ضبط نفس لبناني وسوري وعربي لإفقاد شارون الذرائع وقمة لبنانية ـ سورية مرشحة للبحث في التطورات

بري: شارون سيوحّد العرب.. ولو عاد باراك لقال البعض «أعطوه فرصة»

TT

انشغلت الاوساط الرسمية والسياسية اللبنانية بمتابعة نتائج الانتخابات الاسرائيلية وتداعياتها نظراً الى ما يحمله فوز آرييل شارون برئاسة الحكومة الاسرائيلية من انعكاسات على عملية السلام في المنطقة عموماً والوضع في لبنان خصوصاً.

وقد وضع المسؤولون اللبنانيون بالفعل انفسهم في اجواء الاستعداد لأسوأ الاحتمالات في مواجهة ما اصطلح على تسمية الحالة الاكثر تطرفاً في تاريخ اسرائيل حيث، تكثر التحليلات والاجتهادات لما يمكن ان يواجه لبنان والمنطقة في ظل الحكم (اليميني) المتشدد، والبرنامج الانتخابي الذي طرحه شارون، وهو البرنامج الذي استنفر الدبلوماسية الدولية لمواجهة الواقع الجديد، وما قد ينجم من جراء تجميد عملية التسوية من اوضاع تصعيدية ستضع المنطقة كلها على فوهة بركان. وبهذا الصدد توقع مصدر مسؤول في الخارجية اللبنانية ان تنخرط الولايات المتحدة سريعاً في العمل على امتصاص حالة القلق والتوجّس، وتحذير شارون من مغبة الدفع بالاوضاع الى حافة الحرب، وتحذير الفلسطينيين واللبنانيين في المقابل من تقديم ذرائع لرئيس الوزراء الاسرائيلي للقيام بمغامرات عسكرية. وفي تقدير المصدر ان رسالة الرئيس الاميركي جورج بوش الى رئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود شددت في وضوح على وجوب المحافظة على الاستقرار على الحدود «وصحيح ان عنوان الرسالة هو التأكيد على سيادة لبنان واستقلاله وسلامة اراضيه لكن اهمية الرسالة تكمن في دعوتها الى ضبط النفس وليس في استكمال تطبيق القرار 425 الذي فهم لبنانياً بأنه جلاء الاحتلال الاسرائيلي عن مزارع شبعا، بينما يفهمه الاميركيون بأنه التأكيد على نشر الجيش على الحدود الدولية، الامر الذي يرفضه لبنان طالما ان التسوية في المنطقة لم تكتمل بعد». ورجح المصدر ان يكون للبنان تحرك واسع في الخارج، من فرنسا الى الفاتيكان وايطاليا، قبل مجيء البابا الى المنطقة في مايو (ايار) المقبل.

واشار المصدر ايضا الى ان التخوف اللبناني الرسمي نابع اساساً من ان حكومة الليكود ستكون متشددة في موضوع الامن في الجنوب. وكشف عن اتصالات جرت بعيداً عن الاضواء مع قيادة المقاومة والمسؤولين السوريين وبعض المسؤولين عن المنظمات الفلسطينية شددت على اهمية ضبط النفس في هذا الظرف بالذات لتفويت الفرصة على شارون للقيام بمغامرة جديدة من دون ان يعني ذلك استسلاماً له.

وربط المصدر الموقف اللبناني والفلسطيني والسوري بالموقف العربي الاوسع والهادف الى استشراف استعدادات الادارة الاميركية الجديدة ازاء عملية السلام ومنهجية تعاطيها مع عملية التسوية، ولا سيما بعدما جاهر وزير الخارجية الاميركي كولن باول بالقول ان افكار كلينتون للسلام في المنطقة «ذهبت بذهابه» من دون ان يكشف عن افكار بديلة. من هنا الاهمية التي يعلقها لبنان على سلامة التدابير الاحترازية والمدروسة والمنسقة مع السوريين والفلسطينيين في لبنان تجنباً للمزالق التي تحيط به واعادة ترتيب الاولويات، خصوصاً ان الحسابات تشير في معظمها الى اسوأ الاحتمالات انطلاقاً من ماضي شارون ومواقفه المتطرفة ووجوب اغلاق باب الخيارات امامه.

