جمعيات حقوق الإنسان تتهم الحكومة البريطانية باستخدام «ورقة اللاجئين» لأسباب انتخابية

TT

تضاعف الحكومة البريطانية مجهوداتها لاغلاق الأبواب أمام اللاجئين غير الشرعيين الى أوروبا بأسرها، وليس داخل حدودها فقط.

وطرح وزير الداخلية البريطاني جاك سترو، أمام اجتماع غير رسمي لاعضاء الاتحاد الأوروبي الـ15 مساء الجمعة الماضي، خططا لايقاف موجات اللجوء المتوقعة، بما في ذلك تعديل اتفاقية الأمم المتحدة حول اللاجئين. ودعا الى تنسيق ما سماه «الممارسات المعقدة والمتناقضة لمختلف دول الاتحاد الأوروبي» حول هذه المسألة. ويقول معارضو السياسة البريطانية بخصوص الهجرة، ان التحدي يتمثل في تنظيم عملية اللجوء، واغلاق الثغرات مع ابقاء الأبواب مفتوحة أمام اولئك الهاربين من القمع الحقيقي.

إذ ان مئات الآلاف من الفقراء والمعدمين الباحثين عن حياة افضل بأوروبا، يتم تهريبهم من كل انحاء المعمورة، في اطار ما سماه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير «أسرع انواع النشاطات الاجرامية انتشارا». وكان بلير قد اعلن الاسبوع الماضي عن اجراءات مشتركة مع ايطاليا لمنع تهريب اللاجئين عبر البلقان، ثم قدم سترو خطة تهدف الى إبطال نشاطات المهربين.

وتجنبت بريطانيا الى حد كبير الموجة الأولى من اللاجئين التي اجتاحت بلدانا مثل المانيا بعد انهيار الشيوعية في اوائل التسعينات وبعد الأحداث التي صاحبت انهيار يوغوسلافيا السابقة. ولكن عدد طلبات نيل حق اللجوء السياسي في بريطانيا، بلغت اكثر من الضعف خلال السنوات الثلاث الماضية، ووصلت الى 76 الفا عام 2000. وتوجد عشرات الآلاف من الحالات التي لم يبت فيها حتى الآن، لأن النظام الاداري ليس مؤهلا لمواجهتها.

إن الذعر من تهريب البشر انعكس في وسائل الاعلام البريطانية الصيف الماضي، عندما اكتشفت السلطات البريطانية في ميناء دوفر، جثث 58 من اللاجئين الصينيين، والذين ماتوا اختناقا في شاحنة للبضائع. وفي خطاب القاه يوم الثلاثاء الماضي، دعا سترو الى تعديل مفهوم اللاجئإ وقال: «اللاجئون المقبلون يستغلون بعض جوانب الاتفاقية، وبالتحديد الزامها للدول بالنظر في اي طلب للجوء يقدم في اراضيها، مهما كانت الأسس التي يستند اليها». وكحل لهذه المشكلة اقترح سترو تقسيم الدول الأصلية التي يجيء منها اللاجئون الى ثلاث فئات: «امنة» مثل الولايات المتحدة، وهذه لا يقبل منها اي لاجئ، وفئة ثانية مثل الصين، واللاجئون من هذه الفئة يجب ان يقدموا طلباتهم من بلدان خارج الاتحاد الأوروبي. وهناك الفئة الثالثة وهي البلدان التي تحكمها نظم معترف بطبيعتها القمعية عالميا، وهذه وحدها التي يسمح لمواطنيها بالتقديم من دول الاتحاد الأوروبي.

ولكن محامي اللاجئين ومعارضي حكومة العمال اعربوا عن اعتراضاتهم على هذه الخطة. وقالوا: «سنحكم على هذه الخطة، اذا اعطي الناس الذين يصلون بصورة عفوية، الفرصة للتقدم للجوء».

وقال ستيفن كاسلز مدير مركز دراسات اللاجئين بجامعة اكسفورد: «إن الحواجز العالية أمام اللجوء الشرعي، هي التي جعلت تهريب اللاجئين تجارة رابحة، وكلما كانت القوانين صارمة انتعشت النشاطات غير القانونية». وتتعرض حكومة بلير، التي تواجه انتخابات عامة في مايو (ايار)، لخطر الاتهام بأنها تؤجج العواطف العرقية حول قضية ساخنة اصلا سعياً وراء الأصوات. ولكن الاسئلة حول المستويات المقبولة للجوء تثار عبر اوروبا، وتوضع على قمة الأجندة السياسية لحكوماتها، وظلت لندن تدعو لتعاون الاتحاد الأوروبي حول هذه القضية طيلة الوقت.

وفي عام 1997 طبقت بريطانيا اتفاقية دبلن، التي اعطت اعضاء الاتحاد الأوروبي الحق في ارجاع طالبي اللجوء الى القطر الأوروبي الأول الذي وصلوا اليه. ولكن وفي حالات عديدة، لا تكون ميسورة معرفة البلد الأول الذي وصل اليه اللاجئون لأنهم لا يحملون اوراقا ثبوتية. ودفعت المانيا بالمشكلة نحو جيرانها الشرقيين، فأعلنت ان بولندا والجمهورية التشيكية، وهما معياران اساسيان للاجئين، «آمنتان» بنفس القدر لهؤلاء اللاجئين.

وبسبب غياب السياسة الموحدة حول اللجوء في اقطار الاتحاد الأوروبي، فقد قسمت هذه الدول الى بلدان مفضلة، مثل بريطانيا والمانيا، وبلدان تستخدم كمعابر مثل ايطاليا واليونان. وتتمثل بعض تناقضات قوانين اللجوء في ان بريطانيا مثلا، تعترف بالقمع الذي تقوم فرق الموت، ومنظمات الارهاب الأخرى، بينما لا تعترف المانيا وفرنسا إلا بقمع الدول والحكومات.

ومع كل ذلك فان المعارضين يقولون ان المبادرة البريطانية لا تعالج جذور المشكلة، بل تنقلها فقط الى موضع آخر.

وفي نيويورك تصدت مفوضة حقوق الانسان لدى الأمم المتحدة ماري روبنسون، للدفاع عن اتفاقية جنيف للاجئين، وقالت ان التركيز على اللاجئين وحدهم يعتبر «نصف القضية». واضافت: «يثير قلقي الاتجاه المتصاعد لتحويل اوروبا الى «قلعة»، في وقت لا يوجد فيه اي تبرير اقتصادي لهذه المسألة، فاحصائيات الأمم المتحدة تؤكد ان القارة الأوروبية تشهد انكماشا كبيرا في السكان». والانكماش في اعداد العالمين يعني ان «النظم المعاشية» ستنهار. واعتمدت المانيا مثلا مشروعا شبيها بـ«الكرت الأخضر» الاميركي لاغراء العلماء وخبراء الكومبيوتر الأجانب بالقدوم الى المانيا. ويمكن لبقية دول الاتحاد الأوروبي ان تفعل نفس الشيء. ولكن بعض المراقبين يقولون انه يجب تبني سياسات اكثر انفتاحا لمواجهة نقص العمالة. ويقول خبير اللجوء كاسلز: «من المهم على المدى الطويل بحث ما يحدث في مجال اللجوء على المستوى العالمي، فبصرف النظر عن الحواجز التي تضعها الدول في الطريق، وحتى لو زادت بمقدار مائة مرة، سيوجد دائما اولئك المستعدون للمخاطرة».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»