وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: لست منزعجاً من أقوال الشاهد الأول في قضية تفجير السفارتين الأميركيتين

إسماعيل وصف أقوال الشاهد بأنها مشكوك في صدقيتها وأمانتها

TT

تشهد هذه الأيام العاصمة السودانية، الخرطوم، نشاطا سياسياً مكثفاً، حيث انتظمت خلال الأسبوع الحياة البرلمانية، متمثلة في انعقاد جلسات المجلس الوطني السوداني (البرلمان) بعد حله نتيجة اشتداد الصراعات بين الرئيس السوداني الفريق عمر البشير ورئيس البرلمان السابق الزعيم الاسلامي الدكتور حسن الترابي. كما شهدت الخرطوم زيارة العديد من الوفود الأجنبية المشاركة في فعاليات سياسية مختلفة، من اهمها مؤتمر قمة تجمع دول الساحل والصحراء الذي انهى اجتماعاته باعلان الخرطوم يوم الثلاثاء الماضي.

ولمعرفة المزيد من التفاصيل حول هذا النشاط السياسي المكثف خلال هذه الفترة، التقت «الشرق الأوسط» بالدكتور مصطفى عثمان اسماعيل وزير الخارجية السوداني الذي سلط الضوء على مجمل الأوضاع السياسية في الساحة السودانية.. وفي ما يلي نص الحوار:

* شهدت الخرطوم نشاطا سياسيا مكثفاً خلال هذا الاسبوع تمثل في انعقاد المجلس الوطني (البرلمان) الجديد وأداء الرئيس السوداني البشير للقسم امام البرلمان ايذانا ببدء ولايته الرئاسية الجديدة وانعقاد قمة تجمع دول الساحل والصحراء.. فما تقييمكم لهذا النشاط السياسي لبلادكم؟

ـ نحن نعتقد ان هذا استهلال طيب لبداية الألفية الثالثة، وهو مؤشر لنجاح سياسة السودان الداخلية والخارجية التي تقوم على بسط الاستقرار والأمن عن طريق الوفاق بين كل ابناء السودان من اجل وحدة البلاد وازدهارها، وخارجيا تقوم على الانفتاح على الدول، خاصة دول الجوار العربي والافريقي. كما انها تقوم على تبادل المصالح والمنافع التي اصبحت سمة من سمات عالم اليوم. وخلال الثلاثة اشهر الاخيرة، استضافت الخرطوم قمة دول «الايقاد» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والتي ضمت سبع دول هي السودان وكينيا واثيوبيا واريتريا وجيبوتي والصومال وأوغندا. وكانت هذه القمة تعقد اجتماعاتها لأول مرة في السودان بعد تأسيس هذه المنظمة منتصف الثمانينات، وهي كانت ايذانا بأن السودان بدأ يتعافى من مشاكله والحصار الذي فرض عليه. وبدأ يؤدي الدور المطلوب منه اقليميا. وكانت قمة «الايقاد» وما صدر عنها من قرارات وتوصيات مؤشر بأن السودان يدخل الألفية الجديدة، وهو مؤهل لقيادة الأوضاع في منطقة القرن الافريقي. نحن نشهد هذه الأيام حركة واسعة، حيث انعقدت قمة تجمع دول الساحل والصحراء يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين لأول مرة في السودان. واستقبلت الخرطوم خلال انعقاد هذه القمة حوالي 15 رئيسا وأكثر من خمسين وزيرا وما يقارب المائة من الخبراء والمسؤولين في دول تجمع الساحل والصحراء. والخرطوم تسلمت رئاسة هذا التجمع لهذه الدورة. ولقد انضمت اربع دول الى هذا التجمع هي نيجيريا ومصر وتونس والمغرب، حيث اصبح عدد الاعضاء 18 دولة ليصبح هو التجمع الأكبر من حيث التجمعات الاقليمية داخل افريقيا. واذا قلنا ان اجتماعات القمم السابقة كانت لتأسيس هذا التجمع، فان قمة الخرطوم هي الانطلاقة لهذا التجمع، لذلك اعتبر اعلان الخرطم بمثابة مرجعية سياسية ورؤية استراتيجية لما يجب ان يكون عليه تجمع دول الساحل والصحراء. ولقد قدم السودان خطة عمل تتضمن محاور التركيز في تنفيذ هذه الخطة، اذ يعتمد تحديد محاور التركيز في خطة العمل على تحديد الأهداف الاستراتيجية للخطة على ضوء يحتوي على معاهدة تجمع دول الساحل والصحراء. ومن المسائل الأساسية ايضاً تحديد مصادر التمويل الداخلية والخارجية، ومن بينها امكانية الحصول على العون الفني وتوفير المداخيل لتنفيذ المشروعات الاقليمية من الوكالات والبرامج المتخصصة بالأمم المتحدة. كما تبرز ايضاً ضرورة ترتيب آليات عالية الكفاءة للمتابعة والتنسيق والتقديم. وان المحاور الرئيسية المقترح ان تأخذ موضع اسبقية في خطة وبرامج العمل المشترك هي:

