كلينتون ما زال ينتظر ردا من غزة والفلسطينيون يعتبرون مقترحاته تعطي دولة مسلوبة الإرادة على ما لا يزيد عن 65% من الضفة إضافة للقطاع

محطات إنذار مبكر في الضفة، ومواقع عسكرية ونقاط إمداد احتياطي في غور الأردن، وأحد عشر حيا في القدس الشرقية إضافة إلى المستوطنات حولها، وتأجير بؤر إستيطانية ومستوطنة كريات أربع في الخليل ومحيطها لعشرين سنة

TT

الرئيس الاميركي بيل كلينتون لا يزال ينتظر ردا حاسما من الفلسطينيين على مقترحاته لجسر الهوة بين الموقفين الاسرائيلي والفلسطيني بشأن قضايا الحل النهائي للقضية الفلسطينية.

واعتبر كلينتون الرد الفلسطيني الذي سلم لنائب القنصل الاميركي في القدس المحتلة مساء الاربعاء الماضي، ردا غير واضح ولا حاسم بسبب التوضيحات والاستفسارات العديدة التي ارفقت به.

الاسرائيليون من جانبهم اعطوا موافقة مبدئية على هذه المقترحات وربطوها بالموافقة الفلسطينية عليها.

وينتظر الفلسطينيون اجتماع لجنة المتابعة العربية قبل ان يعلنوا موقفهم بصراحة، غير انهم وكما قال اكثر من مسؤول لـ«الشرق الأوسط» لا يستطيعون اعطاء رد حاسم عليها طالما لم ترد الادارة الاميركية على الاستفسارات التي ارفقوها بردهم. ويؤكدون ان هذه المقترحات هي نفسها التي طرحت في كامب ديفيد 2 الذي انتهى بالفشل في 25 يوليو (تموز) الماضي لعدم تلبيتها مطالب الحد الادنى الفلسطينية في ما يتعلق بالحل النهائي، ولكنها جاءت بثوب جديد. وحسب قول نبيل ابو ردينة المستشار الاعلامي للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لـ«الشرق الأوسط» فان بعض ما جاء في هذه المقترحات اقل حتى مما طرح في كامب ديفيد 2.

وهذه القضايا هي القدس بما فيها الحرم القدسي الشريف واللاجئون والمستوطنات والحدود والامن وانهاء النزاع. وفي ما يلي نلقي الضوء على هذه المقترحات والتحفظات الفلسطينية والاسرائيلية عليها وفق ما اوردته صحيفة جيروساليم بوست، والفروقات بينها وبين قرارات الشرعية الدولية.

* القدس:

ـ المقترح الاميركي: يرتكز على مبدأ ما هو عربي يجب ان يذهب للعرب وما هو يهودي (11 حيا في القدس) لليهود، ووفق ذلك تحتفظ اسرائيل من البلدة القديمة بالحي اليهودي بما فيه الحائط الغربي (حائط البراق الذي يطلق عليه اليهود حائط المبكى) وبممر من الحي الارمني يبدأ من باب الخليل وحتى الحائط الغربي. ويعاد للفلسطينيين الحي الاسلامي والحي المسيحي وجزء من الحي الارمني. وتتضمن المقترحات ايضا احتفاظ اسرائيل بالسيطرة على جبل الزيتون ومدينة ديفيد التي اقامتها اسرائيل خارج اسوار المدينة قرب باب الخليل في المنطقة الحرام.

ـ الموقف الاسرائيلي: تريد اسرائيل توضيحات حول كيفية ربط جبل الزيتون ومدينة ديفيد.

ـ الموقف الفلسطيني: الفلسطينيون يريدون توضيحات حول كيفية ربط الاحياء العربية بعضها ببعض. كذلك تحديد الحائط الغربي هل هو المنطقة المكشوفة ام انه منطقة اوسع تمتد حتى الحي الاسلامي. ويريد الفلسطينيون معرفة مصير الاحياء اليهودية في الشق العربي من المدينة.

