خبيران في القانون الاسكوتلندي: انتظار المقرحي لجلسات استئناف حكم لوكربي قد يطول

أحدهما شدد لـ «الشرق الأوسط» على عدم جواز احتكار الغربيين للحق في التعويض

TT

في اطار متابعاتها لتطورات قضية لوكربي، حاورت «الشرق الأوسط» اثنين من ابرز الخبراء الاسكوتلنديين اللذين يعتبران من اهم المراجع القانونية في العالم حول مداخلات المحاكمة والحكم وافاق المستقبل. وفيما اكد البروفسور روبرت بلاك واضع فكرة المحاكمة في هولندا، ان الحكم كان غريبا للغاية وجاء مخالفا لتوقعاته ببراءة عبد الباسط المقرحي والامين خليفة فحيمة، قالت كلير كونللي رئيسة وحدة لوكربي في جامعة جلاسكو التي تأسست في 1998، انها لم تفاجأ بالنتيجة، واشار الاكاديميان اللذان عملا في المحاماة، الى ان العملية القانونية كانت نظيفة لا تشوبها شائبة، ولفتت الى اننا قد ننتظر طويلا قبل ان تنظر محكمة الاستئناف الحكم الصادر في حق المقرحي. واعرب بلاك عن رأيه ان حق التعويض يجب الا ينحصر بضحايا لوكربي بل ينبغي ان يشمل من لحقت بهم الاضرار من جراء احداث اخرى. وسلط الضوء على الدروس المستخلصة من محاكمة لوكربي. مؤكدا ان نتائجها قد تطاول بعض الاسس التي استندت اليها العلاقات الدولية في النصف الثاني من القرن العشرين خصوصا لجهة شرعية الامم المتحدة ومكانتها القانونية. وتعليقا على الاتهامات، خاصة العربية، للقضاء الاسكوتلندي بأنه لم يكن نزيها، قال بلاك «ليس من السهل الرد بصورة مقنعة (...) خصوصا اني لم اتكهن ان جهات عربية قد تتخذ موقفا كهذا. فقد كنت اظن ان المحكمة ستبرئ المتهمين ما سيغضب المتشددين من عائلات الضحايا الاميركيين فيبدأون باطلاق مزاعم من هذا النوع. لكن الحكم فاجأني تماما كما تفاجئني بعض ردود الافعال العربية. لم افهم انا، وعدد من الزملاء الاميركيين ايضا، كيف وصلت المحكمة الى قرارها (...) ومع كل هذا يجب ان اؤكد ان القضاء الاسكوتلندي اثبت في كامب زايست انه يتمتع بالكفاءة العالية.

اعرف القضاة (بلاك محام من ارفع المراتب ـ مرتبة مستشار الملكة واشتغل قاضيا على امتداد 13 عاما) معرفة شخصية وكانوا في منتهى النزاهة، فقد سمحوا للدفاع بان يحاول دحض كل الادلة التي قدمها الادعاء واعطوا محاميي المقرحي وفحيمة، وقتا كافيا ووسائل كافية لتحضير انفسهم.

وخلافا لبلاك، فان الحكم لم يفاجئ كونولي التي عملت في ميدان المحاماة وتدرس القانون الجنائي في جامعة جلاسكو وتابعت المحاكمة عن كثب منذ لحظاتها الاولى. وقالت «اعتقدت ان النتيجة ستكون على هذا النحو، وان القضاة سيخلصون اليها بعد دراسة الادلة المعروضة عليهم والاستماع الى المرافعات المختلفة». وهي لا تختلف مع زميلها في ان القضاة الثلاثة قاموا بمحاكمة المتهمين في شكل يستحق الثناء. وذكرت ان «المحاكمة كانت عادلة وعلى مستوى رفيع من الناحية المهنية (...) لكنني افهم سبب الانتقادات. وعدم الارتياح لا يعود في الحقيقة الى سير المحاكمة وتفاصيلها القانونية بل الى التحقيقات التي سبقتها، وهذه مسألة منفصلة تماما ولا علاقة للقضاة الثلاثة بها. فالمحققون الذين طلبوا في العام 1991 من المتهمين المثول امام القضاء، هم المسؤولون عن التركيز على ليبيا وحدها ولم يتهموا دولا اخرى بالتورط في الحادثة. اما القضاة فقد نظروا الادلة التي عرضت امامهم وتوصلوا الى الحكم استنادا الى هذه الادلة وحدها من دون ان يتعرضوا للاعتبارات السياسية الاخرى».

