الجزائر ترهن فتح الحدود البرية مع المغرب بالتوصل إلى وسائل للتعاون تنتفي معها المشاكل الأمنية

الميداوي: لا نبحث عن مساواة حسابية وإنما تداخل بنيوي يسعى وراء المصالح المشتركة

TT

اعلن وزيرا الداخلية الجزائري يزيد زرهوني والمغربي احمد الميداوي امس ان الجزائر والمغرب لا يعتزمان قريبا فتح حدودهما المقفلة منذ اغسطس (آب) 1994.

واكد الوزير المغربي اثناء مؤتمر صحافي في ختام زيارة الى الجزائر استغرقت يومين «لا نريد فتح الحدود لنعيد اغلاقها بعد ستة اشهر». اما نظيره الجزائري فقال ان «همنا، هنا وهناك، يتمثل في انه اذا ما اعيد فتح الحدود، يجدر بنا ان لا نعود الى الوراء بعد ستة اشهر او ست سنوات، لنشكك مجددا في الامر».

ويرى زرهوني ان اعادة فتح الحدود البرية تمر «بالتوصل الى وسائل للتعاون تنتفي معها اي مشاكل امنية وتكون العواقب الاقتصادية متساوية يتقاسمها البلدان». ورد نظيره المغربي ممتعضا «عندما نبني معا، لا نبحث عن مساواة او عدالة حسابية بسيطة، وانما نبحث عن تداخل بنيوي يسعى وراء المصالح المشتركة، فنحن لا نقوم بتثبيت امر ما بناء لنتائجه الحسابية».

وكان وزير الداخلية المغربي قد اضطر الى قطع المؤتمر الصحافي في ختام زيارة من يومين قام بها الى العاصمة الجزائرية والتقى خلالها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأبلغه «رسالة شفوية» من الملك محمد السادس، وتوجه الوزيران سويا، في جو متوتر، نحو السيارة الرسمية لمغادرة اقامة «الميثاق» حيث عقد المؤتمر الصحافي.

ولم يتحمل الميداوي الطريقة التي طرح بها احد الصحافيين الجزائريين سؤالين حول قضية الصحراء الغربية وحول الخلاف الجزائري ـ المغربي الذي نشب بينهما غداة حادث الهجوم المسلح على احد فنادق مراكش في اغسطس 1994. وقال «اعتقد اننا يجب ان نتوقف هنا عن الاسئلة». وقبل ذلك اضطر وزير الداخلية المغربي الى الرد على نظيره الجزائري عندما قال «ان الطرفين اتفقا على وضع قضية الصحراء الغربية بين قوسين والتطرق الى المشاكل الثنائية التي تهم البلدين مباشرة»، وأوضح الميداوي ان مشكلة الصحراء هي «قضية مبدأ بالنسبة للمملكة المغربية ولا يمكنها ان تضعها بين قوسين». وشدد على ان قبول بلده التطرق مع الجانب الجزائري الى المسائل الاخرى العالقة بينهما من دون التوقف عند قضية الصحراء «قضية منهجية وليس هدفا، لان المغرب يبقى متمسكا بوحدته الترابية ومدافعا عن سيادته».

الوزيران الجزائري والمغربي لم يقدما تفاصيل ما توصلت اليه نتائج مباحثاتهما، واكتفيا بالقول انهما لم يتطرقا الا الى المسائل التي تعني مباشرة مجال صلاحيات وزارتيهما، ومنها مسألة التعاون الامني التي كان يركز عليها زرهوني في كل مرة، على اعتبار ان «هذه المسألة هي الاكثر حساسية، لذلك تعرضنا اليها اولا، وقد طرحنا الامر بوضوح وبدون اي تحرج»، غير انه اضاف «لا يمكن تقديم تفاصيل ما تم التوصل اليه الآن، لكن اؤكد ان الارادة السياسية متوفرة» بين البلدين لانهاء الخلاف حول المسائل الامنية بما يحفظ سلامة تراب كل دولة. من جهته اوضح الميداوي انه لم يتم الاتفاق على اجراءات خاصة بخصوص التعاون الامني، ذلك ان «آليات تجسيد هذا التعاون، في الميدان، كانت دائما موجودة، لكن يبقى ان نقدم لها دعما آخر في اطار احترام سيادة كل بلد». وكان هذا التوضيح رسالة من المغرب الى السلطات الجزائرية لتذكيرها ان سلطات الرباط لا تزال ترفض الاتهامات الموجهة اليها من قبل مسؤولين جزائريين يرون ان بعض عناصر الجماعات المتشددة المسلحة يحظون بحماية وتشجيع داخل التراب المغربي. وهو ما ذكره صراحة وزير الدفاع الجزائري الاسبق الجنرال خالد نزار في مذكراته عندما تعرض الى لقائه بالعاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني. وأوضح نفس المسؤول العسكري ان الجماعات المسلحة الجزائرية كانت تختبئ داخل الاراضي المغربية وكانت ترسل انطلاقا منها الاسلحة، وهو نفس ما اشار اليه الرئيس الجزائري غداة هجوم مسلح في اغسطس 1999 على مجموعة من الرعاة في منطقة بشار (جنوب غرب الجزائر) قتل خلاله 29 شخصا.

