رسالتا وداع من كلينتون للإسرائيليين والفلسطينيين

وعد بدعم تل أبيب للحصول على طائرات «إف ـ 22» المتطورة

TT

تجاوب الرئيس الأميركي المغادر بيل كلينتون، مع مطلب عدد من اليهود الإسرائيليين والأميركيين، وقدم هدية الوداع لرئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، على أمل أن تعينه في معركته الانتخابية. وكانت الهدية عبارة عن رسالة حميمية دافئة ووعد ببيع الطائرة المقاتلة الأحدث في الولايات المتحدة «إف ـ 22» إلى إسرائيل.

وتوجه كلينتون إلى الكونغرس الأميركي بعدد من المطالب أمس، بوصفها آخر مطالبه من هذا المجلس (عادة لا يرد الكونغرس الطلبات الأخيرة، للرؤساء) ومن ضمنها: تزويد إسرائيل بالطائرة المقاتلة «إف ـ 22»، وهي المقاتلة الحديثة التي لن تباع إلاّ لعدد قليل من دول العالم، والتوقيع على مذكرة رسمية ونهائية لصياغة برنامج الدعم الحالي الأميركي لإسرائيل، الذي كان قد اتفق عليه في زمن رئيس وزراء إسرائيل السابق بنيامين نتنياهو لكنه لم يصادق بعد. ويقول الاتفاق إن ميزانية الدعم العسكري لإسرائيل تزيد في كل سنة بمبلغ 60 مليون دولار، حتى تصبح 2.4 مليار دولار في السنة، وذلك مقابل تخفيض ضعفي المبلغ المذكور من المساعدات المدنية (في حين كان الدعم 3 مليارات دولار، 1.2 مليار منها مساعدات مدنية و1.8 مليار مساعدات عسكرية. وتبجح نتيناهو في حينه وقال إن لديه خطة للتخلص من هذا الدعم، في غضون خمس سنوات. فقرر الأميركيون تلقينه درساً يومها، فأقاموا لجنة فورية للتفاوض حول كيفية «التخلص» من المساعدة. وفي المفاوضات بدأ نتيناهو يعود إلى حجمه الطبيعي. فبدلاً من خمس سنوات اتفق على 10 سنوات. ثم تقرر أن كل مبلغ يقلص من الدعم المدني، يضاف نصفه إلى الدعم العسكري. وهكذا، بحيث يلغى الدعم المدني بعد عشر سنوات، فيما يكبر الدعم العسكري إلى 2.4 مليار).

لكن الدعم الأهم الذي انتظره باراك، جاء في صيغة رسالة وداع موجهة مباشرة من كلينتون إلى الشعب في إسرائيل. وجاءت هذه الرسالة تجاوباً مع طلب صحيفة «يديعوت أحرونوت». ونشرت أمس على نصف مساحة الصفحة الأولى منها. وننشر في ما يلي النص الكامل للرسالة: «غداً (اليوم) السبت 20 يناير (كانون الثاني)، عند حلول ساعات الظهر، سأنهي ولايتي رئيساً للولايات المتحدة، وبذلك تصل إلى نهايتها ثماني سنوات حافلة بالأحداث، سنوات واجهت خلالها القضايا، الصغيرة والكبيرة، الداخلية والعالمية، سنوات كان فيها الأسف والحزن، وكان فيها الفرح، أيضاً. من بين كل هذه القضايا، كان الموضوع الذي انطوى على الهدف الأسمى بالنسبة لي وهو مستقبل منطقتكم ومستقبل بلادكم.

إنكم تعيشون في عالم يحفل بالمخاطر، وتحصلون في كل يوم على تذكير بهذا الواقع، لقد وسعت العلاقات الاستراتيجية المميزة بيننا. وساعدت في الدفاع عن أمنكم وتقويته، وكجزء من هذا الجهد المتواصل، ها أنا أوصي الآن، بأنه حين يبدأ تسويق طائرتنا الحربية الأكثر تطوراً «إف ـ 22»، أن تكون إسرائيل بين الدول الأجنبية الأولى، إن لم تكن الأولى، التي يسمح لها باقتنائها، إذا رغبت بذلك. وفي هذه الأيام بالذات، وقعنا مذكرة تفاهم في موضوع المساعدات الأمنية المتبادلة، بهدف توفير التعبير العملي لالتزاماتنا طويلة المدى بتطوير جيش الدفاع الإسرائيلي.

لقد بذلت قصارى جهدي، أيضاً، لإحراز التقدم على مسار السلام، لأنني أؤمن بأنه لا طريق أفضل من هذا لضمان وجود إسرائيل. خلال ثماني سنوات، منذ الراحل إسحق رابين وحتى إيهود باراك، عملت مع قيادتكم في وقت جازفوا فيه بشكل مدروس من أجل السلام. لقد قطعنا الطريق معاً في أوقات الانتصارات الكبيرة كمصافحة اليد التي لا تنسى بين إسحق رابين وياسر عرفات في باحة البيت الأبيض، وفي أوقات المأساة الكئيبة، كمقتل إسحق رابين، ووفاة الملك حسين، والعنف المتزايد في هذه الأيام. لقد امتحنا معاً في لحظات من الريبة، عندما نشر الإرهاب والعنف الظلام على كل خطوة في طريقنا، لكننا، أيضاً، حققنا انجازات تاريخية، الاتفاقيات مع الفلسطينيين، والتي تقدم بها الجانبان نحو الاعتراف المتبادل، واتفاق السلام مع الأردن، وفي الصيف الأخير وانسحابكم من لبنان وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 425.

