المحامون المصريون يخوضون محاولة ثانية اليوم لإتمام أول انتخابات لنقابتهم منذ 10 سنوات

الصراع ينحصر بين عطية مرشح الحكومة والإخوان المسلمين وعاشور الناصري على منصب النقيب

TT

وعبد الوهاب الديب في محاولتهم الأخيرة لاستعادة استقلال نقابتهم يخوض المحامون المصريون اليوم انتخابات النقابة وهي الاولى منذ 10 سنوات وبعد 6 سنوات من فرض الحراسة على النقابة وسط تباين في التوقعات ما بين تخوفات من عدم اكتمال النصاب القانوني للجمعية العمومية للنقابة على غرار ما حدث مطلع الأسبوع الماضي، وتوقعات أخرى متفائلة باكتمال النصاب باعتبار ان المحامين هم الأحرص على اخراج نقابتهم من النفق المظلم الذي دخلته منذ تعطيل اجراء انتخاباتها قبل 5 سنوات مضت بسبب فرض الحراسة عليها خاصة ان عدم اكتمال النصاب سيؤجل الانتخابات لستة أشهر قادمة قد تكون قابلة للامتداد.

وكانت الجمعية العمومية للنقابة فشلت السبت الماضي في استكمال نصابها القانوني اذ حضر الاقتراع نحو 40 ألف محام فقط في حين كان يفترض حضور أكثر من 43 ألف محام من اجمالي المحامين الذين يحق لهم التصويت، ويبلغ عددهم أكثر من 87 ألف محام فيما يفترض ان يقترع اليوم نحو 30 ألف محام يمثلون ثلث الجعمية العمومية التي ارتفع عددها ليصل الى 90 ألف محام في وقت يتنافس على الترشيح 217 مرشحا بينهم 10 يتنافسون على مقعد نقيب المحامين في 354 لجنة انتخابية يشرف عليها 560 قاضيا في معظم محافظات مصر.

وبدا ان هناك ترتيبات جديدة على نطاق القوى السياسية المتنافسة على السيطرة على النقابة ما بين الحكومة ومعارضيها، خاصة على موقع النقيب الذي بدا ان الصراع عليه منحصرا بين مرشح الحكومة رجائي عطية والمرشح الناصري سامح عاشور الذي سعى خلال الساعات الأخيرة لاستقطاب باقي اصوات المعارضة في ظل مؤشرات تراجع منافسهم الثالث الوفدي أحمد ناصر.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان عددا كبيرا من المرشحين المستقلين يجرون مشاورات في الساعات الأخيرة للاتفاق على قائمة موحدة بعدما اكتشفوا ان معظم تحالفاتهم مع القوى الحزبية المعارضة أو الحكومة كانت لعبة انتخابية كشفتها مفاجآت يوم السبت الماضي والتي وجد معظم المرشحون المستقلون انفسهم خارج تحالفات تم الاتفاق عليها قبل يوم الاقتراع.

فيما كثفت اجهزة الأمن المصرية من وجودها حول مقر النقابة العامة ووضعت رجالها في حالة استعداد خوفا من وقوع تجاوزات باعتبار ان اليوم سيكون يوم الحسم في تاريخ النقابة رغم ان اجهزة الأمن لم ترصد اية تجاوزات خلال اجتماع الجمعية العمومية السبت الماضي. وبدا ان انتخابات نقابة المحامين تحولت الى ساحة خصبة للقوى السياسية في التنافس خاصة بالنسبة للقوى المحظور نشاطها بشكل علني مثل جماعة الاخوان المسلمين وجماعة الجهاد والجماعة الاسلامية، والقوى السياسية الشرعية مثل احزاب الوفد والتجمع الاشتراكي والعربي الناصري على دعم مرشحيها والاعلان عن نفسها داخل تلك الانتخابات بعد النتائج «غير المرضية» بالنسبة لمؤيديها في الشارع المصري خلال انتخابات البرلمان الأخيرة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ويأتي دعم الاحزاب والقوى السياسية لانصارها من المرشحين في وقت يحرص فيه هؤلاء المرشحون على عدم الحديث عن التيار السياسي الذي يمثله تحسباً لرفض قطاع كبير من المحامين منح أصواتهم للمرشحين السياسيين باعتبار ان دور النقابة يعد مهنياً في المقام الأول وينحصر في خدمة ابناء المهنة وليس للعب دور سياسي ممنوح في الاصل للاحزاب والقوى السياسية التي ينتمون إليها مما جعل مرشحي التيارات السياسية يركزون على ما أسموه «كرامة المحامي» حسب لافتات سامح عاشور أبرز الرموز الناصرية في هذه الانتخابات، وايضاً رجائي عطية المرشح المدعوم من الحزب الوطني الحاكم والذي تدعمه جماعة الاخوان المسلمين المحظورة.

