ازدهار بورصة الشائعات حول مرشحين لخلافة عبد المجيد في الجامعة العربية

الأمين العام لـ«الشرق الأوسط»: ما زلت أشعر بالقدرة على العطاء

TT

قبل أقل من ستة أسابيع على انعقاد القمة العربية المرتقبة في الأردن فتحت بورصة الشائعات والتكهنات حول المصير السياسي للدكتور عصمت عبد المجيد في منصبه الحالي كأمين عام للجامعة العربية أبوابها مبكراً ـ وعلى غير العادة ـ لترتفع أسهم البعض (داخل مصر وخارجها) على خلفية الاحتمال القائم بعدم التجديد له. خاصة أن مصر لم تتقدم حتى الآن بملف مرشحها سواء كان الدكتور عبد المجيد أو غيره.

وربما يحمل التأخير في تقديم الملف اشارة قوية إلى أن السلطات المصرية عازمة على طلب اعادة ترشيح الدكتور عبد المجيد لفترة ولاية ثالثة تبدأ في منتصف مايو (ايار) المقبل وتنتهي عام 2006، على اعتبار أنه إذا كانت هناك نية حقيقية لتقديم مرشح بديل لبادرت مصر وقبل فترة طويلة من توقيت تقديم طلب الترشيح (بضعة أشهر على الأقل) بإعلان اسم مرشحها الجديد حتى يتسنى للآلة الاعلامية والدبلوماسية العربية تلميع القادم وتقديمه للرأي العام وللحكومات في العالم العربي على حد سواء.

لكن البعض يقول ان التأخير في حد ذاته هو تلميح بعدم الرغبة في التجديد بالنظر إلى أن ثمة وجوها أخرى ترشحها بورصة الشائعات لشغل المنصب الذي يمنح صاحبه بالتبعية الشهرة التي يتمناها الكثيرون هنا وهناك.

اللافت للانتباه في هذا الصدد هو اقتراح عبر عنه ـ الشهر الماضي ـ الدكتور مصطفى الفقي عضو البرلمان المصري ومساعد وزير الخارجية السابق للشؤون العربية، بالتجديد للدكتور عصمت عبد المجيد لمدة عامين في منصبه الحالي.

وتقول مصادر عربية أن الفقي ـ الذي كان حتى وقت قريب أحد المقربين من دوائر صنع القرار السياسي في مصر ـ كان يعبر بهذا الاقتراح عن توجه رسمي لحسم قضية منصب الأمين العام للجامعة العربية.

ولم يكن الاقتراح مبنياً على اجتهادات فقط بقدر ما كان عودة إلى النص الأول والقديم الذي تضمنه ميثاق عمل الجامعة العربية فيما يتعلق بفترة ولاية أمينها العام، حيث نص الميثاق عام 1945 على أن مدة ولاية الأمين العام للجامعة العربية هي عامان فقط مع جواز التجديد لأي فترات مماثلة. وفي عام 1950 تم تعديل هذا النص لتصبح المدة خمس سنوات وبدون حد أقصى وهو المبدأ المعمول به حالياً.

وإذا كان البعض قد أطلق تكهنات أو شائعات بأسماء لمرشحين عرب لشغل منصب الأمين العام للجامعة العربية من بينهم الدكتور سليم الحص رئيس وزراء لبنان ووزير خارجيته السابق بالنظر إلى تجربته السياسية والدبلوماسية المعروفة وحتى الدبلوماسي الجزائري السابق الأخضر الابراهيمي، فان البعض الآخر رشح عبد الرحمن سوار الذهب الرئىس السوداني الأسبق، كما تشمل قائمة المرشحين العرب ـ بحسب بورصة الشائعات دوماً ـ العشرات من الأسماء المعروفة وحتى المجهولة عربياً ودولياً.

وجرى العرف منذ تأسيس الجامعة العربية عام 1945 على أن يتولى أمين عام مصري مهمة ادارة الجامعة العربية ومنظماتها التابعة. لكن الاستثناء الوحيد في هذا الاطار تم لدى انتقال مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس بعد مؤتمر بغداد الشهير عام 1978 اثر توقيع مصر لاتفاقية الصلح مع اسرائيل خلال عهد الرئىس الراحل أنور السادات.