وفي هذا الصدد قال مرجع لبناني كبير لـ«الشرق الأوسط»: «ان لبنان الرسمي تعامل مع فوز شارون بتماسك لافت وبرؤية إزاء المخاطر المحتملة. وتمثل ذلك بإجماع القيادات اللبنانية على التزام التهدئة وضبط الوضع الحدودي مع استمرار التحرك لاستكمال تنفيذ القرار 425 والحؤول دون تنفيذ عمليات فلسطينية من الجنوب وحرمان اسرائيل من اي ذريعة لاستهدافه بعمل عسكري لتحويل الانظار عن الداخل الاسرائيلي المأزوم، وعما يمكن ان تتعرض له الانتفاضة الفلسطينية في الداخل والتي ستتعاظم وتشتد مع مجيء شارون، وفي تقدير المرجع ان الحركة الاسرائيلية ستبقى محصورة في الداخل ولن تتعدى الاراضي الفلسطينية، اولاً لوجود ضوابط دولية لن تسمح بانفلات الوضع وثانياً لأن جاهزية المقاومة وقدرتها على التأثير وضرب العمق الاسرائيلي سيؤخذ في الحسبان. واشاد المرجع من جهة اخرى بنضج المقاومة ومسؤوليتها وحكمتها بالنسبة للتعاطي مع ملف الجنوب وتأكيدها باستمرار على اهمية وحدة الصف الداخلي اللبناني لمواجهة الاستحقاقات المنتظرة بتماسك قوي وتضامن عربي فاعل وتجنب افساح المجال امام الخلافات الداخلية للبروز مجدداً. في هذه الاثناء يقول مسؤول في «حزب الله» ان لا مبرر على الاطلاق لحال الذعر التي تسود في الاوساط العربية، معتبراً ان وصول شارون بما يعكسه من خيار سياسي اسرائيلي يستدعي في المقابل توحداً واجماعاً عربياً على الثوابت الوطنية والقومية ورفض اي شكل من اشكال التنازلات. واردف ان خيار الاسرائيليين إيصال شارون الى السلطة «سيعفي العرب من مسؤولية تعطيل عملية التسوية امام الرأي العام العالمي والدول المعنية بهذه المسيرة وهي فرصة للعرب لشرح ابعاد قضيتهم وفتح آفاق جديدة امامها». اما رئيس مجلس النواب نبيه بري فعلق بهذا الشأن قائلا انه لا يتخوف من مجيء شارون الى رئاسة الحكومة الاسرائيلية ولديه وجهة نظر تقول ان زعيم الليكود سيوحّد العرب بمواقفه المتطرفة وربما بمغامراته العسكرية والامنية، واضاف بري «ان سياسات شارون التصعيدية تستثير تعاطف المجتمع الدولي والمجموعة الاوروبية مع المطالب العربية لأن وجود باراك في السلطة فرّق العرب، ولو عاد مجدداً الى رئاسة الحكومة لكنا وجدنا بعض العرب يقولون اعطوه فرصة جديدة لتحقيق السلام، في حين ان البعض الآخر كان سيصر على مقولة المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. وهذا عدا عن ان عودة باراك كانت ستدفع الولايات المتحدة واوروبا لممارسة الضغوط على العرب تحت عنوان ان «باراك ضعيف داخلياً في مواجهة اليمين والمطلوب لانقاذ العملية السلمية مساعدته على تقديم تنازلات». ويعرب الرئيس بري في مجالسه حاليا عن اقتناعه بأن التنسيق اللبناني ـ السوري القائم كفيل بمواجهة ما ستسفر عنه التطورات من انعكاسات وتفاعلات على صعيد المنطقة ككل. ولم تستبعد مصادر قريبة من رئيس المجلس النيابي اللبناني ان تعجّل المستجدات بعقد قمة لبنانية ـ سورية لمناقشة الموقف في ضوء التطورات الحاصلة.