ورغم حرص مرشحي التيارات السياسية على عدم الكشف عن وجوههم السياسية وتركيز الدعاية الانتخابية واللقاءات الجماهيرية على النهوض بالمهنة وتوفير الضمانات الكافية لممارسة مهنة المحاماه إلا ان تاريخ نقابة المحامين يؤكد دورها البارز في العمل السياسي بدرجة تفوقت على دور الأحزاب في بعض فترات التاريخ المصري، فعندما انشئت النقابة عام 1912 كانت بدعوة من مؤسس حزب الوفد ووزير العدل وقتئذ سعد باشا زغلول وأفرزت أول انتخابات للنقابة أبرز رجال العمل السياسي من الوفديين مثل مكرم عبيد الأمين العام لحزب الوفد الذي ترأس النقابة ثلاث مرات في الثلاثينات.

ولعبت النقابة دوراً سياسياً بارزاً بعد قيام ثورة يوليو 1952 وأيدت الثورة ودعمت إلغاء الملكية وآثارها لكنها دخلت في صدام مع رجال الثورة عام 1954 وأصدرت بياناً شديد اللهجة رفضت فيه الحكم العسكري وطالبت بحكومة مدنية، وكان رد مجلس قيادة الثورة في 22 ديسمبر 1954 باصدار القانون رقم 709 الذي حل مجلس النقابة وعين لجنة مؤقتة تكونت من 17 شخصاً برئاسة عبد الرحمن الرافعي، لكن في عام 1966 انتخب المحامون احمد الخواجة لرئاسة مجلس النقابة ولعب المجلس وقتها دوراً سياسياً بارزاً في مسألة الصراع العربي الاسرائيلي كما تبنى العديد من القضايا القومية العربية.

ولم يكن المحامون في عهد الرئيس الراحل انور السادات اسعد حالاً من العهد السابق، ففي 5 يونيو (حزيران) 1971 تم حل مجلس النقابة لرفضها تأييد السادات في بعض القضايا السياسية وتعقبه لما اسماه «مراكز القوى» من الاشتراكيين، فأمر بإلقاء القبض على عدد من الاعضاء لكن بعد 3 اسابيع جرت انتخابات جديدة نتج عنها عودة معظم اعضاء المجلس «المنحل» وتم انتخاب مصطفى البرادعي نقيباً، كما تم حل مجلس النقابة مرة ثانية عام 1981 بعد معارضة النقابة الشديدة للمضي في اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر واسرائيل التي تم توقيعها عام 1979.

وفي العهد الحالي بدأت الأزمة الحقيقية لنقابة المحامين عام 1992 عندما رتبت جماعة الاخوان المسلمين المحظورة أجنحتها السياسية داخل النقابة لخوض انتخابات مجلس النقابة بشكل منظم وقوي وكانت النتيجة ان تم انتخاب 14 محامياً من الجماعة وبذلك اصبح لأول مرة أغلبية في مجلس النقابة التي تمت زيادة مقاعده وفقاً للقانون الجديد من 20 الى 24 عضواً، وفي عام 1993 صدر القانون 100 الذي اعتبره المحامون تدخلا صارخاً من الحكومة يهدد استقلال مهنة المحاماه.

وبدأت أزمة المحامين تتفاقم عندما اقام بعض المحامين في عام 1995 دعوى قضائية مستعجلة بفرض الحراسة على نقابة المحامين العامة بالقاهرة وبالفعل صدر حكم فرض الحراسة في 28 يناير (كانون الثاني) 1996 وتم تعيين كل من محمد حسن المهدي ومحمد سليم العوا واحمد الخواجة حراساً قضائيين تكون مهمتهم استلام الاموال الثابتة والمنقولة للنقابة وحساباتها وودائعها لدى البنوك كافة وانفاقها وفقاً لتعليمات ولوائح قانون المحاماه رقم 17 لسنة 1983 وفيما توفي احمد الخواجة وتنازل الدكتور محمد سليم العوا عن الحراسة فتم تعيين كل من احمد رضا الفتوري ومحمد صبري مبدي بدلا منهما.

وفي 15 مايو (ايار) 1997 الذي كان محددا من قبل محامي كافة التيارات السياسية لعقد الجمعية العمومية غير العادية بمقر النقابة إلا انهم فوجئوا باغلاق مبنى النقابة وتسليمه لرجال الأمن مما دعاهم للتوجه لمقر نقابة المحامين الفرعية بحضور 2700 محام برئاسة بشرى عصفور وكلية المجلس وعصام الاسلامبولي امين الجمعية واتخذت الجمعية عدة قرارات منها إلغاء فرض الحراسة القضائية على النقابة وادانة كل من شارك في فرض الحراسة وتشكيل لجنة مؤقتة من كبار المحامين للقيام على شؤون النقابة والاتصال باللجنة القضائية في اجراء الانتخابات، وتم تعيين الدكتور محمد عصفور رئيساً للجنة المؤقتة لكن الحكومة لم تلتزم بهذه القرارات وصدر حكم قضائي عام 1999 برفع الحراسة واجراء الانتخابات التي جرت السبت الماضي، وامام عدم اكتمال النصاب القانوني (50 في المائة) من المحامين المستقلين تقرر الاقتراع عليها اليوم السبت.