لحود لـ«الشرق الأوسط»: آثرت عدم الرد على جنبلاط وقلت لابني أخطأت في موقفك منه

الرئيس اللبناني قال إن السفير الأميركي أبلغه تفهم واشنطن لعدم إرسال الجيش إلى الجنوب

TT

آثر رئيس الجمهورية اللبنانية العماد اميل لحود، عدم الاستفاضة في رده على سؤال حول تفسيره لموقف النائب وليد جنبلاط منه بعد تلقيه الاتصال الهاتفي من رئيس جهاز الامن والاستطلاع في القوات العربية السورية العاملة في لبنان اللواء الركن غازي كنعان. اذ اكتفى بالقول امام عدد من زواره التقاهم امس: «لم اشأ الرد على كلام النائب جنبلاط لا من قريب ولا من بعيد. وكان باستطاعتي ان افعل ذلك اثناء استقبالي لرئيس واعضاء المجلس الوطني للاعلام الذين التقيتهم بعد ساعات على تصريح جنبلاط، لكني لم اذكره بحرف واحد بل ركزت حديثي على الحريات الصحافية وكررت التأكيد بأنني، من جهتي، لن اتعرض لأي صحافي مهما تناولني في كتاباته. اما اذا كان الامر يتعلق بالدولة فلن اتدخل بالتأكيد، اذ ان ذلك من شأن القضاء والمراجع المختصة».

وتابع الرئيس لحود كلامه فقال: «لقد جاءني كثيرون يسألونني عن رأيي في تصريحات جنبلاط، فامتنعت عن التطرق الى هذا الموضوع، كما اوعزت الى المكتب الاعلامي في القصر الجمهوري بألا يرد بدوره على هذه التساؤلات والاستفسارات. لكن ذلك لم يحل دون صدور اخبار من هنا وهناك تتحدث عن رفضي عقد مجلس الوزراء بحضور الوزراء الذين يمثلون جنبلاط وعن اعطائي اوامر للحرس الجمهوري بمنع دخول هؤلاء الوزراء الى الجلسة وغيرها الكثير من «الفبركات». وقالوا ايضاً أن تصريح نجلي النائب اميل اميل لحود المطالب باستقالة وزراء جنبلاط انما تم بإيعاز مني. لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، فقد اتصل بي اميل في اليوم التالي ليقول: «اظن انني تسرعت في اتخاذ هذا الموقف. فرددت عليه بالقول: تعلَّم من اخطائك».

ويتساءل الرئيس لحود في هذا الصدد: ما هذا التصرف العجيب الذي يجعل جنبلاط بعد اتصال هاتفي، يتوهم الامور فيصوِّب هجومه على رئيس الجمهورية في حين ان المقصود ابعد من ذلك؟ وقد قرأنا الرد السوري الممتعض من تصرفات جنبلاط مرتين وفق ما اوردته صحيفة «الشرق الأوسط».

وعن موقف رئيس الحكومة رفيق الحريري من اقوال حليفه جنبلاط، قال رئيس الجمهورية: «اولاً وقبل كل شيء ليكن معلوماً لدى الجميع ان علاقتي مع الرئيس الحريري اقوى من ان يهزها تصريح لجنبلاط او غيره. لقد عقدنا العزم معاً على التعاون والتفاهم والعمل من اجل مصلحة البلد. ولا بد ان اشير هنا الى أنني، وحين كلفت الرئيس الحريري تشكيل الحكومة قلت له: اختر فريق العمل الذي تريد وانا معك وسأدعمك. واليوم اعود مجدداً فأقول ان نجاح الحكومة نجاح لنا جميعاً، واخفاقها ـ لا سمح الله ـ ضربة موجعة لنا كلنا. اما في ما يخص موقف الرئيس الحريري من جنبلاط فقد سارع الاول الى الاتصال بي مستنكراً ما ورد على لسان جنبلاط فأجبته بهدوء: «يا شيخ رفيق... لا علاقة لك بالموضوع فدعه جانباً».

ورداً على ما يطالب به البعض الرئيس الحريري بفك تحالفه مع جنبلاط احتجاجاً على موقفه من رئيس الجمهورية الذي هو رمز الوطن، اجاب لحود: «هذا شأن الرئيس الحريري ولن اتدخل فيه». ثم استطرد قائلاً: «اتمنى على وسائل الاعلام ان تركز في احاديثها على التضامن الداخلي ووحدة الصف، خصوصاً في هذه المرحلة المصيرية التي يتقرر فيها مستقبل اولادنا واحفادنا. فهناك عدو يريد بنا شراً. واذا ما نظرنا من حولنا وجدنا ان لبنان وسورية وبفضل تعاونهما وتضامنهما والحرص على التشاور المتواصل بيني وبين الرئيس الدكتور بشار الاسد، يعيشان حالة استقرار يحسدان عليها. لذلك يسعى من لا يروق لهم هذا الوضع الى خربطة الساحة الداخلية اللبنانية بإثارة النعرات والهائنا بالخلافات والجدل البيزنطي، لكننا واعون لما يجري ولن نمكن احداً من النيل منا او تخريب العلاقات الاخوية والمميزة التي تجمع بين لبنان وسورية».

