معهد واشنطن يوصي بوش بمنع حرب إقليمية في الشرق الأوسط عن طريق «تأكيد التحالف مع إسرائيل»

TT

«منع منطقة الشرق الأوسط من التردي نحو حرب إقليمية هو أولى أولويات سياسة إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تجاه هذه المنطقة المحفوفة بالمخاطر، وهو يبدأ رئاسته. وإن أول عناصر منع وقوع حرب إقليمية، هو تأكيد الاتحاد غير المكتوب بين الولايات المتحدة وإسرائيل، واتخاذ الخطوات التي تؤكد للشرق أوسطيين، دون أدنى شك قوة علاقة الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل». هذا أبرز ما جاء في دراسة أشرف عليها وأصدرها مؤخراً «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» الذي يعد واحداً من القلاع المهمة لليهود الأميركيين، والأميركيين الموالين والمؤيدين لإسرائيل بشكل مطلق، في العاصمة الأميركية، لكن ما يذكر هنا أن عدداً من الذين ساهموا في الدراسة لا ينتمون إلى معهد واشنطن أو يعملون فيه.

الدراسة بعنوان «الملاحة في منطقة مضطربة: أميركا والشرق الأوسط في قرن جديد» خرجت بتقرير من 74 صفحة تضمن مقترحات وتوصيات حول كيفية تعامل الإدارة الجديدة مع منطقة الشرق الأوسط، ساهم فيها 40 بين مسؤولين كبار خدموا في إدارات سابقة، وخبراء معنيين بشؤون المنطقة، أطلق عليهم اسم «مجموعة الدراسة الرئاسية»، وأشرفت على عملهم أثناء الدراسة لجنة من 10 أعضاء، منهم أعضاء في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وآخرون يعملون في مناصب عليا مثل مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي.

شملت المقترحات والتوصيات خمسة مواضيع هي: الدبلوماسية العربية ـ الإسرائيلية: منع وقوع حرب إقليمية، ومنع انتشار واستخدام أسلحة الدمار الشامل، وتعزيز الرد على الإرهاب والتهديدات الجديدة، والعمل من أجل التغيير في العراق وإيران، واعتماد استراتيجية إقليمية.

1 ـ لمنع تردي المنطقة نحو حرب إقليمية، التي قد تنشب بسبب القتال الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو من منطقة الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية التي تعتبرها الدراسة المنطقة «الأكثر سخونة». تقدم الدراسة ثلاثة عناصر لتأخذ بها الإدارة وهي: تأكيد الاتحاد غير المكتوب بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي إطار هذا اتخاذ الخطوات التي تؤكد للشرق أوسطيين متانة علاقة الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. والعمل مع الدول العربية المعتدلة (مصر والسعودية والأردن والمغرب) لدعم عملية السلام، وتحذير «الخصوم الحاليين والمحتملين»، وهنا توصي الدراسة بضمان توصيل رسالة إلى الرئيس السوري الجديد بشار الأسد بأن دعم وتشجيع «حزب الله» للقيام بأعمال عسكرية ضد إسرائيل قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية أوسع، قد تتلقى فيها سورية نفسها رداً إسرائيلياً. وأن تفهم بغداد أن الولايات المتحدة ستنظم وتقود رداً سياسياً وعسكرياً إذا سعى العراق للتدخل في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أو إخافة لاعبين إقليميين مثل الأردن للتأثير عليهم لاتخاذ موقف متشدد...».

ومما يذكر بالنسبة للتوصية المتعلقة بتحذير سورية، أو غيرها من توصيات سترد في ما بعد، مثل نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس فوراً، لم تلاق إجماعاً أو تأييداً كاملاً من قبل المشاركين في الدراسة. وهذا ما أكده روبرت بيلليترو، المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، الذي شارك في الدراسة حيث قال لـ«الشرق الأوسط»: «إنه لا يتفق مع كل ما ورد أو جاء في الدراسة». وقال: «إن الصيغة واللغة التي صدرت بها الدراسة، جاءت بعد 4 مراجعات وإعادة صياغة استغرقت أربع مسودات. حتى أصبحت «معقولة» في صيغتها الأخيرة. وقال: «ان تكون مشاركاً في الدراسة، لا يعني بالضرورة أن تكون موافقاً على كل ما جاء فيها». وأشار تحديداً إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس، الذي لا يؤيده. وقال إنه شعر من الأفضل له أن يبقى مشاركاً في الدراسة لتحسينها بدلاً من الانسحاب من الدراسة، مشيراً أيضاً إلى بعض التوصيات الإيجابية ومنها التوصية بمفاوضات لإقامة منطقة تجارة حرة بين مصر وأميركا، وهي مما أوصى به. وفي إشارته أيضاً إلى عدم اتفاقه مع كل ما جاء في الدراسة وتوصياتها. وهي أن الإشارة إلى سورية في الدراسة بدأت من النقطة الخطأ، وهي تحذير القيادة السورية وتهديدها وهذا خطأ، ولذلك استمر العمل حتى تم التعديل فيها بالتوصية باستكشاف احتمالات الانفتاح مع سورية، وهذا ما يجب» كما قال بيلليترو.

