استقالة باراك تعجل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية

انسحاب رئيس الوزراء المنصرف من المسرح السياسي ينقذه من إهانة كبرى

TT

انقذ رئيس الوزراء الاسرائيلي المنصرف ايهود باراك، كرامته من اهانات كبرى حين قدم استقالته من رئاسة حزب العمل واعلن اعتزال الحياة السياسية حال قيام حكومة جديدة. وبذلك، فتح الطريق امام تعجيل الاجراءات لاقامة حكومة وحدة قومية مع الليكود برئاسة ارييل شارون. وحسب تقديرات قيادة الحزبين، فان الحكومة ستعلن في مطلع مارس (آذار) المقبل.

وكان باراك قد توصل الى القناعة بان رغبته في البقاء في رئاسة الحزب وتولي منصب وزير الدفاع في حكومة شارون، لا يمكن ان تمر في اجتماع المجلس المركزي للحزب. وانه حتى لو قبله غالبية اعضاء المركز، فان ذلك سيكون اولا بشق الانفس، وثانيا بعد جملة اهانات لا اول لها ولا آخر، بدأت عمليا في الصحف وكذلك لدى خصومه في الحزب، منذ ان اعلن تراجعه عن الاعتزال، وكانت ستصل اوجها في اجتماع مركز الحزب المقرر عقده يوم الاثنين المقبل.

فقد قيل بحق باراك كلام بلغت الاهانات فيها والتجريح، حدا جعل خبراء التربية والشؤون الاجتماعية في اسرائيل يحذرون من تدهور خلقي فظيع قد يصيب المجتمع كله، «فليس بهذه الطريقة يكتب او يقال عن رئيس حكومة»، و«المجتمع الذي لا يعرف كيف يوفر الحد الادنى من الاحترام لرئيس حكومته، لا يمكن ان يكون حضاريا»، و«حتى للديمقراطية توجد حدود»، كما كتب عدد منهم. بينما رأت الوزيرة داليا ايتسيك، ان الهجوم البشع وبهذا المستوى المتدني على باراك، بات يهدد حياته بالخطر «انهم يقتلون شخصيته، معنويا ونفسيا. ولا استبعد ان يؤدي ذلك الى قتله جسديا ايضا».

وتمادى خصومه لدرجة العمل على الاطاحة به وفرض اعتزال السياسة عليه فرضا. ورفضوا حتى الاقتراح الوسط الذي تقدم به الامين العام لحزب العمل، رعنان كوهن، بان يستقيل باراك من رئاسة الحزب وكذلك من عضوية الكنيست، ويبقى وزيرا للدفاع في حكومة شارون.

لهذا، قرر باراك الاستقالة من كل شيء. وقبل ان يعلن قراره دعا مستشاريه المقربين الى جلسة اجتماعية في مكتبه، وطلب منهم ان ينصحوه ويساعدوه على اتخاذ القرار المناسب. فأجمعوا على انه يجب ان يستقيل. وفعلوا ذلك باجواء التضامن والاطراء: «انت سبقت عصرك. وجئت الى زمن غير زمنك. انسحب الآن وسترى كيف سيأتون اليك عندما ينضجون ويعقلون. وسيرجونك رجاء ان توافق على العودة».

ومع ان باراك حاول تعليل استقالته بفشل شارون في تشكيل حكومة الوحدة، الا انه في الواقع اعتزل لانه لم يعد يحتمل اهانات حزبه له والمقالات اللاذعة التي نشرت ضده.

وكان باراك قد اتهم شارون بالتآمر عليه حتى داخل حزب العمل. وقال في رسالة مفصلة (تنشر «الشرق الأوسط» نصها اليوم) كتبها له ان تصرفاته زعزعت الثقة بينهما.

لكن باراك اعرب عن رأيه في ضرورة الاستمرار في الجهود لاقامة حكومة وحدة قومية بين الحزبين. واعلن استعداده للعمل على انجاح هذه الجهود، حتى اليوم الاخير لعمله رئيسا للحكومة. واعربت اوساط مقربة من شارون ان استقالة باراك مؤسفة، لكن هذا شأن داخلي لحزب العمل، «ونحن نحترم هذا الحزب وسنتعامل مع اي شخصية تنتخب لقيادته». واعربت عن املها في الا تؤدي استقالته الى عرقة جهود الوحدة.

واعلن شارون رفضه المطلق لموقف حزب العمل باستثناء حزب الاتحاد اليميني المتطرف عن التحالف الحكومي. وقال ان الحكومة التي سيشكلها ستضم حتما كلا من رحبعام زئيفي وافيغدور ليبرمن في صفوفها، وبوزارتين فاعلتين. وزئيفي كما هو معروف زعيم حزب «الترانسفير»، الذي يدعو الى ترحيل الفلسطينيين عن وطنهم. وليبرمن هو المدير العام لديوان رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، واشتهر مؤخرا بتصريحه التهديدي ان «ايدي اسرائيل قد تصل الى طهران وتفجر سد اسوان».

وتواصلت الجهود لتشكيل حكومة الوحدة بين العمل والليكود. وعقد الامينان العامان للحزبين، كوهن (العمل) واوري شيني (الليكود)، لقاء آخر بينهما اعلنا في اعقابه ان تقدما كبيرا حصل في المفاوضات.

وكان كوهن قد اعلن انه سيحل محل باراك في رئاسة الحزب، الى حين ينتخب رئيس آخر. وقد بدأ التنافس على هذا المركز يحتدم، وراح احد اقوى المرشحين، ابراهام بورغ (رئيس الكنيست) يشكو من شحذ السكاكين ضده من الخصوم.