سعدي: بوتفليقة لم ينجز شيئا في عامين من رئاسته

لم ينف احتمال انسحاب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» من الحكومة الائتلافية

TT

مع إنهاء الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة جولته الأخيرة في جنوب شرق آسيا، يبدو أن الشروخ قد بدأت تظهر في حكومته الائتلافية، فقد وجه قادة ثلاثة أحزاب على الأقل انتقادات علنية لبوتفليقة لضعف قيادته. وتسود التكهنات وسط الصحافة الجزائرية حول احتمالات لجوء قادة الجيش إلى القوة لإجبار الرئيس على الاستقالة. يعتبر سعيد سعدي، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وعضو البرلمان، لاعباً أساسياً في ما يبدو أنه جولة جديدة في الصراع على السلطة في الجزائر. «الشرق الأوسط» حاورته بشأن موقفه من التطورات الأخيرة والوضع الراهن.

* يحضر حزبكم للاحتفال بالعيد الثاني عشر لتأسيسه، بمظاهرة جماهيرية الأسبوع المقبل، وثمة تكهنات بأنكم ربما تستغلون هذه المناسبة لإعلان انسحابكم من الحكومة الائتلافية برئاسة بوتفليقة.

ـ لم يكن اشتراكنا في الائتلاف نتيجة اعتبارات تكتيكية. فقد قررنا الاشتراك بعد أن أعلن الرئيس بوتفليقة عدداً من المشاريع الإصلاحية الهامة في مجالات النظام القضائي، والإداري والتعليمي. قررنا حينها أن نظهر حسن نيتنا، وأن نعمل مع القوى السياسية الأخرى لإخراج البلاد من وحدتها. وكان ذلك أمراً مهماً في إطار صراعنا ضد ثقافة الهدم والسلبية في الجزائر. كنا راغبين أيضاً في إنهاء حكم الحزب الواحد الذي فرض على شعبنا 30 عاماً. وهذه العوامل مجتمعة تجعل أي موقف نتخذه من الحكومة قائماً على الحقائق ومصالح الجزائر الوطنية.

* ماذا يعني هذا؟ هل يعني أنكم ستنسحبون من الحكومة؟

ـ أقل ما يمكن أن نفعله هو تقييم أداء الحكومة. الرئيس بوتفليقة ظل في الحكم لما يقرب من السنتين، ومع ذلك يمكن القول إن شيئاً واحداً لم ينجز، سياسة التخصيص مجمدة، مشروع إصلاح القضاء ما زال يتعثر من عقبة إلى أخرى، ولا توجد أية دلائل على أن جهوداً جادة تبذل في مجالات الإصلاح التعليمي والإداري. النظام كله أسير للعجز والجمود.

* من هو المسؤول عن هذا الجمود؟

ـ لا أريد المشاركة في لعبة إلقاء اللوم على الآخرين، مهمة بوتفليقة لم تكن سهلة بأية حال. ولكن الحقيقة هي أن لنا نظاماً يتمتع فيه الرئيس بسلطات هائلة، وينتظر منه القيام بكل المبادرات في كل القضايا الكبرى، وأن يمثل الدور القيادي على كل المستويات، وهو ما لم يحدث، فقد قضى الرئيس بوتفليقة جزءاً كبيراً من وقته في الأسفار إلى الخارج، وفي جولات داخل البلاد، مما أدى إلى تأجيل قرارات عديدة، الجيل الذي خاض حرب الاستقلال يتمتع، بدون شك، بخصائص مثيرة للإعجاب، ولكنه لم يتعلم كيف يبني اقتصاداً جديداً أو نظاماً سياسياً عصرياً.

* أليس صحيحاً أن جهود بوتفليقة أحبطتها شخصيات عسكرية متنفذة؟

ـ بأمانة لا أعتقد ذلك. فالرئيس كانت في يده كل الصلاحيات التي يحتاجها، وهو لم يتقدم بأية تشريعات رفضها الآخرون. نظرية أن الجنرالات يمسكون بكل الخيوط من وراء الكواليس ربما كانت صحيحة في الماضي، ولكن الجزائر تغيرت، فنحن في أزمة عميقة لا تحتمل المؤامرات وصراعات السلطة، وعلينا أن نقف على أرجلنا ونواجه مشاكلنا الحقيقية، وإلاّ كان الفشل نصيبنا.