وقد ابدى بوتفليقة استياء واضحا مما اعتبره سكوتا من طرف السلطات المغربية ازاء المجموعة التي نفذت الهجوم المسلح ثم هربت من ملاحقة قوات الامن الجزائرية عبر الحدود الشرقية للمغرب. وذكر مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط» ان «المغرب ابدى استعدادا على التعامل بحزم مع هذه المسألة وهو يؤكد منذ مدة ان حدوده مع الجزائر مؤمنة الى اقصى الحدود وانه يرفض اتهامه بالتواطؤ مع الجماعات الارهابية»، وأوضح المصدر ان مصالح امن البلدين على اتصال مستمر وتتبادر دوريا كل المعلومات المتعلقة بهذا الجانب الامني، مشيرا الى حرص البلدين على «الانتهاء بسرعة من اي سوء تفاهم بخصوص هذه النقطة المهمة التي ساهمت بشكل كبير في توتر العلاقات بين الدولتين خلال السنوات الماضية». ورفض المصدر المسؤول تأكيد معلومات تتعلق بموافقة السلطات المغربية تسليم اشخاص مسجونين لديها وهم محل بحث من قبل العدالة الجزائرية لتورطهم في قضايا امنية.

من جهة اخرى كتبت صحيفة «ليكسبريسيون»، المقربة من الرئاسة الجزائرية، يوم وصول الميداوي الى الجزائر، ان عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين لا يمكن ان تتم قبل تقديم السلطات المغربية اعتذارا رسميا على الاتهامات التي وجهتها ضد الجزائر.

يذكر ان الميداوي قدم توضيحا مطولا حول رؤية المغرب لنزاع الصحراء الذي قال انه نزاع مصطنع، مشيرا الى ان الصحراء ارض مغربية وان المغرب لا يمانع في اجراء استفتاء حول تقرير المصير شريطة ان يتم ذلك وفق احصاء شامل لسكان الصحراء، مشددا على ان الاحصاء السابق لا يمكن ان يكون موضوعيا وهو الذي لم يمس سوى 30 في المائة من السكان الاصليين للصحراء الذين اضطرتهم عدة ظروف الى عدم الوجود عندما كانت عملية الاحصاء جارية. وأكد الميداوي انه ليست في نية بلده ابدا الخروج نهائيا عن الشرعية الدولية في ما يتعلق بمعالجة هذه المسألة.

الصحافيون الحاضرون في المؤتمر الصحافي عجزوا عن الرد على سؤال «هل كانت زيارة الميداوي ناجحة ام فاشلة؟»، فالوزيران يصران على ان الامور ايجابية لكن من دون ان يقدما تفاصيل اضافية، في حين كانت الرسائل التي حرص المسؤولان على توجيهها من خلال الرد على اسئلة الصحافيين توحي ان عودة العلاقات المتوترة بين البلدين منذ السبعينات الى مجراها الطبيعي ليست امرا سهلا، وهو ما اعترف به صراحة الميداوي عندما اكد ان بناء علاقات متينة مستقبلا سيأخذ وقتا طويلا، داعيا حكومتي البلدين الى تحويل المشاكل الى حوافز تساعد على تخطي كل العقبات.