ويقول اقارب ابو عبد الله اللبناني ان بن لادن رجل اعمال من الطراز الاول، وكان يعمل لديه في الخرطوم العشرات من المهندسيين والزراعيين، ولم يكن من السهل بسبب الاجراءات الامنية المشددة المفروضة حوله من قبل محمد عاطف المسؤول العسكري لتنظيم «القاعدة»، رؤيته او الاقتراب منه باستثناء شخص واحد هو ابو عبد الله اللبناني الذي كان يحق له الدخول على بن لادن بدون استئذان من القائمين على حراسة زعيم «القاعدة». ويضم ملف الاتهام في تفجير السفارتين الكثير من مزاعم الاتهام الموجهة الى ابو عبد الله اللبناني بدون وجود ادلة محددة منها استخدامه جواز سفره الاميركي في التنقل الى بعض الدول الاوروبية لتسهيل عمليات شراء اسلحة كيماوية لصالح بن لادن. ويتناقل بعض الاصوليين مزاعم ان الغيرة كانت السبب الحقيقي، في الحاح زوجة ابو عبد الله اللبناني على زوجها بضرورة مغادرة الخرطوم بعد ان نمى الى علمها ان بن لادن يشجع زوجها على الاقتران بزوجة ثانية، وتقول حماته: نعم لقد ربيت زوجته ابريل على المفهوم الاسلامي، ولكنها اميركية المنطق والعقلية ولا يمكن ان تقبل ضرة لها حتى لو كانت من اختيار بن لادن نفسه». وفي عام 1994 انتقل ابو عبد الله اللبناني الى كينيا ليتولى مهمة جديدة مديرا لاحدى الجمعيات الخيرية كغطاء لاحد انشطة منظمة «القاعدة». وهناك توثقت علاقته بابو عبيد البنشيري (القيادي الاصولي علي أمين علي الرشيدي امين الشرطة السابق) المسؤول العسكري لـ«القاعدة» قبل وفاته غرقاً في بحيرة فيكتوريا في منتصف عام 1996، والصادر ضده حكم غيابي، وهو ميت، من المحكمة العسكرية العليا في مصر يوم الأحد 18 أبريل (نيسان) 1999 بالسجن المؤبد (25 سنة).