الرئيس التنزاني ماكابا لـ«الشرق الاوسط»: تنزانيا ليست دولة بوليسية ولا نميز ضد الزنجباريين

TT

* كيف نضطهد مسلمي البلاد وهم ثلث عدد سكانها؟

* لا يجوز أن تبدو الدول الافريقية وكأنها «مجرد دول متسولة» من الغرب الثري

* كابيلا (الأب) كان جزءا من مشكلة الكونجو.. لذلك تعين ان يذهب

* الترابي متحدث جيد وسياسي «غير فاعل» دافوس: أمير طاهري من فشل اشتراكي إلى نجاح رأسمالي، هكذا وصفت تنزانيا في آخر تقرير حول الاقتصاد العالمي جرى إعداده للمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس. وتنزانيا واحدة من أفقر خمس دول في العالم، لكنها من ضمن مجموعة صغيرة من الدول الافريقية التي تمكنت من تسجيل معدلات نمو اقتصادي إيجابية خلال السنوات الخمس السابقة. والمهندس الرئيسي لهذا النجاح الاقتصادي البارز هو الرئيس بنجامين ويليام مكابا، الصحافي السابق الذي بنى مجده المهني باعتباره أقرب المساعدين للرئيس الأسبق جوليوس نيريري، الرجل الذي قاد تنجانيقا للاستقلال ونظم وحدتها مع زنجبار قبل اربعة عقود مضت. وبرز الرئيس مكابا في الآونة الأخيرة كمتحدث باسم القارة الافريقية في الحوار مع القوى الصناعية الغربية في سياق إصلاح النظام الاقتصادي العالمي. وحول القضايا التي تشغل بال الافريقيين حاورت «الشرق الأوسط» الرئيس التنزاني على هامش منتدى دافوس. وفي ما يلي نصه:

* دعنا نبدأ حديثنا من مسألة ذات اهتمام خاص بالنسبة للقراء العرب والمسلمين، أي الأحداث الدموية في زنجبار حيث قتلت الشرطة التنزانية ما يزيد على مائة متظاهر أعزل؟

ـ يبدو ان البعيدين من مسرح الأحداث بالغوا في عدد الضحايا، فالأرقام التي لدينا تشير إلى مقتل اثنين وجرح حوالي 12 شخصا فقط، ووقع هذا الحادث المأساوي عندما تعرضت الشرطة لتهديدات عنيفة من المتظاهرين مما اضطرها للرد عليهم. ويجرى الآن تحقيق رسمي في هذا الحادث لمعرفة المسؤولين عنه.

* ولكن غالبية الأنباء تشير إلى ان زنجبار، التي تقطنها غالبية مسلمة، تعاني من حالة من الاضطرابات العنيفة، كما ان بعض المراقبين يلقي باللائمة على سياسة التمييز التي تتبعها حكومتكم ضد سكان زنجبار في المجال الاقتصادي، ويؤكد آخرون ان زنجبار في طريقها إلى الانفصال عن تنزانيا؟

ـ أفضل السبل لمعرفة ما يجري هو الذهاب إلى زنجبار ورؤية الواقع هناك، فتنزانيا بلد مفتوح وليست دولة بوليسية. وما يمكن قوله هنا هو ان زنجبار استفادت من التنمية الاقتصادية للبلاد، بنفس القدر الذي استفادت به أجزاء البلاد الأخرى، ان لم يكن بقدر أكبر. وفي ما يتعلق بالانفصال، أود ان أذكرك ان حزبنا وحلفاءه حصلوا على نسبة 80% من الأصوات في آخر انتخابات أجريت في زنجبار، علاوة على ذلك كانت زنجبار من الاقاليم التي شارك سكانها في الانتخابات بأعلى النسب. اضطهاد مسلمي زنجبار