أ ـ مشروعات مقاومة الجفاف والتصحر.

ب ـ مشروعات مكافحة الفقر والارتقاء بالبيئة الانسانية.

ج ـ مشروعات الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في الموارد الغذائية.

د ـ مشروعات لترسيخ الثقافة الافريقية بمشاركة فاعلة من المؤسسات التعليمية الوطنية ووسائل الاعلام.

هـ ـ مشروعات البنية التحتية الأساسية، النقل والمواصلات والاتصالات.

و ـ تحقيق مشاركة للقطاعات الشعبية في تخطيط برامج العمل وتنفيذها، بما في ذلك انشاء الروابط بين التنظيمات الوطنية غير الحكومية والاتحادات البرلمانية والقطاع الخاص.

ونعتقد ان رئاسة السودان لتجمع دول الساحل والصحراء خلال هذه الدورة ستركز على تنفيذ جوانب عديدة من خطة العمل وتفعيلها في المجالات السياسية والاقتصادية من اجل مصلحة دول هذا التجمع. كما ان الخرطوم شهدت في الفترة الماضية زيارة مهمة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وكانت هي الاولى لرئيس جزائري منذ اكثر من 30 عاماً. كما انها الاولى منذ ان حدثت توترات في العلاقات السودانية ـ الجزائرية خلال الفترة الماضية. وقد اطرت هذه الزيارة العلاقات بين البلدين من خلال التوقيع على تأسيس اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين، والتي ستعقد اجتماعها الاول في ابريل (نيسان) المقبل في الخرطوم. وبعد هذه الزيارة كانت زيارة وزير خارجية تركيا، اسماعيل جم، الذي زار السودان لأول مرة يرافقه اكثر من 50 شخصاً من المسؤولين ورجال الاعمال الاتراك. وشارك الوزير التركي في افتتاح اعمال ندوة الاستثمار والتبادل التجاري بين السودان وتركيا. وأعقبت هذه الزيارة زيارة عمرو موسى وزير خارجية مصر التي اعطت دفعا جديدا للعلاقات التي بدأت تتطور بين السودان ومصر. ونتوقع خلال الأسابيع القليلة المقبلة زيارة الرئيس الاندونيسي عبد الرحمن واحد، وهذه تعتبر اول زيارة لرئيس اندونيسي للسودان. ومن المؤمل ان يتم التوقيع على اتفاقية اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين. واستطيع القول ان من الأحداث المهمة التي ستحدث في الخرطوم عقب اجتماعات قمة تجمع الساحل والصحراء كثيرة. لهذا اقول ان الخرطوم حبلى بالأحداث السياسية والاقتصادية طوال هذه الاسابيع والأشهر المقبلة.