ويروي الرئيس لحود لزواره هنا ما جناه لبنان اخيراً من ثمرة هذا التعاون من سورية فيقول: «لقد حاول الاميركيون وغيرهم الضغط علينا لارسال الجيش الى الجنوب بعد الانسحاب الاسرائيلي منه. ولوحوا بسحب قوات الطوارئ الدولية وبوقف المساعدات المالية اذا لم نستجب لطلبهم. لكننا بقينا على موقفنا الثابت والقائل أن لا سلام في المنطقة ما لم تحل المشكلة الفلسطينية وينال الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة ويسمح للاجئين بالعودة الى ديارهم وكذلك الانسحاب من الجولان ومن مزارع شبعا واطلاق الاسرى اللبنانيين المعتقلين في السجون الاسرائيلية. وهذا الموقف لم نحد عنه لحظة واحدة وبدعم كامل من سورية، فماذا كانت النتيجة؟ لقد جاءني السفير الاميركي ديفيد ساترفيلد منذ ايام قليلة ليعلمني بأن الادارة الاميركية ستمنح المساعدات المخصصة للبنان، كما ابلغني تفهم واشنطن لعدم ارسال الجيش الى الجنوب كذلك سمع الجميع السفير ساترفيلد يقول، في تصريح له تعليقاً على مسألة التوطين، بأن الولايات المتحدة باتت تعلم جيداً ان للبنان وضعاً خاصاً به. كذلك اعلن السفير الاميركي أن التجديد لقوات الطوارئ سيتم بهدوء».

واستغرب الرئيس لحود هنا بعد عرضه الموقف الاميركي صدور بيان حزبي في لبنان يتساءل عن عدم ارسال الجيش الى الجنوب بعد انتقاد مغلوط لارتفاع موازنة الدفاع والجيش.

وعن المطالبين لرئيس الجمهورية بإدارة الحوار بين اللبنانيين حول القضايا التي هي مثار خلاف في ما بينهم، لفت لحود الى «ان الحوار لا يكون بالخطابات النارية ولا بالاطلالات الاعلامية بل باعتماد الهدوء والروية والسير به بخطى ثابتة ومدروسة وهادفة»، وان هذا ما يعتمده منذ توليه سدة الرئاسة. وذكر لحود انه حين تسلم قيادة الجيش لم يكن هناك جيش بل عناصر مشرذمة وألوية مفككة يغلب على كل منها لون طائفي وقد افسح المجال امام افراد الميليشيات للانضمام الى الجيش «ولقد وفقنا في اعادة بناء الجيش وبات الجميع يشيد بوحدته وانضباطيته وبعده عن الطائفية. ولكن كيف تم ذلك.. أليس بالحوار اولاً واخيراً؟».

وفي ما يخص علاقته بالبطريرك الماروني نصر الله صفير اكد لحود انها «ممتازة» خصوصاً بعد اللقاء الاخير الذي عقد بينهما صبيحة يوم عيد الميلاد. وكشف ان بحثاً مفصلاً تم بينه وبين البطريرك صفير حول الوجود السوري شرح له خلاله اهمية هذا الوجود خصوصاً في المرحلة الراهنة. وقال لحود انه عرض للبطريرك مراحل دخول الجيش السوري الى لبنان، متوقفاً بصورة خاصة عند مناشدة الرئيس الراحل سليمان فرنجية للرئيس السوري الراحل حافظ الاسد ارسال قواته الى لبنان للمساعدة على وقف الحرب خصوصاً حين شارفت القوى الوطنية والفلسطينية آنذاك على اقتحام مناطق ذات كثافة سكانية مسيحية. وقد استجاب «ابو سليمان» (الرئيس الاسد) لهذا النداء وجاءت مبادرته لتنقذ المسيحيين ولبنان.

وتوقف لحود عند عملية بناء الجيش بعد توقف الحرب واقرار وثيقة الوفاق الوطني التي عرفت باتفاق الطائف، فأوضح ان لولا المساعدة السورية لما استطاع بناء جيش وطني اضحى مثار اعتزاز وفخر كل لبناني. وابلغ لحود البطريرك انه، مع ازدياد الحديث عن مشاريع التوطين «لا بد لنا من الاعتماد على الاخوة السوريين لمساعدتنا في ابعاد هذه القنبلة الموقوتة عن لبنان». وخلص رئيس الجمهورية بعد عرضه هذا الى سؤال محدثه: «هل يعقل بعد كل هذه التضحيات التي قدمتها سورية ان نطلب منها الخروج من لبنان؟ هذه قلة وفاء لا نظنها من شيم اللبناني».

