بريطانيا تهدد بفتح جروح أوروبا القديمة

TT

تعقد الأسبوع المقبل سلسلة من الاجتماعات على مستوى عال بين قادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ربما تشكل فكرة «الجدل العظيم» حول مستقبل أوروبا.

وكان التكتل الأوروبي قد بدأ ما اسماه بـ«الجدل العظيم» في قمة نيس التي عقدت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي لمناقشة موضوعات حول الدستور الموحد للاتحاد والقوة الأوروبية.

وسيتناول توني بلير رئيس الوزراء البريطاني عشاءه يوم الاثنين القادم في برلين على مائدة المستشار الألماني جيرهارد شرودر وسط إشارات على اتجاه ألمانيا لإبراز نفسها كقائد لأوروبا الفيدرالية الموحدة. وبدوره سيتوجه شرودر إلى ستراسبورج يوم الأربعاء المقبل للاجتماع مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك في لقاء يستهدف تسوية «العلاقة الخاصة» التي تجمع البلدين، لكن لن يكون الأمر سهلا خاصة مع اختلاف فرنسا وألمانيا صراحة حول مستقبل التكتل الأوروبي. وكانت قمة نيس قد امتلأت بالأحاديث عن المثالية والمصالح المشتركة من وجهة نظر الأطراف الرئيسية في الجدل العظيم، لكن وسائل الأعلام الأوروبية ترى أن الاجتماعات والأحاديث ليست أكثر من «حوار للصم» يفقد فيها الجميع أعصابهم. وتحدث عضو بارز في اللجنة الأوروبية، هو الهولندي فريتس بولكشتاين، عن التغير الذي تشهده التحالفات داخل أوروبا حاليا، لكنه استنكر الأحاديث التي تدعو للمنافسات القومية. ويخشى كثيرون مثله من أن يسفر الجدل العظيم عن المزيد من الخلافات وليس المزيد من الأمل. ويبدو ان الخلاف بين ألمانيا وبريطانيا اصبح وشيكا بعد أن صعد شرودر في الآونة الأخيرة من تأييده لوضع دستور رسمي للاتحاد الأوروبي، وطالب بالمزيد من التكامل بين دول التكتل مما سيزيد من تقليص دور الدولة الوطنية. بينما يعتمد نجاح بلير في الانتخابات العامة، التي ستجرى قريبا، جزئيا على قدرته على المساهمة في تشكيل الجدل الأوروبي العظيم، على الرغم من أن الكثير من الناخبين البريطانيين لا يزالون معادين لفكرة القوة الأوروبية والعملة الموحدة. وفي الوقت نفسه يشعر القادة الألمان بالقلق من بعض العلامات التي تشير إلى احتمال أن يرجئ بلير لسنوات اتخاذ أي قرار يتعلق بتحول بريطانيا إلى العملة الأوروبية الموحدة، مما سيحرم مؤيديها من فرصة الوصول لوحدة نقدية أوروبية تامة. كما شهد الأسبوع الماضي استقالة وزير ايرلندا الشمالية بيتر ماندلسون اكثر مستشاري بلير حماسة للوحدة الأوروبية. ومعلوم ان حكومة بلير تصر على عدم وضع أي دستور أوروبي يلزمها قانونيا، مما يهدد بفتح الجروح القديمة مع ألمانيا.

ورفض وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر تكرار ما ذكره سلفا عن أن رؤساء «الحكومة الأوروبية» مستقبلا يجب أن يتم انتخابهم عن طريق جميع الأوروبيين، لانه يعرف على وجه اليقين أن مثل هذه التصريحات ستثير عاصفة احتجاج في بريطانيا.

لكن الخطر الأكبر الذي يواجه مشروع أوروبا الموحدة يأتي من التوترات الجديدة بين ألمانيا وفرنسا. فالحكومة الفرنسية التي أثار قلقها الصرامة السياسية الألمانية الجديدة، بدأت تتساءل عن دوافع برلين للحصول على قوة أوروبية تتخطى الحدود القومية، وتخشى في الوقت نفسه من هيمنة ألمانيا على أوروبا الشرقية والوسطى. وفي حديث مع مجلة «دير شبيجل» الألمانية دعا الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية إلى إقامة «أوروبا مكونة من دول». واعترف بوجود ما يشير إلى مناخ من عدم الثقة بين فرنسا وألمانيا. كما حذر من اي منافسة صريحة بينهما على القوة ستشكل خطرا كبيرا على البلدين وستكون كارثة للاتحاد الأوروبي.