بريطانيا بحثت وقف رحلاتها الجوية للشرق الأوسط أو عدم قبول مسافرين عرب عام 1970

وثائق سرية مفرج عنها تكشف أسرار إلقاء القبض على ليلى خالد ومفاوضات إطلاق رهائن الطائرات المختطفة

TT

في السادس من سبتمبر (أيلول) عام 1970 اختطفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اربع طائرات ركاب. وتم تحويل طائرتين الى مطار داوسون وهو ممر جوي بريطاني قديم في وسط الصحراء الاردنية، بينما تم نسف الطائرة الثالثة في مطار القاهرة لانها كانت كبيرة للغاية بحيث يصعب هبوطها في الممر الجوي في داوسون.

اما عملية الخطف الرابعة فقد فشلت عندما تغلب رجال الامن في شركة «العال» الاسرائيلية على ليلى خالد قائدة العملية. وتم تحويل الطائرة الى اقرب مطار، وكان مطار هيثرو القريب من العاصمة البريطانية لندن. وألقي القبض على ليلى ونقلت الى مركز شرطة ايلنغ في غرب لندن. وتسبب وجودها في ازمة دولية رئيسية لبريطانيا.

وبعد ثلاثة ايام تم اختطاف طائرة اخرى تابعة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار من طراز في سي 10. فقد اراد الفلسطينيون الضغط على الحكومة البريطانية للافراج عن ليلى خالد. وفي ذلك الوقت كان الفلسطينيون يحتجزون 300 رهينة من بينهم 65 بريطانياً. وبالرغم من ان بريطانيا وقعت على معاهد طوكيو الدولية حول خطف الطائرات، التي تنص بصفة خاصة على عدم تفاوض الحكومات مع الخاطفين، الا ان الوثائق السرية التي أفرجت عنها الحكومة البريطانية في اول العام الحالي بعد مرور ثلاثين سنة، تشير الى ان حكومة ادوارد هيث المحافظة لم تستبعد هذا البديل تماما.

وقد عقد مجلس الوزراء البريطاني برئاسة ادوارد هيث رئيس الوزراء المحافظ اجتماعا في مقر رئاسة الوزراء في 10 داونينغ ستريت في التاسع من سبتمبر عام 1970 في الساعة الحادية عشرة الا الربع. وتصادف عقد الاجتماع بعد دقائق من خطف طائرة تابعة للخطوط البريطانية لما وراء البحار خلال رحلة من بومباي الى بيروت.

واشارت وثائق الاجتماع الى «اننا اصبحنا في نفس موقف الولايات المتحدة والمانيا وسويسرا حيث يحتجز الارهابيون العرب واحدة من طائراتنا وعددا كبيرا من البريطانيين كرهائن اضافيين».

واكد مجلس الوزراء البريطاني في اجتماعه «ضرورة الافتراض ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قادرة على تنفيذ تهديداتها بتدمير الطائرة والافراد الذين يسيطرون عليهم اذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم. وفي مثل هذه الظروف فقد وافقنا على مبادرة للولايات المتحدة ان علينا نحن وهم والحكومة السويسرية والحكومة الالمانية تنسيق رد فعلنا لانذار الفدائيين عن طريق مناقشات في برن. وقد وافقنا على استخدام اللجنة الدولية للصليب الاحمر كوسيط مع الفدائيين ورضخنا لاقتراح من الولايات المتحدة يكلف اللجنة الدولية للصليب الاحمر بعرض الافراج عن ليلى خالد مع الارهابيين الذين تحتجزهم السلطات السويسرية والالمانية مقابل الافراج عن الرهائن والطائرات المحتجزة في داوسون».

ويلاحظ ان اسرائيل لم تكن طرفا في هذا الاقتراح حيث ذكرت وثائق الاجتماع ان «حكومة اسرائيل ليست طرفا في هذا العمل المقترح، بالرغم من ان العديد من الرهائن من الاسرائيليين، وانذار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قدم مطالب مشروطة بالافراج عن الفدائيين في اسرائيل. الا الصليب الاحمر مستعد للافراج عن جميع الرهائن بمن فيهم الاسرائيليون».

واضافت الوثائق ان «نيات الحكومة الاسرائيلية في ما يتعلق بالانذار، يحتفظ بها غامضة ربما عمدا. ولكن وعلى الرغم من رفضهم حتى الان قبول اي مبادلات مع الارهابيين، فإنهم ربما يصبحون في النهاية، على استعداد للمشاركة في المفاوضات. كما من الممكن ان يشعروا بالخوف من التضحية برهائنهم لمصلحة الجنسيات الاخرى المعنية، وربما يكون هذا وراء الاتصال الذي اجروه معنا هذا الصباح لـ«الاحتجاز المؤقت» لليلى خالد في اطار معاهدة تبادل المجرمين.

وانتقل مجلس الوزراء بعد ذلك الى مناقشة الوضع القانوني لليلى خالد حيث اوضح انه «معتقلة، ولم توجه اليها اية تهم حتى الان، وهو واجب المدعي العام، في ضوء التقارير التي يتلقاها من الشرطة وسلطات المطار حول الظروف التي اجبرت فيها الطائرة على الهبوط في مطار هيثرو، في حال تم ارتكاب جريمة في اطار التشريعات البريطانية، واذا كان ذلك صحيحا، عما اذا كان يجب ان يوجه الاتهام لليلى خالد. وعلى مجلس الوزراء ان يعلم ان توصل المدعي العام الى قراره في هذه الموضوعات، فإنه مطالب دستوريا بالانطلاق اساسا من منطلق حكمه الخاص طبقا للادلة المعروضة عليه، وإن كان من حقه طبقا لتقديره ان يضع في الحساب بعض الاعتبارات الواسعة للسياسة العامة».

