صراع «المواقف» داخل الحزب الحاكم في السودان يبعد احتمالات تشكيل حكومة جديدة

TT

لم تكن ساحة السياسة في السودان، قبل 24 ساعة من مخاطبة الفريق الركن عمر البشير رئيس الجمهورية للبرلمان الجديد، على مثل هذه الدرجة من البلبلة وتضارب المواقف بل وتقاطعها بصورة أبعدت من الأفق القريب نية الفريق البشير نفسه إعلان حكومة جديدة تلبي طروحات برنامجه الانتخابي الذي يدشنه غداً الاثنين.

مصادر في لندن قالت لـ«الشرق الأوسط» ان استبعاد تشكيل حكومة جديدة نشأ من موقفين متناقضين، الأول الصراع داخل حزب المؤتمر الحاكم نفسه حول جدوى الخطوة ومعها سيناريوهات الوفاق، والثاني، الاختلاف بين أهم فصيلين ارتضيا طروحات الإنقاذ الأخيرة، والإشارة هنا للاتحادي الديمقراطي جناح الشريف الهندي وحزب الأمة بقيادة الصادق المهدي.

ويقول مصدر رفيع في جناح الشريف الهندي لـ«الشرق الأوسط» إنهم ومن حيث المبدأ أبلغوا الفريق البشير نفسه انهم لا يرغبون في مشاركة منفردة تجمعهم مع حزب المؤتمر الوطني الذي يرأسه البشير، وأنهم يفضلون أن تشمل الحكومة القادمة في حال اشتراكهم فيها عناصر أخرى مثل حزب الأمة، والمايويين وبعض أحزاب التوالي. وكشف نفس المصدر لـ«الشرق الأوسط» انهم قاطعوا الانتخابات البرلمانية ولكنهم لم يقاطعوا الرئاسية بمعنى أنهم أوحوا إلى قواعدهم بالتصويت للفريق البشير وهذا ما حدث.

على صعيد تحفظات حزب الأمة من المشاركة تقول كواليس شارع الخرطوم السياسي ان خلافاً قد نشأ بين الصادق المهدي وبعض قيادات حزبه حول المشاركة. ويزيد من صدقية مثل هذا الزعيم الوجود المفاجئ للمهدي بالعاصمة الليبية طرابلس إلى يوم أمس السبت، وسط تأويلات بأن الزيارة هدفها التنسيق مع الميرغني وقرنق الموجودين بليبيا بشأن المبادرة المصرية ـ الليبية لتسوية مأزق الحكم في السودان.

في المقاابل حصلت «الشرق الأوسط» على رواية موثوقة بأن المهدي صرح في طرابلس أن حزبه ليس مع الحلول الثنائية وأن لا أحد يمكن أن يشارك باسم حزب الأمة، وأنه وإذا ما كان لأي شخص أن يشارك في حكومة قادمة لا تلبي قومية الحكم وبرامجه الانتقالية فإن تلك المشاركة ستكون فردية ويتحمل من يقبلها تبعات مشاركته، وتذهب إشارة المهدي هنا إلى إنذار فئة صغيرة داخل الحزب تطمح في اقتسام عاجل لكعكة السلطة مع جناح الفريق البشير.

أما على صعيد حزب المؤتمر الحاكم فقد نبهت مصادر خاصة «الشرق الأوسط» إلى مقال نشر بإحدى الصحف المحلية حول انقسام حزب المؤتمر إلى ثلاثة أجنحة تجاه سيناريوهات الوفاق وقومية الحكم ويقول المقال وهو لأحد ناشطي المؤتمر ان الجناح الأول بقيادة أحمد عبد الرحمن يريد الوفاء بمستحقات الوفاق كاملة وفتح أبواب المشاركة أمام الأحزاب الأخرى، ولكن الجناح الثاني ويمثله غازي صلاح الدين وزير الإعلام ومن خلفه بعض مراكز القوى فيريد وفاقاً ولكن بطريقة خاصة يرمز لها بالوفاق مع ثوابت الإنقاذ، فيما يرفض الجناح الثالث بقيادة والي الخرطوم مجذوب الخليفة أي تقارب مع القوى التقليدية والاستمرار ببرامج الإنقاذ بقيادة المؤتمر الوطني.

في غضون ذلك أوحت الطريقة التي تم بها انتخاب أحمد إبراهيم الطاهر رئيساً للبرلمان السوداني يوم الثلاثاء الماضي بقابلية لسيادة تيار التشدد تجاه الوفاق أو الاستمرار بسياسة شراء الوقت الحالية بأضعف الإيمان. والإشارة هنا إلى أن رئيس البرلمان الجديد وفور انتخابه أخرج من جيبه خطاباً مكتوباً وشرع في تلاوته، مما يعني أنه كان على علم مسبق بفوزه قبل العملية الانتخابية، والتي لم يعط فيها رئيس الجلسة المؤقت أية فرصة لمرشح منافس.

وتقول دوائر الخرطوم السياسية إن انفراد أعضاء المؤتمر بأغلبية ساحقة قد تشكل ورقة ضغط أو عبئاً على الفريق البشير رئيس الجمهورية ورئيس حزب المؤتمر، بمعنى أنه قد يصرف النظر عن فكرة حكومة قومية أو مشاركات حزبية فيها إلى حين تحسس اتجاهات الرأي داخل البرلمان الجديد حتى لا يجد نفسه (أي الفريق البشير) في نفس مربع الخلاف الأول مع السلطة التشريعية والذي تداعى منذ ديسمبر 1999 لجهة حل البرلمان ومن بعد طرد رئيسه الترابي من الأمانة العامة لحزب المؤتمر.

في المقابل أيضاً يبدو أن التسويف تجاه خطوة الحكومة القومية واستحقاقات مساعي الوفاق سيؤثر سلباً على موازين القوى الداخلية بالسودان في الحكومة والمعارضة، وقد يزيد من فجوة عدم الثقة وعدم الرؤية الملازمين لأداء السياسة السودانية مؤخراً.