* الحرم القدسي الشريف:

ـ المقترح الاميركي: تكون السيطرة للفلسطينيين على ما هو فوق الارض من الحرم. وما هو تحت الحرم الذي يعتقد بانه يضم في جنباته الهيكلين الاول والثاني، فسيتمتع بوضع خاص يحترم حقوق اليهود في هذا الموقع.

ويقدم كلينتون في هذا الشأن اقتراحين: الاول هو ان تحتفظ اسرائيل بالسيادة على ما هو تحت الحرم. والثاني: تشكيل لجنة اشراف دولية والتزام فلسطيني بعدم القيام بأي حفريات تحت الحرم.

ـ الموقف الاسرائيلي: ترفض التوقيع على اي اتفاق يسلم جبل الهيكل للفلسطينيين.

ـ الموقف الفلسطيني: يرفض الفسطينيون المزاعم الاسرائيلية بالسيادة على اي جزء من الحرم سواء تحت الارض او فوقها.

* الحدود والمستوطنات:

ـ المقترح الاميركي: تتنازل اسرائيل عن 94-96% من الضفة الغربية و100% من قطاع غزة، وتنقل للفلسطينيين اراضي متاخمة لقطاع غزة تعويضا عن نسبة الـ 5-6% التي ستحتفظ بها من الضفة. ووفق هذه المقترحات فان اسرائيل ستضم الكتل الاستيطانية التي يقطنها حوالي 80% من المستوطنين. وتتحدث هذه المقترحات عن تأجير مستوطنة كريات اربع والبؤر الاستيطانية في الخليل لمدة 20 سنة.

ـ الموقف الاسرائيلي: ضمان وجود رابط بين الكتل الاستيطانية كما تريد ممرا يربط بين مستوطنة معاليه ادوميم في محيط القدس بالبحر الميت.

ـ الموقف الفلسطيني: المطالبة بتفاصيل حول الاراضي التي ستنقل السيادة عليها لهم... موقعها ومساحتها. كما يطالبون بتفاصيل حول تأجير كريات اربع والبؤر الاستيطانية لمدة 20 سنة.

* اللاجئون:

ـ المقترح الاميركي: يوصي بتسوية قضية اللاجئين في اطار الدولة الفلسطينية وبعض المناطق في اسرائيل التي ستنقل للفلسطينيين كذلك عبر الدول المضيفة ودول اخرى او داخل اسرائيل بما يتماشى والسياسة الاسرائيلية. ويدعو اسرائىل للاعتراف بمعاناة الشعب الفلسطيني كنتيجة لحرب 1948 وان تشارك في جهود التأهيل الدولية.

ـ الموقف الاسرائيلي: رفض تحمل اي مسؤولية ازاء محنة اللاجئين وتريد توضيحا بشأن عدد اللاجئين المتوقع منها استيعابهم.

ـ الموقف الفلسطيني: الاعتراف بحق العودة للاجئين الى ما قبل حدود 1967.

* الامن:

ـ المقترح الاميركي: باستثناء التعديلات التي يستوجبها ضم الكتل الاستيطانية فان الخط الاخضر سيكون الحدود الغربية للدولة الفلسطينية. وسيرتكز الامن على وجود قوات دولية لا يمكن اخلاؤها الا بموافقة الطرفين. وستشرف القوات الدولية على تطبيق الاتفاقات. وسيكون لدى اسرائيل 3 سنوات للانسحاب تحل محلها خلالها القوات الدولية تدريجيا.

وفي نهاية هذه الفترة ستبقى القوات الاسرائيلية في مواقع محددة على طول نهر الاردن لمدة 3 سنوات اخرى. وستحتفظ اسرائيل ايضا بثلاث محطات انذار مبكر في مواقع في الضفة الغربية لمدة 10 سنوات.

وستحتفظ اسرائيل في عدد من النقاط في غور الاردن بامدادات للطوارئ، تحسبا لاي تهديدات من الشرق. ومن حقها في حالات الطوارئ هذه ان تستقدم قوات الى هذه النقاط. وتعرف حالة الطوارئ بالوقت الذي تستدعى فيه قوات الاحتياط وبعد اشعار القوات الدولية مسبقا بالامر. ووفق المقترحات الاميركية ستكون الدولة الفلسطينية غير مسلحة.