وبسؤاله عن الانطباع المعروف عن المعهد الذي أشرف على الدراسة وأصدرها بانحيازه وتأييده لإسرائيل، قال إنه انطباع صحيح، وعن مدى احتمال تأثير هذه الدراسة وما جاء فيها من توصيات على إدارة الرئيس جورج بوش، مقارنة بالتأثير الكبير لآراء المعهد وما كان يصدره من دراسات عن الشرق الأوسط على سياسة إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون تجاه المنطقة، قال بيلليترو إنه «لا يعتقد بأنه سيكون للمعهد تأثير كبير على الإدارة الجديدة. إذ أن فريق الرئيس بوش للأمن القومي أقوى فريق لدى أميركا منذ سنوات، فكل عضو فيه لديه خبرة وخدمة كبيرة. خصوصاً الثلاثة الأساسيين وهم ريتشارد تشيني نائب الرئيس، ووزير الخارجية كولن باول ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد حيث عملوا مع بعض.

تأكيد العلاقة مع إسرائيل وفي نطاق الموضوع الأول من المواضيع التي تناولتها الدراسة، توصي الرئيس وإدارته بالسعي من أجل إنهاء العنف الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين وذلك بأن يقوم القادة من الجانبين بكل ما يقدرون عليه لإنهاء العنف واستعادة الهدوء. وتقويم الدروس من «خبرة أوسلو» واستكشاف طرق بديلة للسلام. وهذا لا يعني كما تقول الدراسة «وجود أي بديل استراتيجي للعملية الدبلوماسية، سواء للفلسطينيين أو للإسرائيليين» وإنما طرق أو سبل أخرى يمكن اتباعها لتحقيق التقدم نحو السلام، ودعت التوصية الإدارة الجديدة أن تقوم بمراجعة فورية للدبلوماسية الإسرائيلية ـ الفلسطينية، وللدور الأميركي منذ عام 1993، والاستفادة من «خبرة أوسلو ودروسها» وعبرت عن اعتقادها بأن الإدارة الجديدة يمكن أن تعزز احتمالات السلام عبر:

ـ التحديد، عبر المشاورات مع القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية، وبناء على عملية المراجعة، ما إذا كانت الجهود التي بذلت خلال الأسابيع الأخيرة من عهد الإدارة السابقة وضعت قواعد لاستمرار الدبلوماسية مستقبلاً، أو استكشاف بدائل أخرى.

ـ تقويم ما إذا كان الجانبان يريدان العودة إلى صيغة كامب ديفيد وهي السعي نحو حل نهائي لقضايا المرحلة النهائية عبر المفاوضات، أو العودة إلى ما قبل كامب ديفيد واتباع عملية «الخطوة، خطوة» أو العودة إلى خيار الاتفاقات الجزئية المرحلية.

ـ تحذير الأطراف من اتخاذ أي خطوات أو إجراءات انفرادية من جانب واحد، دون التنسيق المسبق، لأن ذلك يهدد مجمل العملية السلمية برمتها. مثل إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، من جانب الفلسطينيين.

ـ تأكيد الاتحاد الأميركي، غير المكتوب مع إسرائيل، وفي نفس الوقت إبداء الرغبة في تطوير علاقة كاملة وقوية مع الدولة الفلسطينية في المستقبل، إذا اشتركت فلسطين مع واشنطن في قيم الديمقراطية والتسامح واحترام القانون والالتزام بالسلام.

ـ إعادة بناء الدبلوماسية الأميركية لعملية السلام عبر:

1 ـ خلق آلية تسمح للرئيس بالإشراف على تلك الدبلوماسية، لكن يبقى محتفظاً بتدخله القوي في اللحظة المناسبة. وحتى تلك اللحظة تعطى لوزير الخارجية الصلاحية والمسؤولية لإدارة دور الولايات المتحدة في العملية.

2 ـ خفض دور الاستخبارات الأميركية كلاعب أساسي في العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وتوصي الدراسة بأن تسعى الولايات المتحدة لحث الجهود الدولية للمساعدة في خفض التوتر الإقليمي وذلك بالعمل مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والحث على التهدئة، ورفض فرض تسوية على الأطراف، أو التدخل في عملية المفاوضات المباشرة.

والعمل من أجل المزيد من الاتصالات بين المواطنين الإسرائيليين ومواطني الدول العربية والإسلامية، والإعداد والتحضير من أجل استئناف المفاوضات والمبادرات المتعددة الأطراف.. وحث الدول المصدرة للبترول، خصوصاً الدول الغنية منها للاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني.

وفي سياق الموضوع الأول من موضوعات الدراسة خصت الدراسة ما أسمته «مثلث إسرائيل ـ لبنان ـ سورية» بالتوصيات التالية للرئيس والإدارة الجديدة. وهي دعم قوة ومناعة إسرائيل، ودعم التغيير في سورية ولبنان. والاستعداد للتوسط في محادثات السلام.

وقالت الدراسة: إنه في الوقت الذي يركز فيه العالم الأنظار في الأشهر الأخيرة على الاشتباكات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن الجبهة اللبنانية ـ الإسرائيلية بدت شرارة لمواجهة محتملة... ربما تؤدي إلى حرب تقليدية إقليمية... ولمنع ذلك أوصت الدراسة بدعم قوة إسرائيل واستكشاف فرص جديدة من أجل ما وصفته «سورية أكثر انفتاحاً ولبنان أكثر حرية».