أعرف بأن أحداث العنف في الأشهر الثلاثة الأخيرة، تسببت لكم بالألم والمعاناة الكبيرة، وزعزعت ثقتكم بالعملية السلمية وطرحت تساؤلات حول إمكانية تعايشكم انتم والفلسطينيين بسلام، جنباً إلى جنب، لكن العنف لا يؤكد بأن السعي إلى السلام تجاوز المدى إلى حد بعيد، بل على العكس إنه يؤكد بأن السعي إلى السلام لم يصل إلى البعد الكافي، إنه لا يؤشر على فشل المفاوضات، وإنما على قلة جدوى العنف وتفعيل القوة. البديل عن اتفاق السلام لم يكن أبداً بمثل هذا الوضوح كما يتحقق أمام عيوننا الآن.

من جهتي، سأظل مقتنعاً بهذه الحقيقة البسيطة: طالما حاولتم انتم وجيرانكم العرب، حل الخلافات المتبقية بينكم سواء كان ذلك اليوم، أو بعد عدة سنوات، وقبل أن يقع المزيد من سفك الدماء والأسى العميق، أو بعد وقوعه، فإن المشاكل الجوهرية ستظل كما هي الآن، ستواجهون ذات التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، وذات المشاعر والكراهية، وذات القرارات الصعبة المطلوبة لتحقيق السلام الشامل.

أحياناً تكون التسوية صعبة، ودائماً تكون مؤلمة، لكن على الشعوب والقادة في المنطقة أن يفهموا أن البحث عن سلام من دون تسوية، معناه التنازل الكلي عن السلام.

بانتظاركم أيام صعبة وأيام تمزق القلب. لا أحسدكم على القرارات الصعبة التي ستطالبون باتخاذها في سبيل التوصل إلى سلام دائم، أنتم وحدكم من يمكنكم ويجب أن تتخذوها. كل ما يمكن طلبه هو أنه عندما تصلون إلى هذه القرارات، وتكون ثقيلة على قلوبكم، ان تفعلوا ذلك، أيضاً، بعيون مفتوحة، تتطلع إلى مستقبل أفضل لأولادكم.

أنتم، الذين عدتم إلى وطنكم القديم بعد ألفي سنة، الذين أبيدت آمالكم وأحلامكم تقريباً في الكارثة، أنتم الذين لم تتمتعوا يوماً واحداً بالسلام والهدوء منذ قيام دولة إسرائيل، اسمحوا لي أن أشارككم تفكيري هذا في لحظة الوداع. إنكم قريبون اليوم، أكثر من أي وقت مضى من إنهاء مائة سنة من نضالكم في سبيل السلام والعيش الاعتيادي. رجاء لا تتنازلوا عن السعي إلى السلام، ليس الآن، عندما بات تقريباً في متناول أيديكم، لأن هذا اليوم سيأتي بالتأكيد، وعندما يأتي، رغم أنني لن أكون عندها رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، سأقف إلى جانبكم، صديقاً ثابتاً ومخلصاً كما أنا اليوم، وستكون تلك أجمل ساعات إسرائيل. سلام على إسرائيل. بيل كلينتون».

ودعا كلينتون الفلسطينيين الى مواصلة جهودهم السلمية، في رسالة اخرى باللغة العربية. وطلب منهم: «عدم الانجرار وراء دوامة العنف». وكتب يقول: «دعوني اقول لكم ان هذا الوقت ليس وقت اتباع اصوات الثأر، لان ذلك يمكن ان يؤدي فقط الى اراقة المزيد من الدماء والموتى».

ولفت الانظار ايضا الى آلام الفلسطينيين وخيبات أملهم منذ التوصل الى اتفاق اوسلو في 1993 حول الحكم الذاتي: «ان السنوات الثماني الاخيرة لم تكن سهلة بالنسبة اليكم، لقد تعرضتم للاهانات بصورة يومية، وعانيتم فعلا لكسب قوتكم اليومي، وفوق كل ذلك لا تزالون ترون اطفالكم كل يوم يعيشون في الفقر، وبما ان ثمار السلام لم تنضج بعد، يمكنني ان اتفهم احباطكم وخيبة املكم وحتى غضبكم». واضاف: «لكن لا تنسوا ما قد حققتم حتى الان، وتحديدا قدرتكم على ادارة شؤونكم بانفسكم وانتخاب مسؤوليكم وبناء مؤسساتكم الذاتية».