ـ الموقف الاسرائيلي: تطالب اسرائىل بتوضيحات حول حجم القوات الدولية ومجال نشاطها. وتريد ان تكون الدولة منزوعة السلاح، بدون اي اسلحة ثقيلة.

ـ الموقف الفلسطيني: يطالب الفلسطينيون بتفاصيل حول القوات الاسرائيلية التي سترابط في غور الاردن وحجم القوات الدولية ومجال عملها.

* إنهاء النزاع:

ـ المقترح الاميركي: انهاء النزاع سيعلن كما سيعلن معه وقف كل المطالبات باسرائيل. ويدعو اسرائيل الى الافراج عن جميع السجناء الفلسطينيين الامنيين.

كما هو واضح مما تقدم فان المقترحات الاميركية لا ترتكز على قرارات الشرعية الدولية لا سيما 242 و338 و194 وما قبلها وما بعدها. لا بل تتناقض مع هذه القرارات التي تدعو بشكل واضح وصريح الى انسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة ولا تجيز الاحتفاظ باراضي الغير بالقوة. كذلك تتناقض مع مواقف الادارة الاميركية المعلنة خاصة بشأن المستوطنات التي تعتبرها غير شرعية من خلال المطالبة بالاحتفاظ بغالبيتها. ولا تتعامل هذه المقترحات مع الاراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية) كوحدة جغرافية واحدة بل تقطعها الى كتل وكانتونات. فهناك الضفة وهناك الكتل الاستيطانية وهناك القدس الشرقية. وحتى القدس لا تعامل كوحدة واحدة بل تقسمها الى قدس خارج الاسوار وقدس داخلها وهي البلدة القديمة. ولا تسلم البلدة القديمة التي لا تزيد مساحتها عن كيلومتر مربع من التجزئة ايضا فهي مقسمة بدورها الى قسمين الاحياء والحرم. والحرم نفسه مقسم الى ما فوق الارض وما تحتها. وهناك حديث حتى عن السماح لليهود بالتعبد في احدى زواياه.

ولا تدعو المقترحات الى تفكيك المستوطنات. ليس هذا فحسب بل ان هناك حديثاً عن ربط الكتل الاستيطانية التي ستتجمع في 3 كتل احداها شمال الضفة الغربية بين قلقيلية ونابلس والثانية وسط الضفة في منطقة رام الله والثالثة جنوب الضفة بين بيت لحم والخليل، بطرق تقسم الضفة الى كانتونات.

واما في ما يتعلق بتبادل الاراضي فإن المقترحات تتحدث عن استبدال 6% من اخصب وافضل اراضي الضفة الغربية تقام عليها مستوطنات غير شرعية، بما يعادل 2% من مساحتها فقط، من اراضٍ صحراوية جرداء جنوب قطاع غزة تستخدمها اسرائيل لدفن النفايات النووية من مفاعل ديمونة في صحراء النقب.

والقدس التي تتحدث عنها هذه المقترحات ليست القدس الشرقية بحدود ما قبل 5 يونيو (حزيران) 1967 بل بحدودها الجديدة التي تلتهم ما بين 15 ـ 20% من مساحة الضفة الغربية.

وبعملية حسابية بسيطة يتبين ان نص المقترحات على انسحاب اسرائيل من 94 ـ 95% من الضفة ليس اكثر من خدعة. فالواقع يقول انه اذا ما اخذت مساحة القدس بحدودها الجديدة والاحياء الـ11 والكتل الاستيطانية الثلاث وكريات اربع والبؤر الاستيطانية في الخليل والمواقع العسكرية ونقاط الامدادات الاحتياطية في غور الاردن ومحطات الانذار المبكر الثلاث في الضفة والمناطق العازلة حولها. لن يبقى تحت سيطرة الفلسطينيين سوى حوالي 64 ـ 65% من الضفة.

واما بالنسبة لاحياء البلدة القديمة فالمسألة واضحة. فالمقترحات الاميركية لا تكتفي بمنح اسرائىل حارة المغاربة التي هودت بازالة الاثار العربية فيها واطلاق اسم حارة اليهود عليها بعد احتلال المدينة عام 1967 بل تعطيها الحق في اكثر من ثلث حي الارمن.

