ناشر «الشرخ الكبير» الاسكوتلندي لـ«الشرق الأوسط»: قصة مصنع الأسلحة الكيماوية الإيراني أهم ما في جعبة ضابط الاستخبارات السابق توملينسون

TT

في مقابلة مع «الشرق الأوسط» قال بيل كامبل مدير دار «مينستريم» الاسكوتلندية للنشر التي تستعد لإصدار الترجمة الانجليزية لكتاب العميل البريطاني السابق ريتشارد توملينسون «الشرخ الكبير» في غضون أيام قليلة بعدما أخفقت الحكومة البريطانية أواخر الأسبوع الماضي في منعها من ذلك، إن الموضوع الرئيسي «العربي الاسلامي» الذي يتناوله عضو جهاز الاستخبارات الخارجية «إم آي 6» السابق هو مشروع إقامة مصنع للأسلحة الكيماوية في إيران بمساعدة رجل أعمال اسرائيلي على علاقة بجهاز الموساد. غير أن توملينسون الموجود خارج بريطانيا توقف في سياق كتاب السيرة الذاتية الذي يروي قصته مع الاستخبارات البريطانية من ألفها إلى يائها، عند أحداث عدة تتصل بالعالمين العربي والإسلامي لعل أهمها الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك، وكان الكتاب قد صدر أولاً بالانجليزية في روسيا قبل أسابيع وأكد الناشر أن المشكلة بين توملينسون والاجهزة الأمنية البريطانية نجمت أساساً عن أخطاء إساءة الإدارة التي ارتكبتها الأخيرة وكلفت حتى الآن ملايين الجنيهات. وأوضح كامبل الذي ساهم بتأسيس الدار قبل نحو عشرين عاماً تطورت خلالها حتى صارت أكبر دور النشر الاسكوتلندية المستقلة، إن «مينستريم» تسعى لتعريف قرائها بأحداث بارزة لها جانبها العربي ـ الإسلامي الواضح.

* هل لك أن تعطينا فكرة عن الجانب «العربي ـ الإسلامي» في كتاب «الشرخ الكبير»؟

ـ هناك إشارات كثيرة لدول عربية وإسلامية في الكتاب، فتوملينسون يروي تفاصيل الأحداث الرئيسية التي قادته إلى الاحتكاك بالشرق الأوسط كرجل أمن بريطاني والاطلاع عن كثب على التعاطي السري بين أشخاص شرق أوسطيين وأجانب في مجالات أمنية أو سرية (....) المهمة التي يضعها المؤلف في مقدمة تجاربه الشرق أوسطية تتعلق بتحريات قام بها عن مصنع للأسلحة الكيماوية كانت إيران تعتزم إقامته، لكنه أعفي من متابعة العمل مع الفريق المكلف بمتابعة الأمر قبل أن يتمخض العمل عن نتائج ملموسة. عدا ذلك يتوقف العميل السابق طويلاً عند حرب البوسنة والهرسك التي شهد جزءاًَ منها حين كان يعمل هناك مندوباً (منتحلاً صفة مستشار مدني لضابط بريطاني كبير) لجهاز إم آي 6.

* وما الذي يتعرض إليه فضلاً عن ذلك؟

ـ هو أساساً كتاب سيرة ذاتية يمكن تقسيمه إلى أربعة أجزاء. أفرد توملينسون الأول لسنوات الطفولة والمراهقة وصولاً بالمرحلة الجامعية التي قضاها في جامعة كمبريدج حيث تلقى قُبيل تخرجه عرضاً للعمل لدى إم آي 6 ولم يأبه له بادئ الأمر. وسرد في الثاني بعض تفاصيل مرحلة انضمامه للمؤسسة الأمنية والتدريبات التي خضع لها، وأتى في الجزء التالي على ذكر أمثلة عملياتية وضع فيها هذه التدريبات موضع التطبيق. أما الجزء الأخير فكرسه لحياته وتجاربه كرجل أمن سابق فار.

* ولماذا قررتم نشر هذا الكتاب المثير للجدل الذي قد يسبب لكم مشاكل شتى؟

ـ لأنه يطرح جملة من القضايا البالغة الأهمية التي تتصل بطريقة إدارة مجتمعنا، ويتناول مسائل ساخنة ذات علاقة جوهرية بنمط حياتنا السياسية والسرية التي لا تزال تهيمن عليها (....) ومن غير المعقول على الإطلاق أن بوسع أي شخص في روسيا، لا بل في العالم، أن يقرأ كتاباً لا يسمح للمواطن البريطاني أن يطلع عليه مع أنه يسلط الضوء بقوة على أجهزة ينفق عليها من ماله الخاص كـ (دافع للضرائب). إذن الذي دفعنا بشكل أساسي لـ «المغامرة» هو مجموعة من المبادئ التي نتمسك بها وتتعلق بضرورة إعادة النظر في كيفية عمل الأجهزة الأمنية التي ينبغي أن تخضع للمساءلة لا أن تبقى مطلقة الحرية، وبوجوب صون حق التعبير والحريات الفردية في بلادنا.