ومن الملاحظ أنه حتى في ظل هذا الاستثناء فإنه جرى الالتزام بمبدأ أن يأتي الأمين العام للجامعة العربية من دولة المقر، حيث تم تعيين الشاذلي القليبي (تونسي) لهذا المنصب قبل أن يستقيل أثناء أزمة الدخول العراقي للكويت في الثاني من أغسطس (آب) عام .1990 ويعد الدكتور عصمت عبد المجيد ثاني الأمناء العامين عمراً في شغل هذا المنصب حيث يحتفظ عبد الخالق حسونة ـ ومن دون منازع ـ بلقب الأمين العام الأطول خدمة وبقاء في منصبه، اذ أن فترة ولايته تمتد من عام 1952 وحتى عام 1972، ليسجل بذلك عشرين عاماً وهو رقم قد يصعب ـ نظرياً ـ تخطيه من أي أمين عام آخر، وإذا كان عبد الخالق حسونة الذي كان ثاني أمين عام للجامعة خلفاً لأمينها الأول عبدالرحمن (باشا) عزام، يحتفظ بلقب أطولهم عمراً في الاحتفاظ بالمنصب فإن الشاذلي القليبي (وترتيبه الرابع زمنياً) سجل احد عشر عاماً في المنصب ذاته يليه الأمين العام الأول (عبد الرحمن عزام) برصيد سبع سنوات، متعادلاً بذلك مع سلفه محمود رياض ثالث أمين عام للجامعة العربية.

ومنذ انشائها عام 1945 تولى خمسة أمناء عامين فقط مسؤولية الجامعة العربية على مدى السنوات الخمس والخمسين الماضية.

ورغم سنواته السبع والسبعين لايزال الدكتور عصمت عبد المجيد يتمتع بلياقة ذهنية وصحية يحسد عليها، فهو يعمل ثماني ساعات يومياً في مكتبه دونما كلل أو ملل، فيما تحتم عليه تبعات عمله الانخراط في العديد من الحفلات والمؤتمرات والندوات واللقاءات التي تعنى بالعمل العربي المشترك.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه ما زال يشعر بالقدرة على العطاء لخدمة المصالح العربية وتفعيل آليات التعاون العربي بما يحقق ما يصبو إليه المواطنون العرب من المحيط إلى الخليج.

ونفى عبد المجيد في تصريحات خاصة أن يكون شعور بالملل قد بدأ ينتابه مؤخراً من كثرة المشاكل العربية أو حدة الهموم التي يحفل بها النظام الاقليمي العربي.

وأضاف «أشعر أنني واحد من الناس البسطاء في العالم العربي، وأنا حريص على أن تكون الجامعة العربية هي المعبرة عن لسان حال وضمير هؤلاء وخدمة مصالحهم».

ومع أنه رفض التعليق بشأن احتمالات التجديد أو عدم ترشيحه لمنصب الأمين العام لفترة ولاية ثالثة، إلا أنه اعتبر أنه سيضع نفسه في خدمة الجامعة العربية وقضايا العالم العربي متى تطلب الأمر ذلك.

ويشعر الدكتور عصمت عبد المجيد بحرج شخصي لدى سؤاله حول هذا الملف المسكوت عنه، فهو (وبحسب ما قاله مؤخراً للمقربين منه) لايريد أن يبدو حديثه عن ملف التجديد بمثابة حملة علاقات عامة للحصول مجدداً على هذا المنصب.

ويشير الأمين العام للجامعة العربية إلى أن اقرار عقد قمة عربية دورية ومنتظمة كل عام هو أحد أهم الانجازات التي تمكن من تحقيقها خلال السنوات العشر الماضية.

ويقول لـ«الشرق الأوسط» مازال أمامنا الكثير من العمل لاخراج توصيات مجالس الجامعة العربية حول سبل تعزيز وتطوير آليات العمل العربي المشترك إلى النور.

ومع أنه قدم عام 1993 مشروعه لتحقيق المصالحة العربية الشاملة على أساس المصارحة إلا أن هذا المشروع مازال في حده الأدنى علماً بأنه يتحفظ على اعلان أسماء الدول العربية التي تحفظت أو أبدت شروطاً لإنجاح هذه المبادرة.

ومع تركة مالية متعثرة توشك الجامعة العربية على اعلان افلاسها (ان لم تكن قد أفلست بالفعل) فإن طموح الدكتور عصمت عبد المجيد لتطوير الجامعة العربية يصطدم على الدوام بعجز مالي يتجاوز المائة مليون دولار دونما وجود أدنى بصيص من الأمل على امكان تجاوز هذه الأزمة المالية الطاحنة خلال السنوات القليلة القادمة.

وتشكل علاقته المتوترة مع العراق بين الحين والآخر أحد الملامح السلبية لما يفرضه منصب الأمين العام من مشاركة فعلية واعلامية في قضايا العالم العربي.

وسواء تم مد تجربة ملف ترشيحه لفترة ولاية ثالثة أم لا فإنه من المؤكد أن سنواته العشر كأمين عام للجامعة العربية كانت حافلة بالأحداث الدراماتيكية التي لعب هو ـ شخصياً ـ دوراً ملحوظاً في ادارتها على نحو يصعب معه ـ دائماً ـ معرفة إلى أين ينتهي هذا الخيط الرفيع بين واجبات المنصب ومسؤولياته.