* ما هي الأسباب وراء تصاعد الهجمات الإرهابية أخيراً؟ تقول بعض التقديرات إن أكثر من ألف شخص قد ذبحوا خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وهذا ما لم يحدث منذ 1995.

ـ الجواب السهل هو أن الإرهابيين قد سمح لهم بالانتعاش وتنظيم الصفوف. فقد استفادوا من قانون الوئام الوطني لالتقاط الأنفاس، وإعادة الصفوف ومعاودة النشاط الإرهابي.

ولكن يجب أن أضيف إلى ذلك أن عودة الإرهاب تعزى لتراخي يقظتنا، ولواقع أن كثيراً من مقاتلينا ضد الإرهاب، أحبطوا بالطريقة التي طبق بها قانون الوئام الوطني.

* ولكنكم أيدتم الوئام الوطني؟

ـ بصورة مطلقة، وما أزال أؤيد القانون. ولكن المشكلة هي أن القانون لم يطبق بصورة كاملة. فلم يحاكم شخص واحد، بل لم يوجه الاتهام لشخص واحد، بالقتل أو الاغتصاب، كما ينص القانون. ونحن لا نعرف كم من الإرهابيين سلموا أنفسهم، وكم من الأسلحة تم الاستيلاء عليها، ويبدو أن القانون تم تطبيقه في مصلحة الإرهابيين وحدهم حتى الآن.

* هناك من يقول، وخاصة في فرنسا، ان بعض جرائم القتل ارتكبتها الأجهزة السرية الجزائرية لتشويه سمعة الأصوليين.

ـ هذا شيء فاضح. مثل هذه التهم تأتي من ثلاثة أنواع من الناس، فهناك الذين يحملون ضغائن وأحقاداً قديمة على الجيش الجزائري، وحولوا تشويهه لثلاثين عاماً. ثم هناك من يريدون التهرب من المسؤولية بإثارة الغبار وذر الرماد في العيون. وهناك أخيراً من يجهلون الحقائق، وأنا أناشد هذه المجموعة الأخيرة أن تدرس الأوضاع الجزائرية على حقيقتها. أناشدهم أن يزوروا بلادنا، ويتحدثوا إلى شعبنا، وأن يكتشفوا الحقائق بأنفسهم، فالجزائر مفتوحة أمام وسائل الإعلام العالمية، ولمنظمات حقوق الإنسان، وللوفود الرسمية وغير الرسمية. ونحن لدينا برلمان يعمل، رغم نقائصه، بصورة أفضل من كثير من البلاد. المجتمع الجزائري مجتمع مفتوح، ولا يمكن إخفاء الحقيقة في مثل هذا المجتمع، لمدة طويلة.

* ما رأيكم في القانون الجديد لوسائل الإعلام؟

ـ لن نوافق عليه. فالمشروع المقترح يرمي إلى مصادرة كل الحريات التي نالتها وسائل إعلامنا في السنوات الأخيرة، فحرية التعبير هي المفتاح لتطور الجزائر وتحولها إلى ديمقراطية عصرية.

* لماذا يرزح الاقتصاد الجزائري تحت هذا الركود، رغم عائدات صادرات الطاقة؟

ـ لم يحدث أن عانت الجزائر من أزمة نقدية، فقد حصلت بلادنا على حوالي 200 مليار دولار من صادرات الطاقة خلال العقدين الماضيين، ولو كانت هذه الأموال قد استثمرت في تحديث الاقتصاد، وخلق قطاعات إنتاجية جديدة، لما كنا نعاني من هذه الفوضى التي نعاني منها الآن. وإذا لم نحرر اقتصادنا، ونتخلص من نظام الحزب الواحد، القائم على التحكم والسيطرة، وما دمنا لم نتح الفرص لقطاعنا الخاص ليتطور، فإننا لن نتجاوز أزمتنا، وعلى المدى الطويل نحتاج لبناء المغرب الكبير، كحقيقة اقتصادية، وأن نقيم العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وكل هذا يحتاج للخيال وللدور القيادي.