* لا شك انكم تابعتم وقائع المحاكمة التي تجري في الولايات المتحدة لتنظيم «القاعدة» والتي تتعلق بتفجير سفارتي اميركا في كل من نيروبي ودار السلام، اذ ذكر شاهد الاتهام السوداني أن له صلة بالسودان وانه نقل رسائل بين اسامة بن لادن والفريق البشير، مما أدى الى السماح لطائرة الخطوط الجوية السودانية بأن تنقل بعض الصواريخ، فما تعليقكم على هذه المستجدات؟ وما هي تداعياتها على العلاقات السودانية ـ الاميركية؟

ـ اولاً، انا لست منزعجاً من هذه المعلومات التي وردت او اي معلومات اخرى ترد من خلال هذه المحاكمة وذلك لأن السودان اولاً: لم ينف في اي وقت من الأوقات ان بن لادن عاش في السودان في فترة من الفترات وكانت له نشاطاته الاقتصادية سواء كان ذلك في المجال الزراعي او في مجال الطرق او غيرها، وكانت له علاقاته مع القيادات السياسية والفكرية والدينية وكانت له ايضا اتصالات داخل السودان وخارجه والعكس، فهذه الحقيقة نحن لا ننكرها بل الجميع على دراية بهذه الحقيقة التي ذكرتها.

النقطة الثانية: ان هذه المعلومات تتحدث عن فترة تاريخية سابقة وهناك متغيرات عديدة حدثت في السودان، لم يعد بن لادن موجوداً بالسودان ولم تعد له اي ارتباطات او اي اتصالات او نشاطات داخل السودان، وبالتالي المتغيرات التي حدثت بالسودان سواء كان ذلك في المجال السياسي او في المجال الأمني او الاقتصادي او مجال علاقتنا الخارجية تقف دليلاً على ان اي شيء مرتبط مع بن لادن في السودان اصبح في مرحلة التاريخ. ثالثاً: ان الشاهد الذي اورد هذه المعلومات وحسب ما ورد في مجريات المحاكمة هو رجل محتال، سارق، سرق الاموال وخرج من السودان وبالتالي حسب ما ورد ايضاً في مجريات المحكمة هو مشكوك في صدقيته وامانته وأقواله التي ادلى بها والتي سيدلي بها في المستقبل. وعلى كل حال نحن حتى الآن تصل الينا هذه الاقوال عبر اجهزة الاعلام، الا انه في اي وقت من الأوقات اذا وصل الينا استفسار رسمي حول هذه المعلومات فنحن في اتم الاستعداد لأن نتجاوب وان نضع الحقائق التي لدينا لمصلحة المحكمة.

اخيرا ما ورد عن مصنع الشفاء للأدوية نحن بادرنا كحكومة لقناعتنا بأن المعلومات التي وردت غير صحيحة، فطلبنا من مجلس الأمن ان يرسل بعثة لتقصي الحقائق حول هذا المصنع، للتحقيق في الادعاءات التي اوردتها الادارة الاميركية السابقة كمبرر لضرب مصنع الشفاء للأدوية باعتبار انه مصنع ينتج الاسلحة الكيماوية.. الادارة الاميركية هي التي رفضت ارسال بعثة تقص للحقائق ونحن نقول انه ما زال الباب مفتوحاً لأي جهة تريد ان تتعرف على الحقيقة.

* هل ترون ان انعكاسات طردكم للمستشار السياسي للسفارة الاميركية في الخرطوم بحجة انه عقد اجتماعا غير مأذون به من قبل السلطات السودانية مع مجموعة من التجمع المعارض، ستؤثر سلباً على تطور العلاقات السودانية مع الادارة الاميركية الجديدة، وكيف تعالجون هذا الأمر؟