وذكر وزير الشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث سير اليك دوغلاس هيوم، ان ممثل اللجنة الدولية للصليب الاحمر مسيو روشا سيلتقى بممثلي الفدائيين مرة اخرى في الساعة الرابعة بعض الظهر. وأشار الى انه يشك في ان الفدائيين سيطبقون تهديداتهم في حالة انتهاء موعد الانذار الحالي».

واشار سير اليك في تقريره للمجلس الى «وجود ادلة على ان الحكومة الاسرائيلية ستكون مستعدة في النهاية للمشاركة في المناقشات في برن. وفي الوقت ذاته ظهرت اشارات على ان السلطات الالمانية، راغبة في الافراج من جانب واحد عن «الارهابيين العرب» الذين تحتجزهم، ونحن نسعى لاقناعهم بعدم القيام بذلك. كما اننا لم نأخذ القبول الرسمي لطلب الحكومة الاسرائيلية بالاحتجاز المؤقت لليلى خالد، ونرى انه من الافضل ان نطلب منهم فورا تأجيل هذا الطلب في ضوء المفاوضات الخاصة بالافراج عن الرهائن الدائرة الان، ومخاطر شكوك الفدائيين اننا قد نسلم ليلى خالد الى اسرائيل وربما تتعرض المفاوضات للخطر».

غير ان مجلس الوزراء ناقش مرة اخرى الجوانب القانونية للاحتفاظ بليلى خالد بدون توجيه الاتهام اليها. وقرر تكليف وزير الداخلية والمدعي العام بتوضيح الموقف القانوني في هذا المجال انتظاراً لتطورات المفاوضات التي يجريها مسيو روشا ممثل اللجنة الدولية للصليب الاحمر.

ثم انتقل مجلس الوزراء البريطاني الى مناقشة الموقف بالنسبة للطائرة البريطانية المخطوفة قبل دقائق من الاجتماع وهي الان على بعد 30 دقيقة من مطار بيروت، حيث ينوي الارهابيون تزويدها بالوقود قبل ان تطير إلى مكان آخر. لقد احتل الفدائيون برج المراقبة في مطار بيروت وهم يهددون بتدمير الطائرة اذا تمت عرقلة عملية التزود بالوقود. ويمكن القول انه لايجب علينا البقاء غير فاعلين في هذا الموقف، والظهور بمظهر القبول لاية اجراءات للابتزاز. وفي الناحية الاخرى، وفي الوقت ذاته من الخطر محاولة الحد من او السيطرة على وجهة نظر قائد الطائرة في تقدير اي مسار من المرجح ان يضمن سلامة ركابه وطاقمه».

ثم عاد المجلس وناقش «وسائل تقديم حماية اضافية للطائرات والمطارات في هذا البلد». وذكر رئيس مكتب التجارة (وزير التجارة) انه من المستحيل تقريبا ومن المكلف للغاية بحيث يتعذر تطبيقه «محاولة ضمان السلامة الشاملة ضد محاولات التخريب في مطار لندن. ولكننا في اطار العمالة المتوفرة والخدمات الامنية فقد تم تكثيف اجراءاتنا الوقائية ولا سيما في ما يتعلق بالسيطرة على المسافرين خلال ركوب الطائرات».

كما ناقش الاجتماع «استمرار الرحلات الجوية البريطانية للشرق الاوسط، واذا استمرت ما اذا كان يستمر قبول الركاب العرب. وتوصل المجلس الى ان اي قرار في هذا المجال، من الافضل اتخاذه من خلال فحص دقيق لقوائم المسافرين بدلا من مقاطعة الرحلات الجوية للدول العربية ككل».

ولخص رئيس مجلس الوزراء المناقشات بقوله ان «اية قرارات اخرى يجب ان تؤجل لحين معرفة التقدم الذي حققته مفاوضات مسيو روشا في برن. ولكن يجب على جميع اعضاء المجلس الحضور لاستئناف المناقشات حول الموقف في اقصر وقت ممكن».

واتخذ المجلس اربعة قرارات هي:

1 ـ دعوة وزير الشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث ورئيس مكتب التجارة (وزير التجارة) الى ترتيب، بأقصى سرعة، لرسالة مناسبة يتم نقلها الى حكومة لبنان وقائد الطائرة البريطانية التي تم الاستيلاء عليها بالقوة وهي تقترب من بيروت، تهدف الى ضمان، بقدر الامكان، سلامة الركاب والطاقم.

2 ـ دعوة وزير الشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث الى مطالبة الحكومة الاسرائيلية بتأجيل طلبها بالاحتجاز المؤقت لليلى خالد طبقا لمعاهدة تبادل المجرمين مع اسرائيل.

3 ـ دعوة وزير الداخلية والمدعي العام للنظر مجددا في الفترة التي يمكن استمرار احتجاز ليلى خالد فيها.

4 ـ دعوة رئيس مكتب التجارة الى دراسة عاجلة للوسائل المختلفة المقترحة في مناقشاتهم لتكثيف سلامة المطارات والطائرات البريطانية.