ديل بونتي: ميلوشيفيتش كان على علم مسبق بقصف التلفزيون لكنه رفض إبلاغ العاملين في المحطة

مدعية المحكمة الدولية تنتقد الدول التي تحمي داخل حدودها المتهمين بارتكاب جرائم

TT

قالت كارلا ديل بونتي، المدعية العامة للمحكمة الدولية المعنية بالنظر في التهم الموجهة إلى المتهمين بارتكاب جرائم حرب في مناطق يوغوسلافيا السابقة، إن الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش أبلغ عام 1999 من قبل حلف شمال الأطلسي بأن قوات هذا الأخير ستقصف محطة تلفزيون بلغراد، لكن ميلوشيفيتش امتنع عن إخطار جميع التقنيين والعاملين بالمحطة واكتفى بإبلاغ بعض مديريها فقط. وحسب ديل بونتي، فإن الرئيس اليوغوسلافي المتهم بارتكاب جرائم حرب قد «أجبر الناس على البقاء في المبنى مع معرفته التامة بأنه سيقصف حتى يتم استغلال الحدث ضد حلف الناتو».

هذه المعلومة المثيرة وغيرها أفادت بها كارلا ديل بونتي، إلى «وجهة نظر عالمية» أثناء مشاركتها في أعمال المنتدى الاقتصادي الدولي المنعقد بمنتجع دافوس السويسري.

* وانت قادمة للتو من بلغراد، بماذا أبلغتك السلطات الصربية عن مسألة التعاون في محاكمة المتهمين كمجرمي حرب؟

ـ بلغراد لن تتعاون. قالوا لي انه لا دور لهم في هذا الامر. واذا كان ميلوشيفيتش سيحاكم فان ذلك لن يحدث في لاهاي، بل فقط في بلغراد. والتفسيرات التي يقدمونها بشأن رفضهم محاكمة ميلوشيفتيش في لاهاي متباينة، مثل «الوضع خطير» و«التعاون معكم سيضيف عاملا جديدا لعدم الاستقرار» و«الذين تدينهم الامم المتحدة سيتحولون الى ابطال» و«المحكمة تخدم مصالح الولايات المتحدة» و«لا نستطيع التعاون بسبب قصف حلف شمال الاطلسي الذي كان الصرب ضحاياه». وهذا خداع كبير من جانبهم.

* يقول بيير سان، من منظمة العفو الدولية، ان قصف قوات الاطلسي لمحطة التلفزيون ببلغراد أثناء حرب كوسوفو وراح ضحيته 16 شخصا ينبغي ان يكون من ضمن القضايا التي يتضمنها التحقيق. بماذا تعلقين؟

ـ من المهم ان اشير الى انني تلقيت معلومات الاسبوع الماضي من الصرب، مفادها ان حلف الاطلسي ابلغ ميلوشيفيتش مسبقا ان محطة التلفزيون سيتم قصفها. وقام ميلوشيفيتش باخطار بعض المديرين، لكنه لم يخطر الفنيين حتى يغادروا المحطة. ولذلك فان ميلوشيفيتش نفسه هو الذي اجبر الناس على البقاء بالمبنى، مع معرفته التامة بانه سيقصف، حتى يتمكن من استغلال الحدث ضد حلف «ناتو». وتشير تحرياتنا الأولية الى انه لا توجد اسباب كافية لاجراء تحقيق حول القصف. وقد طالبنا السلطات الصربية بمزيد من الأدلة، واذا توفرت الاسباب لاجراء هذا التحقيق، فاننا سنفعل ذلك. لكن هذه ليست من اولوياتي حاليا.

ومما يثير استغرابي ان قضية قصف «ناتو»، تثار المرة تلو المرة. كيف يمكن ان تكون تلك اولوية مع انني اشاهد في كل مرة ازور فيها البوسنة والهرسك او اذهب الى كوسوفو المقابر الجماعية لآلاف الجثث؟

ـ اولوياتنا هي محاكمة جرائم الابادة، والجرائم ضد الانسانية. من المهم تقديم كاراديتش وميلوشيفيتش وملاتش، الى المحاكمة. هذا هو هدفنا حاليا. وبالطبع فان اولئك الـ16 الذين ماتوا في قصف «ناتو»، ليسوا اقل اهمية لكنهم لا يمثلون اولوية بالنسبة لي.

* يدور في صربيا حديث عن «لجنة للحقيقة والمصالحة»، على غرار تلك التي قامت في جنوب افريقيا، للتعامل مع جرائم الحرب نفسها. هل تعارضين انشاء مثل هذه اللجنة ام تؤيدينها؟

ـ اخطرت وزير الخارجية الصربي اننا لا نعارض مثل هذه الفكرة اذا كانت تعنى باجراء تحقيقات تكشف الحقائق حول جرائم الحرب.

واخشى ان تستغل مثل هذه اللجنة كبديل عن المحاكمات. فقد اوضحت لوزير الخارجية ان مثل هذه اللجنة لن تكون بديلا لاجراءات تحقيق العدالة، وقلت له اننا سنسير على كلا المسارين. المصالحة نعم، لكن نعم ايضا للعدالة.

* اذا فشلت محكمة الامم المتحدة في اجراء هذه المحاكمات، فماذا ستكون النتيجة؟

ـ اذا لم يستطع المجتمع الدولي تحويل كلماته الى افعال، فان طغاة المستقبل سيتمكنون من الافلات والاختفاء عن الانظار، واذا فشل العالم في اتخاذ اجراءات جماعية ضد هؤلاء، فانهم ربما لا يعبأون حتى بالهرب والاختفاء، لانهم يعرفون ان بامكانهم البقاء داخل حدودهم دون عقاب. وسيواصلون مغامراتهم معتمدين على انهم اذا فقدوا السلطة ذات يوم، فان الارادة السياسية لوضعهم امام العدالة، لا وجود لها.

واذا كانت زيارتي الاخيرة الى بلغراد تنطوي على اي دلالة، فهي ان السيادة الوطنية ما تزال عاملا قويا، وما تزال باقية كما هي لم تتغير. وهذا يعني ان المصالح الوطنية الضيقة ما تزال سائدة، وما يزال العمل الجماعي محفوفا بالعقبات والمصاعب. ومن الواضح ان تكوين المحاكم الدولية لمناطق يوغوسلافيا السابقة ورواندا، هو نقطة البداية، وليس غاية المراد، في عملية تطبيق العدالة على الطغاة ومجرمي الحرب. وحتى اذا كان بامكانهم الاختفاء عن الانظار، فاننا مطالبون ببذل اقصى الجهود لتنغيص حياتهم بتجميد حساباتهم البنكية، وتقصي علاقاتهم التجارية، واصدار اوامر الاعتقال الدولية بحقهم، مما يحظر عليهم السفر الى الخارج.

وفيما يتعلق بانشاء المحاكم العالمية للنظر في مثل هذه القضايا، الاحظ بقلق شديد، ان الدول، وهي تنطلق من مصالحها الضيقة، بدأت تتراجع عن تبني فكرة العدالة الدولية. لكننا اذا تراجعنا الآن، فان الامر ربما يستغرق قرونا اخرى، لاستعادة ارادتنا لاشهار سيف العدالة ضد العنف. وهذا يعني القبول بحلول المأساة وراء المأساة، في المستقبل الانساني.

* خدمة «وجهة نظر عالمية» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»