وتوصي المقترحات بابقاء الحائط الغربي تحت السيطرة الاسرائيلية. والحقيقة هي ان هذا الحائط ومنطقته هما وقف اسلامي وفق الوثائق الدولية وليس من حق اي فلسطيني مهما علا شأنه ان يمنح صكاً لليهود بالسيطرة علىه.

ولو اعتبرنا اعلان مبادئ اوسلو المرحلي درسا يستفاد منه فان تقسيم القدس على هذا النحو يذكرنا بتقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة الى مناطق أ (سيادة فلسطينية) وب (سيادة مشتركة) وج (سيادة اسرائيلية) وما تحمله هذه من معان عند وقوع اي ازمة بين الطرفين كما هو حاصل الان من حصار واغلاق. باختصار فان القدس ونتيجة للتفوق الاسرائيلي ستكون دوما تحت رحمة الاسرائيليين يغلقون شوارعها متى وكيفما شاؤوا. وبالنسبة للحرم القدسي فالنص واضح وصريح وهو لا سيادة فلسطينية سياسية او دينية كاملة على الحرم ونعني هنا بالحرم ما هو فوق الارض وما هو تحتها حيث يوجد المصلى المرواني.

وقضية اللاجئين وهي القضية الاساسية والمركزية التي لا حل للقضية الفلسطينية ولا نهاية للصراع بدون حلها فالمقترحات الاميركية هي نفسها المقترحات التي طرحت في كامب ديفيد 2. وفيها تجاهل كامل لقرار الامم المتحدة 194 الذي يدعو وبكل وضوح الى عودة جميع اللاجئين الى الديار والاراضي التي طردوا منها نتيجة قيام اسرائيل عام 1948.

ولا تحمل المقترحات الاميركية اسرائىل اي مسؤولية سياسية او اخلاقية او معنوية لمأساة اللاجئين، بل تطالبها باستيعاب ما يمكن ان تسمح به السياسة الاسرائيلية. ويجري الحديث هنا عن استيعاب اسرائيل لبضع عشرات الاف من منطلقات انسانية وهي لم الشمل للرعيل الاول من اللاجئين وليس لذريتهم. وتتحايل المقترحات الاميركية على القرار الدولي 194 بمنح حق العودة للاجئين الى اراضي الدولة الفلسطينية والاراضي الصحراوية التي ينتقل اليها 2% مقابل الـ 6% من الضفة الغربية. الى جانب التوطين في الدول المضيفة او دول اخرى كالولايات المتحدة وكندا واستراليا كما ذكرت بعض التقارير.

والمقترحات الاميركية بالنسبة للامن تتحدث عن نفسها اي ان الامن فقط للاسرائيليين وليس للفلسطينيين الذين تؤكد المقترحات على ان دولتهم ستكون منزوعة السلاح.

وتتحدث المقترحات الاميركية ايضا عن انهاء النزاع الذي تطالب به اسرائيل قبل كل شيء. ورغم ان المقترحات لم تحدد زمنا لاعلان انهاء النزاع فان اسرائيل تطالب باعلان انهائه مع توقيع اتفاق اعلان المبادئ لقضايا المرحلة النهائية وقبل توقيع الاتفاق النهائي. وباختصار فان المقترحات الاميركية هي مقترحات فضفاضة في صياغتها كما كان حال اتفاق اوسلو الذي كان مصاغا بشكل يفسره القوي لصالحه. ونتيجة لذلك فان اتفاق اوسلو لم ينفذ بعد وان كل بند من بنوده التي نفذت وهي قليلة، بحاجة الى اتفاقات واتفاقات لتطبيقه.

ووفق هذه المقترحات فان الدولة الفلسطينية ستكون منقوصة السيادة وبطة عرجاء مسلوبة الارادة خاضعة لهيمنة الدولة الكبرى اسرائيل وعرضة لاعتداءات عليها وانتهاك حرمة اراضيها في اي لحظة تقرر فيها اسرائيل انها مهددة بخطر قادم من الشرق.