الترابي تنازل عن آيديولوجيته في اتفاقه مع قرنق واعتقاله سيعطيه درجة مصداقية كمعارض

تحليل إخباري

TT

ربما لا يكون الزعيم الاصولي السوداني حسن الترابي افضل الاستراتيجيين، ولكن لا يشك الا القليل في قدراته كتكتيكي. فعندما اخرجه من السلطة الرئيس عمر البشير في اواخر العام الماضي، كان الترابي يبحث عن مكان جديد في رمال السياسة السودانية المتغيرة.

ويقول محلل «ان لعبة الشيخ المبدئية كانت التوصل الى اتفاق مع الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق ووضع نفسه باعتباره البديل الذي يحظى بالاجماع للبشير المعزول سياسيا».

ونجح التكتيك، على الاقل مبدئيا، بعدما لعب المهدي بفكرة التوصل لاتفاق مع الشيخ. الا انه تراجع في اللحظات الاخيرة بعدما استمع لمشاعره التي كانت دائما تدفعه لعدم الثقة بالترابي.

وبعدما فضل المهدي التوصل لشبه اتفاق مع البشير، قرر الترابي اللجوء الى اقصى طيف السياسة السودانية بالتوصل الى اتفاق مع جون قرنق. وقد ادت هذه الخطوة بالشيخ في السجن، وبالتالي منحته درجة من المصداقية التي افتقدها كزعيم معارض.

وقد ادت تلك الاحداث الى دفع تشكيل حكومة البشير الجديدة بعيدا عن الاضواء. وتلاشت امال الرئيس باستعادة درجة من الاعتيادية بفريق وزاري جديد. وكانت رسالته للعالم الخارجي، ولاسيما الى شركات النفط الكبرى، ان السودان يستعيد جزءاً من الاستقرار، اقل اقناعا مما كانت عليه قبل اسابيع.

وبكلمات اخرى كسب الترابي نصرا تكتيكيا على البشير. ولكن لكي يتوصل الى ذلك كان عليه ان يدفع ثمنا غاليا. وتعتبر مذكرة التفاهم التي وقعها مع جيش التحرير الشعبي الذي يقوده قرنق وثيقة غريبة. فالترابي يتخلى او على الاقل يعكس كل نصوص ايديولوجيته. فقد تخلى عن حلم تطبيق الشريعة على السودان بأكمله، وجعل اللغة العربية لغة البلاد الوحيدة. . وفي فقرة مثيرة تقترح مذكرة التفاهم ضرورة توحيد السودان عن طريق الوسائل السلمية، مما يشير الى ان السودان منقسم.

ولا يعتقد احد ان الترابي او قرنق، وهو خبير في توقيع الاتفاقيات التي تفشل في ما بعد، سيلزمان بتلك الاتفاقية الى الابد. ولكن من المؤكد ان نتائج هذا التحالف الذي توصلا اليه ستجعل التوصل الى تسوية بين الحكومة والمعارضة اكثر صعوبة. ويأمل الترابي وقرنق، بزيادة الرهان، من تهميش المعارضة الداخلية التي يقودها الان الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني. وما سيفعله الميرغني هو امر غير معروف. فقد رفض المهدي الانضمام الى تحالف اقترحه البشير في الوقت الذي يحتفظ فيه بحوار مع النظام. وسيجعل اعتقال الترابي، الحوار اكثر صعوبة. والادعاء بأن الترابي ينظم فرق اغتيالات يصعب تصديقه او اثباته في محكمة قانونية.

والاهم من ذلك ان اتفاق الترابي مع جيش التحرير الشعبي، حتى ولو لم يكن مخلصا، سيصبح شعبيا في السودان، البلد الذي تعب من صراع ادى الى مقتل مليوني شخص وخمسة ملايين لاجئ.

ان القبض على الشيخ سيضعف جهود البشير لاقناع العالم الخارجي، ولا سيما الدول الصناعية الكبرى، بأنه يغلق الان صفحة الحكم العسكري ويقود السودان مرة اخرى نحو حكم القانون.

وربما تشعر بعض الدول الغربية، سرا، بالسعادة بالقبض على الترابي ولن تذرف الدموع اذا ما استبعد من اللعبة السياسية السودانية. ولكن اذا حدث ذلك عليهم اعادة تقييمهم لقدرات النظام على احلال السلام في السودان عن طريق القنوات السياسية الطبيعية بدلا من القهر والحروب.

وليس من المرجح، انطلاقا من الاتهامات التي وجهتها الحكومة للترابي، ان تسمح له بالخلاص بسهولة. الا ان استبعاد الترابي من الحياة السياسية السودانية، من الممكن ان تكون مرحلة قصيرة المدى. وبالرغم من امكانية القول ان الترابي ليست لديه اية جذور في البنية التقليدية التي لا تزال تسيطر على المجتمع السوداني والحياة السياسية، فإنه يمثل قطاعا هاما لسكان الحضر في البلاد. ويمكن لهذا القطاع المحروم من التمثيل في النظـام، والمكون من الطلبة والطبقات المتوسطة الدنيا ان يسقط فريسة لبدائل اكثر راديكالية وعنفا.

ان القبض على الترابي يزيد من فرص نجاح المبادرة المصرية ـ الليبية للترويج لاجماع وطني في السودان. اما الان فإن الوقت من ذهب. فإذا تبين ان البشير والمهدي يسعيان لتحقيق اجندة شخصية ويؤخران التسوية لاعتبارات حزبية، فإن محور الترابي ـ قرنق سيبدو اكثر جاذبية بالنسبة للذين يشعرون بالفزع من استمرار الازمة في الخرطوم.