وعما سمعه من البطريرك صفير بعد هذا الطرح قال الرئيس لحود: «وجدت لديه تفهماً كاملاً، فما من احد يشك في وطنية البطريرك وحبه لبلده وابنائه وحرصه على مساعدتهم والوقوف الى جانبهم».

وتطرق لحود في هذا الاطار الى ما يحكى عن وجود مبادرة يقوم بها هذا الطرف او ذاك في ما يخص العلاقة مع دمشق فقال: «كثيرة هي المبادرات التي سمعنا عنها لكن سرعان ما نراها تتبخر، اذ ان القيادة السورية اكدت مراراً وتكراراً ان مثل هذه الامور المفصلية لا يجري البحث فيها الا من خلال المؤسسات وعبرها».

وحول الضجة النيابية التي اثارها انتقاد نائب رئيس الحكومة عصام فارس لنشر الموازنة في الصحف قبل توزيعها على اعضاء الحكومة، ودعوته الى فصل الامانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء عن المديرية العامة لرئاسة الحكومة، اعلن لحود ان فارس محق في ما ادلى به، لافتاً الى انه قرأ الموازنة في الصحف قبل ان تتسلمها رئاسة الجمهورية «وهذا لا يجوز». اما مسألة «الفصل» فقد ورد ذكرها في وثيقة الوفاق الوطني. الا ان لحود اخذ على نائب رئىس الحكومة طرحه الموضوع في وسائل الاعلام قبل بحثه ومناقشته في مجلس الوزراء.

لحود :لبنان يتطلع الى دور اوروبي اكثر فاعلية في حل ازمة الشرق الأوسط بيروت: «الشرق الأوسط» ابلغ الرئيس اللبناني العماد اميل لحود، مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية ايف اوبان دولا ميسوزيير، ان لبنان «يتطلع الى دور اكثر فاعلية لاوروبا في المساهمة في حل ازمة الشرق الأوسط بعد التعثر الذي شهدته العملية السلمية منذ مؤتمر مدريد وحتى اليوم».

وقال الرئيس لحود للمسؤول الفرنسي: «ان اسرائيل تتحمل مسؤولية تجميد المسيرة السلمية خلال السنوات الماضية نتيجة المواقف السلبية التي اعتمدتها والاعتداءات التي نفذتها على لبنان ورفضها السلام العادل والشامل والدائم وسعيها الى حلول مجتزأة اثبتت الاحداث انها لم تكن مجدية». واضاف: «من هنا كانت دعوتنا الى اعادة تحريك مفاوضات السلام على الاسس التي تم التوافق عليها في مؤتمر مدريد. ويمكن لاوروبا عموماً، ولفرنسا خصوصاً، ان تساهم مساهمة اساسية في ذلك نظراً لدورها وحضورها في اوروبا والعالم».

وشرح الرئيس لحود للمسؤول الفرنسي ثوابت لبنان وتمسكه بالسلام العادل والشامل والدائم في المنطقة، المرتكز على استكمال الانسحاب الاسرائيلي من لبنان والجولان السوري حتى حدود الرابع من يونيو (حزيران)، وعودة الفلسطينيين الى ارضهم المحتلة وضمان قيام دولتهم المستقلة بعاصمتها القدس.

وفي اطار عرض العلاقات الثنائية بين لبنان وفرنسا، عبّر الرئيس لحود عن «تقدير لبنان وامتنانه للموقف الفرنسي الداعم للحق اللبناني في المحافل الاقليمية والدولية، وللتعاون القائم بين الادارات والمؤسسات الفرنسية ومثيلاتها اللبنانية».

وحمل الرئيس لحود الموفد الفرنسي شكره الى الرئيس جاك شيراك على المبادرات المتكررة تجاه لبنان، معرباً عن امله في ان يتمكن من لقاء الرئيس شيراك خلال الاشهر المقبلة للتداول في القضايا الراهنة.

وقد سلم دولا ميسوزيير الرئيس لحود رسالة خطية من الرئىس شيراك تناولت الاوضاع الراهنة في المنطقة في ضوء التطورات الدقيقة التي تحصل فيها. وركز الرئىس شيراك في رسالته على «استمرار التوتر في الاراضي الفلسطينية المحتلة، والوضع الدقيق في الجنوب» مشيراً الى ان فرنسا وشركاءها الاوروبيين يبدون اهتماماً كبيراً بما يجري.

واكد شيراك في رسالته «ان السلام لا يمكن ان يتحقق في المنطقة من دون لبنان وسورية، وان الانسحاب الاسرائيلي من لبنان هو خطوة اولى ايجابية، لكن السلام العادل والشامل لن يتم الا باعادة مرتفعات الجولان الى سورية وحل المسألة الدقيقة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين في لبنان».