* يحتفظ الكثير من سكان زنجبار، كما تعلمون، بروابط قديمة مع دول الخليج العربي وعلى وجه الخصوص عمان وإيران. لذا هناك اهتمام في منطقتنا لمعرفة ما إذا كان العنف في زنجبار عملاً معادياً للمسلمين من طرف حكومتك؟

ـ تنزانيا واحدة من عدد قليل من الدول الأفريقية التي تشكل فيها على مدى العقود السابقة حس بالهوية القومية، تجاوز الاعتبارات الدينية والقبلية والعرقية ويشكل المسلمون ثلث سكان تنزانيا، مما يعنى أن الإسلام دين الغالبية، لذا ليس هناك مجال لإخضاع أكبر مجموعة دينية في البلاد للقمع أو الاضطهاد.

* يعتبركم المراقبون من الأصوات الافريقية القليلة التي تستمع إليها القوى الصناعية العالمية، ما هو انتقادكم الرئيسي للنظام العالمي؟

ـ السوق العالمية واقع لا يمكن لأحد إنكاره، ولكن ما نود قوله هو ان الدول الافريقية لا ينبغي ان تعتبر «متسولة» اقتصاديا وفكريا.. نحن لا ننتظر الصدقات والهبات، كل ما نريده هو السماح لنا بصياغة النماذج التي تناسب تنميتنا. وأنا ضد التماثل المفترض لأنني أعتقد ان الدول المختلفة ذات التاريخ المختلف، والهويات المتباينة، بوسعها ان تنظم حياتها على النحو الذي يناسب واقعها، فالقارة الافريقية ليست صفحة خاوية يسطر عليها التكنوقراط والسياسيون والمفكرون الغربيون ما شاؤوا.

* ماذا تريد من الدول الغربية ان تفعل على وجه التحديد؟

ـ أريد بداية ان يفتحوا أسواقهم أمام منتجات مزارعنا، أي المنتجات الوحيدة التي يمكن ان ننافس بها في المستوى العالمي، ونريد كذلك ان يكون هناك نوع من التكافؤ، أي ان توقف القوى الغربية الدعم الذي تدفعه لمزارعيها بغرض الإبقاء على منتجاتنا خارج السوق. واقتراحي هذا يخدم المصالح بعيدة المدى للقوى الغربية أيضا، فإذا اصبح بوسعنا دخول أسواقها، وبالتالي تأمين بعض القوة الشرائية، سنتمكن بالتأكيد من شراء المزيد من خدمات وبضائع هذه الدول. هذه هي الطريقة التي يمكن ان تجد اليابان والقوى الغربية من خلالها أسواق جديدة لقدراتها الإنتاجية المتزايدة. نريد أيضا ان تزيد القوى العالمية الرئيسية استثماراتها في تطوير بناياتنا التحتية ومواردنا الطبيعية. فساد القادة الأفريقيين

* يعزي الكثيرون في الغرب فقر القارة الافريقية إلى جشع قادتها وفسادهم وحروبها المستمرة في كل مكان؟

ـ لا أنكر هذه الحقائق. كان هناك ولا يزال الكثير من الفساد وسط النخب الافريقية الحاكمة، غير ان القادة الأفارقة ليسوا كلهم لصوصا. يجب ألا تنسى كذلك ان رجال الأعمال الغربيين، الذين علموا بعض القادة الأفارقة كل أنواع الخدع، هم الذين جلبوا الفساد للقارة الافريقية. ما يسرقه القادة الفاسدون في القارة ينتهي في المصارف الأوروبية أو يتحول إلى عقارات فاخرة في عواصم الدول الأوروبية ومدن أميركا الشمالية. انظر إلى فضائح الفساد والمحاكمات التي تجري الآن في الغرب، مثل محاكمة وزير الخارجية الفرنسي السابق رولاند دوما الذي كان زميلي عندما كنت وزيرا للخارجية. وفي ما يتعلق بالنزاعات الافريقية، يجب ألا تنسى ان غالبية هذه النزاعات تدور حول المال، إذ ان المرتزقة والأسلحة المستخدمة في هذه النزاعات تأتي من الغرب.

