سولانا.. حكيم أوروبا وبوابة الآخرين إلى مراكز صنع قراراتها

TT

خلال آخر اسبوعين من العام الماضي، اتصلت واشنطن حوالي عشرين مرة لكي تتأكد من ان اوروبا طرف في حملة سلمية جديدة في الشرق الاوسط.

لكن من هو الرجل الذي اتصل به المسؤولون الاميركيون لمعرفة موقف اوروبا؟ انه مسؤول السياسة الخارجية والامن في اوروبا خافيير سولانا ماداريجا.

وفي نهاية الشهر الماضي كان الرجل الذي تركزت عليه الاتصالات الاميركية هو كوفي انان الامين العام للامم المتحدة. فقد كانت تجري محاولات لترتيب لقاء بين رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. ولجأ انان الى سولانا ايضا: هل يمكن للمسؤول الاوروبي ان يوقف محادثات يجريها في كوسوفو ويتوجه للشرق الاوسط؟

وكما حدث، لم يتم اللقاء بين عرفات وباراك. وبدلا من ذلك توجه سولانا بطائرة هليكوبتر الى حدود صربيا ـ كوسوفو لحضور محادثات عاجلة بخصوص التوتر بين الصرب والالبان العرقيين.. انه يوم آخر في حياة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي. وسولانا البالغ من العمر 58 سنة اسباني اشتراكي يتميز بلحية رمادية وابتسامة دائمة. انه الرد على سؤال هنري كيسنجر الشهير بمن تتصل عندما تريد التحدث الى اوروبا؟

وبعد اربع سنوات في منصب الامين العام لحلف شمال الاطلنطي، تولى سولانا منصبا جديدا هو الامين العام للاتحاد الاوروبي والمفوض العالي للسياسة الخارجية والامن، اي المسؤول عن الشؤون الخارجية والامن، في خريف عام 1999. ومعلوم ان الاتحاد الاوروبي، الذي لم تصل قدراته السياسية الى مستوى قدراته الاقتصادية بعد، يعيد تحديد نفسه، فهو يضم الآن 15 دولة، ومن المقرر اجراء استفتاء على عضوية 27 دولة اخرى في العقد القادم. ويجب تركيز كل هذه الطاقة والقوة الاقتصادية والاحتمالات السياسية والاستفادة منها.

واوضح سولانا في لقاء صحافي في طائرة تابعة لسلاح الجو الاسباني عندما كان في طريقه الى البلقان اول من امس، قائلا: «عليك ان تتذكر ان اوروبا ليست دولة او بلداً.. نحن نتحمل مسؤوليتنا بطريقة جماعية، وخلال عدة سنوات سيكون لدينا ضعف عدد سكان الولايات المتحدة وعملة واحدة».

الا ان سولانا ليس «صوت اوروبا» في كل القضايا، فالدول الاعضاء تحتفظ بسياستها الخاصة في عدد من القضايا. ولكن في بعض القضايا الاخرى يوجد رد فعل موحد، مثل تأسيس قوات رد الفعل السريع التابعة للاتحاد الاوروبي للتعامل مع الازمات الانسانية، وعمليات حفظ السلام. كما ان لديها استراتيجية موحدة للتعامل مع روسيا واوكرانيا ودول حوض البحر المتوسط. وتحت ادارة سولانا بدأت لجنة الشؤون السياسية والامن في التعامل مع عدد من القضايا، وهو يزور بانتظام عواصم الدول الاعضاء لتكوين صورة شخصية عما يجري. ويصفه مساعدوه بأنه «رجل يركز تركيزا كبيرا على الاتصالات الشخصية»، وهو يتحدث مع قادة العالم بالانجليزية والفرنسية بطلاقة، وإن كانت بلكنة اجنبية. وخلال شغله منصب وزير خارجية اسبانيا عام 1995 ترأس مجلس وزراء الاتحاد الاوروبي، حيث تلقى الكثير من المديح كرجل يعمل على التوصل للحلول الوسط. وينتمي سولانا الى اسرة ليبرالية، وخلال فترة الدراسة في الستينات كان طالبا راديكاليا، وكان معروفا بعدائه للمؤسسة العسكرية، التي كان يشجعها النظام الديكتاتوري الاسباني آنذاك، وهي خلفية غريبة لرجل ترأس «الناتو». وحصل على منحة من مؤسسة فولبرايت الاميركية، وانضم الى عدد من الجامعات الاميركية وحصل على شهادة الدكتوراه في الفيزياء، وتولى التدريس في جامعة فيرجينيا لفترة، وقد شكلت الاضطرابات الخاصة بحرب فيتنام وحركة الحقوق المدنية الاميركية تأثيرا كبيرا في فلسفته السياسية. وعقب عودته لاسبانيا تولى تدريس الفيزياء وانضم للحزب الاشتراكي، واصبح عضوا في البرلمان عام 1977 وشغل عددا من المناصب الوزارية في الفترة منذ عام 1982 الى عام 1995.ويشير سولانا خلال عمله في الناتو الى انه «كان من السهل تحقيق الاجماع، فالقضية الاساسية هي الأمن، وليس تقرير كمية البطاطس الممكن استيرادها من اي بلد». كما ان الولايات المتحدة تقود «الناتو».

اما في الاتحاد الاوروبي، فإن اي قرار يمكن ان يتعارض مع مصالح 15 دولة، الامر الذي يعني العديد من الرحلات واللقاءات المستمرة ومناقشة مشاكل روسيا والشرق الاوسط والبلقان، وهي مشاكل تستهلك وقتا كبيرا.. اذن كيف يتعامل عالم الفيزياء والمثقف مع هذا الموقف؟ يقول سولانا: «اخصص يوميا وقتا لنفسي، واكتب .. اكتب كثيرا في الواقع.. واقرأ كل شيء، روايات ومقالات. اقرأ ايضا عندما اذهب للفراش».