* لكن نظرة سريعة على قائمة منشوراتكم الجديدة تدل أنكم تهتمون بالكتب الخفيفة عموماً وفي طليعتها الجريمة والرياضة، فلماذا جازفتم بـ «التورط» بنشر كتاب من هذا النوع له دلالات سياسية كثيرة ناهيك بالتشابكات الأمنية التي ينطوي عليها؟

ـ أنت إذن تعتبر الجريمة موضوعاً خفيفاً!

* بالطبع لا. الخفة التي أخذتها على منشوراتكم لم أقصد بها الافتقار إلى الجدية بل التركيز على الموضوعات غير الفكرية التي تحرص على تجنب التعقيدات السياسية لأنها تفضل مخاطبة العاطفة بدلاً من العقل، إذا شئت.

ـ نطبع سنوياً كتباً (يربو عددها على مائة كتاب، ما يجعل «مينستريم» أهم دار نشر مستقلة في اسكوتلندا وواحدة من أبرز دور النشر المتوسطة الحجم على مستوى بريطانيا) منوعة تتناول قضايا رئيسية سياسية، مثل «جهاد» (يروي فيه توم كرو، عضو في إحدى وحدات «سلاح الجو الخاص» السري بالتسلل إلى ما وراء الخطوط في أفغانستان لقتال الروس جنباً إلى جنب مع المجاهدين الافغان)، كما أصدرنا كتباً عن أحداث ايرلندا الشمالية ونضع حالياً اللمسات الأخيرة على كتاب عن حادثة لوكربي (يحمل عنوان «عملية طمس مناسبة: فضيحة لوكربي الخفية» وسيصدر خلال أشهر) اضطررنا الى اجراء بعض التغييرات عليه لأن الحكم جاء مخالفا لتوقعاتنا؟

* واللافت انكم تصنفون كتاب لوكربي هذا بين كتب الجريمة! أليس في ذلك تبسيط واجحاف كبيران يؤكدان حرصكم على الاثارة الخفيفة اكثر من أي شيء آخر؟

ـ نستعمل هذه التصنيفات فقط بما يتفق مع الاقسام التي تضمها المكتبات، اذ لا تشتمل كلها على كل ما يخطر ببالك من اقسام تقليدية.

* وهل كانت «المجازفة» بنشر الكتاب خالية من الصعوبات؟

ـ لقد نصحنا محامو الادعاء العام البريطاني باستشارة جهة قانونية قبل الاقدام على النشر (هذا يتم عادة عند الشك بوجود انتهاكات قانونية)، الا ان مستشارينا القانونيين لا يزالون يشجعوننا على المضي في المشروع.

* ولماذا حاولوا منعكم من النشر؟

ـ بحجة ان توملينسون وقع وثيقة تنازل فيها لجهاز إم آي 6 عن حقوقه بالاستفادة من معلوماته المتعلقة بعمله السابق (...) لكنه يصر، ونصر معه، انه قدم ذلك التنازل تحت الضغط وفعلا كان قد ادلى بعد توقيع التنازل مباشرة بافادة رسمية لمحاميه جاء فيها انه اجبر على التخلي عن حقوقه.

* يبدو ان علاقة توملينسون بالمؤسسة الامنية ملتبسة؟

ـ الكتاب يشرح خفايا هذه العلاقة. لذا لن اعلق على المسألة، بل سأكتفي بالقول ان اصل مشكلته الحالية مع تلك المؤسسة هو طرده من عمله طردا يراه تعسفيا لا مبرر له (...) اي ان اساءة الادارة التي ارتكبتها الاجهزة الامنية قد كلفت المواطن اليريطاني عشرات الملايين التي انفقت حتى الآن على محاولة كم فم توملينسون (...) وسببت للاستخبارات احراجات كبيرة اين منها الاحراجات التي تسبب بها شاب ذكي كان على الارجح رجل استخبارات ناجحاً (...) وهو مستعد حتى الآن للعودة وتسليم نفسه ودفع عائدات الكتاب بالكامل لجمعية خيرية شرط ان يضمنوا له محاكمة عادلة، فلماذا لا يفعلون بسرعة ويطوون هذه الصفحة المحرجة؟