*ما الذي سيحدث مستقبلا في جمهورية الكونجو الديمقراطية في تقديرك؟

ـ من الصعوبة تحديد ما سيحدث على وجه التحديد، غير ان موت الرئيس الأسبق لوران كابيلا سيتيح فرصا جديدة للسلام في المنطقة، اذ اصبح كابيلا جزءا من المشكلة وكان ينبغي ان يذهب.

* هل تعني ان اغتيال كابيلا كان جزءا من مؤامرة؟

ـ لا أحد يعرف... الظروف التي أحاطت بموته لا تزال غير واضحة، والشيء المؤكد هو انه سقط مع الذين أتوا به إلى السلطة وقادوا الكونجو إلى هذا المأزق.

* وما هو تقييمكم للأوضاع في السودان؟

ـ منذ ان اصبح واضحا ان السودان يملك احتياطات نفطية كبيرة، أدركت ان الأوضاع ستتغير، أصبح السودان مهما على نحو مفاجئ، إذ اصبح مهما إلى درجة اهتمام الآخرين بألا يتعرض للتفتت، ومن المهم إزالة الأصوليين من السلطة والمساعدة في إقامة سلطة جديدة قادرة على إجراء حوار مع المعارضة. فحسن الترابي لعب دوره ووضع جانبا، وانا قابلته في أكثر من مناسبة ووجدته متحدثا جيدا لكنه كسياسي فهو أقل فاعلية مما كان يأمل.

* القارة الافريقية تعج بالأخبار السيئة. هل هناك أي أخبار سارة تود ذكرها في هذا اللقاء؟

ـ الأخبار الاقتصادية السارة الوحيدة الموجودة في ذهني الآن هي ان بوتسوانا بدأت تظهر كنموذج اقتصادي ناجح، وتنزانيا أيضا اظهرت أداء اقتصاديا إيجابيا مقارنة بالقاعدة التي بدأنا منها. سياسيا، هناك أخبار سارة في ما يتعلق بالأوضاع في غانا ونيجيريا والسنغال، إذ أجرت هذه الدول انتخابات ديمقراطية واختارت رؤساء جددا بتفويض شعبي قوي، فضلا عن محاربة الفساد وحماية حقوق الإنسان وتحديث الاقتصاد، وتملك القارة الافريقية موارد طبيعية وبشرية ضخمة لم تستغل حتى الآن. ليس لدي شك في ان افريقيا هي قارة المستقبل وموقع مهم للاقتصاد العالمي.

* كنت من المقربين من الرئيس الأسبق جوليوس نيريري ومشروعه الخاص بالاشتراكية الافريقية.. هل لاحظت ان النظام الاقتصادي القائم على التخطيط المركزي لم ينجح؟

ـ نيريري لم يطبق نوع الاقتصاد الموجه الذي كان مطبقا في الاتحاد السوفياتي السابق، نموذج نيريري الاشتراكي كان ديمقراطيا، ووفر مساحة كافية للحريات الفردية والمشروعات الخاصة، غير أننا ورثنا جولة تفتقر إلى البنى التحتية الاقتصادية. واحتلت الدولة موقعا قياديا في كل المجالات. تلك المرحلة من البناء ساهمت في تعزيز استقلال البلاد وتطوير تماسك وحدتنا الوطنية. توصلنا بعد ذلك إلى ان السياسات التي كانت مطبقة خلال العقود الثلاثة الأولى التي أعقبت الاستقلال أدت دورها خلال المرحلة المعنية، وحان الوقت لاستبدالها بسياسات جديدة حتى تتمكن البلاد من السير إلى الأمام. وأدى ذلك إلى برنامج التخصيص الضخم الذي لا يزال مستمرا، كما حددنا مجددا دور الدولة في المسائل الاقتصادية بعيدا عن السيطرة والملكية ونحو القيادة والإرشاد والتحكيم.