بعد أكثر من عقدين من الحرب.. الأفغان تعلموا التكيف مع الظروف القاسية

TT

هرات (افغانستان) ـ رويترز: لم تفلح الانفجارات ولا الصواريخ او طلقات النيران في عرقلة افتتاح فندق موفق الذي يوصف بانه افضل مكان للاقامة في مدينة هرات الواقعة غرب افغانستان. ورغم ان الفندق لم يستطع ان يوفر عشية افتتاحه هذا الشهر الماء الساخن او التدفئة والكهرباء بعد الساعة العاشرة والنصف مساء، فانه يرمز لحقيقة ان الافغان تعلموا بعد أكثر من 20 سنة من الحرب التعايش مع العنف.

وقال هانز كريستيان بولسن منسق الامم المتحدة للشؤون الانسانية في غرب افغانستان «الحرب دائرة منذ فترة طويلة هنا، لذلك فان المسألة لم تعد مسألة إعادة السلام، فالسلام سيكون شيئا جديدا». ورغم ان مقاتلي حركة طالبان استولوا عام 1995 على البلدة التجارية التاريخية في بداية زحفهم الذي تمكنوا خلاله من السيطرة على معظم افغانستان فقد مثل اطلاق صاروخين على هرات بداية العام الجاري وانفجار آخر وقع هذا الشهر تذكرة كئيبة تشير إلى استمرار الحرب الاهلية في هذه المنطقة.

وقد اشتدت الازمة الانسانية الناجمة عن الحرب والجفاف مما حدا بالبنك الدولي الى التحذير من المجاعة في المنطقة. لكن يبدو ان سكان هرات الذين تعودوا الاعتماد على انفسهم قادرون على التكيف رغم الازمة المعيشية والتشدد الذي تبديه طالبان حتى على وسائل التسلية. ويشير العاملون في فندق موفق الى مذياع يذيع موسيقى اجنبية لا تسمع ابدا في محطة الاذاعة التي تديرها طالبان.

ورغم ان طالبان اغلقت محطات التلفزيون فقد وجد كثير من الافغان بدائل. وقال افغاني ان الهوائيات المنزلية الصنع التي تخفى عن انظار شرطة طالبان تلتقط البث التلفزيوني من ايران وروسيا والهند. ويتبدى وجود عدد كبير من اجهزة الفيديو المخفاة من خلال الافتتان بأي شيء مرتبط بفيلم تيتانيك، اذ يمس المزج بين المأساة والرومانسية وترا حساسا في هذا البلد الذي دمرته الحرب. لكن يبدو ان قبضة طالبان اقل شدة في هرات التي تزدهر على ما يبدو من خلال التجارة الحيوية للدولة كلها مع ايران وتركمانستان المجاورتين. وتبدو هذه المدينة متراخية نسبيا خلافا للوضع في كابل او قندهار الجنوبية حيث يقيم الملا محمد عمر زعيم الحركة الحاكمة. وتبيع النساء اللاتي تندر مشاهدتهن في بعض المدن الافغانية الاخرى ملابس مستعملة في سوق مزدحمة. وبينما تتدلى اشرطة الموسيقى المصادرة معلقة في ميدان في حراسة ثلاثة من اعضاء طالبان، لا يتردد كثير من الناس في مخاطبة الاجانب غير مظهرين اي قدر من مشاعر العداء للاجانب التي تظهرها طالبان ازاء العالم الخارجي. وقال مهندس افغاني «في الماضي كانوا يضعون الناس في السجن، لكنهم الان يتركون الناس يستمتعون بحياتهم فحسب، عليهم ان يكونوا حذرين اذا ارادوا الاحتفاظ بسلطتهم هنا».

ويعكس هذا الأمر تركيبة افغانستان، فشعبها ذو بأس يعتد باستقلاله واثبت من خلال محاربة قوات الغزو السوفياتي في الثمانينات انه لا يخضع لحكام لا يقبلهم. وتقع مراكز قوة طالبان في المناطق التي تتحدث لغة الباشتون، لكن الحركة تواجه مشاكل في المناطق التي تسكنها قبائل الهزارة الشيعية او في مناطق التاجيك التي تمثل العمود الفقري لما تبقى من مقاومة لحكم طالبان.

وتبدو الأمم المتحدة مقتنعة بصعوبة حدوث حكم أفغانستان من قبل جماعة واحدة، وهو الأمر الذي دفع بالمنظمة الدولية لمواصلة أعمالها للضغط على كل الأطراف وحملها على تشكيل حكومة موسعة. وقد تكون المعارضة بقيادة القائد التاجيكي احمد شاه مسعود مستعدة لذلك منذ ان حوصرت ولم يعد لديها امل واقعي في دحر طالبان، لكن طالبان لم تظهر استعدادها لإشراك الآخرين في الحكم.

ولم تعد مدينة هرات خط النيران الرئيسية بين الأطراف المتقاتلة، لكنها لم تنعم بسلام تام. ويعد مشروع تموله الامم المتحدة لاستعادة جزء من المجد الغابر لهذه المدينة التي كانت ذات يوم عاصمة تيمورلنك علامة على عودة الامور الى طبيعتها نسبيا.