ـ هذا الحدث حدث في وقت سابق، في وقت الادارة الاميركية السابقة، ونحن لدينا مبررات التي نحن على الاقل مقتنعون بها عندما قمنا بهذا الاجراء، وكما هو معلوم ان موظفاً كبيرا في الخارجية الاميركية على مستوى مساعد وزير الخارجية، وهي سوزان رابين انتهكت سيادة وحرمة السودان وزارت جزءا من السودان، وهو جنوبه من دون اذن ومن دون تأشيرة، مما يعد انتهاكا للقوانين والأعراف الدولية، هذا بالنسبة الينا كان استفزازاً واضحاً وانتهاكاً واضحاً عندما نضيفه الى سجل الادارة الاميركية السابقة في قصفها لمصنع الشفاء للأدوية ورفضها القبول بلجنة تحقيق، ثم اتهامنا بتجارة الرقيق ورفض التحقيق والتثبت من هذا الاتهام عندما نضيف اليه ايضا سياستها التي كانت معلنة بدعم حركة التمرد، لذلك نحن نجد لأنفسنا المبرر الكافي الذي جعلنا نقوم بذلك، هل هذا الحدث يلقي بظلاله على ان نفتح صفحة جديدة مع الادارة الجديدة؟ اقول لا. نحن بدأنا الآن واستأنفنا اتصالاتنا مع الادارة الجديدة. وكما هو معلوم في اجهزة الاعلام انني التقيت لأول مرة قبل ايام بالقائم بالأعمال الاميركي في الخرطوم حيث انني لم التق به طيلة فترة اقامته في السودان في ظل الادارة الماضية، وخلال هذا اللقاء الاول سلمته رسالة الى وزير الخارجية الاميركي، هذه الرسالة اوضحت فيها ان كل الذي نريده من الادارة الجديدة ألا تبني سياستها معنا على الاتهامات التي كانت تطلقها الادارة السابقة وان تبني سياستها على ضوء من المعلومات التي يمكن ان تتوفر مباشرة من قبلنا او من قبل الأطراف الاخرى.

وأيضاً سمحنا الآن للدبلوماسيين الاميركيين بأن يأتوا الى الخرطوم وبدأنا الآن في تطوير وفتح قنوات الاتصال بيننا وبين الادارة الاميركية الجديدة، وانا الآن لا ارى مشكلة ولا ارى تداعيات للحادث في علاقاتنا التي بدأناها مع الادارة الجديدة.

* هل تطرقتم في هذه الاتصالات، في ما يتعلق بموضوع رفع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على السودان والذي تأجل لأكثر من مرة؟

ـ نحن ذكرنا للادارة الاميركية مجموعة من الشواغل التي يجد السودان نفسه يطالب الادارة الاميركية بمراجعة موقفها تجاه هذه القضايا، واكدنا اننا على استعداد للنظر في شواغل الادارة الاميركية تجاه السودان او تجاه المنطقة، وبالتالي كل هذه القضايا وغيرها مما نراها لا تشكل ارضية صالحة لتطبيع العلاقات بين البلدين، مثل قصة العقوبات في مجلس الأمن، والعقوبات الاحادية المفروضة على السودان، وتربص الادارة الاميركية بالسودان في المؤسسات الاقليمية والدولية، وانحياز الادارة الاميركية السابقة لطرف في الحرب الدائرة.. كل هذه تعد من الشواغل التي نحن نرى ان الادارة الاميركية نحتاج لمراجعة مواقفها تجاه هذه القضايا.

* ماذا عن المبادرة البريطانية للمساهمة في تقريب وجهات النظر بينكم وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق، فالى اي مدى وجد هذا المسعى صدى في دوائركم؟

ـ اثناء زيارتي لبريطانيا الصيف الماضي تطرقنا في الحديث حول موضوع الحرب والسلام في السودان عند لقاءاتي بوزير الخارجية روبن كوك وعند لقاءات بوزير الدولة للشؤون الخارجية آنذاك بيتر هين، وايضا بأسقف كانتربيري، ونحن ذكرنا لبريطانيا، ان لها علاقات تاريخية مع السودان، وهذه العلاقات التاريخية تمكنها من اداء ايجابي في موضوع السلام يؤطر العلاقات بين البلدين في الفترة التي سبقت الزيارة وأعقبت ضرب مصنع الشفاء للأدوية. اما عن العلاقات فقد طُبعت والبعثات الدبلوماسية قد اعيدت ونشطت فقد آن الأوان لأن تبذل بريطانيا دورا اكبر في مجال السلام اكثر من مساهمتها فقط في المجال الاغاثي. ومن هذا المنطق بدأت بريطانيا في الاتصال بالأطراف الاخرى لعلّها تقرب وجهات النظر او تدفع بالحل السلمي لمشكلة السودان.

=