والسبب الرئيسي لاساءة فهم بعض جوانب المحاكمة وعدم تقدير النتيجة التي انتهت اليها، يعود في رأي كونللي الى طبيعتها المعقدة للغاية «التي اعترف بها القضاة بكل الصدق». فعدا انها «لاول مرة في تاريخنا تعقد محكمة استكولندية خارج البلاد (...) ولا ننسى الابعاد الدولية للمحاكمة وعدد الضحايا الضخم وعدم قدرة المحكمة على اجبار كثير من المعنيين على الحضور للادلاء بشهاداتهم او الزام جهات اجنبية بتسليم وثائق لها علاقة بالقضية، مثلا رفض شاهدان مالطيان القدوم الى كامب زايست واختارا ان يقولا ما عندهما عبر الاقمار الصناعية (...) ثم كانت اللغات الاجنبية المستعملة متعددة ومجهولة لكثير ممن يراقبون القضية. وحتى حين استطعنا الاستماع الى ترجمات فورية لاقوال الشهود، كنا عاجزين عن تأمل نغمة صوت الشاهد وايقاع كلامه في لغته الاصلية، وهذان ضروريان للحكم على مدى التوتر والصدق الخ».

قد يظن المرء ان المحاكمة الفريدة لا بد ان تتمخص عن دروس عدة للقضاء الاسكوتلندي والعالمي. لكن ما يتكهن به المراقب العادي مختلف عما يعرفه المهنيون انفسهم، اذ نفى البروفسور بلاك ان يكون لكامب زايست اي اثر على المؤسسات او العمليات القضائية. وزاد «هذه محاكمة استئنائية جدا، ولن نتعلم منها اي درس يفيدنا في كيفية تسيير العمليات القانونية المتعلقة بالارهاب الدولي في قاعات المحاكم مستقبلا». غير ان المحاكمة شيء والقضية ذاتها شيء اخر. ولئن كان عمر الاولى قصيرا، فالثانية تنذر باحداث تغييرات جذرية في القانون الدولي، حسب البروفيسور بلاك الذي ينكب حاليا على «تعديل» كتابه عن القضية الذي كان مقررا ان يصدر هذه الايام لولا ان الحكم فاجأه. اذ اشار الى ان «قضية لوكربي فتحت الباب للمرة الاولى للتشكيك بمدى شرعية قرارات مجلس الامن التي كانت سابقا حصينة لا يقوى احد على اشهار معارضته القانونية لها. فحين تقدمت ليبيا بشكواها الى محكمة العدل الدولية قررت هذه في خطوة غير مسبوقة ان تنظر الشكوى (صحيح انها لم تصدر حكما حتى الان، لكنها لم ترفض ان تنظر الشكوى) وهكذا ضربت المحكمة عرض الحائط بقاعدة ثابتة وهي ان شرعية قرارات مجلس الامن الدولي ليست منزهة او فوق القضاء الدولي. وربما كانت هذه هي اهم نتائج لوكربي».

وماذا عن المستقبل وما يخبئه للمقرحي؟ قالت كونللي «سيبقى في كامب زايست حتى نهاية محاكمات الاستئناف. وقد يطول الزمن قبل ان تنتهي محاكمة الاستئناف، لان العثور على خمسة قضاة اسكوتلنديين (لينظروا القضية) لم تكن لهم اي علاقة بالقضية حتى الان، ليس امرا سهلا (...) لدينا عدد لا بأس به من القضاة الجيدين، لكن هناك ضغطا كبيرا عليهم. واعرف مثلا ان عديدين ينتظرون منذ اشهر او سنوات بدء محاكماتهم الاستئنافية، ولا اتصور تفضيل المقرحي عليهم وتسريع قضيته على حسابهم».

والمثول امام القضاة الخمسة هو نهاية عملية تستغرق حوالي 10 اسابيع، وتبدأ بعرض طلب الاستئناف على قاض واحد. فاذا رفض، تم عرضه مجددا على هيئة مؤلفة من ثلاثة قضاة لهم الحق في الرفض وطي صفحة القضية نهائيا. اما اذا وافق القاضي الاول ـ وهذا احتمال يرجحه البروفسور بلاك، خصوصا لوجود مراقبين دوليين ـ او القضاة الثلاثة، تبدأ الاستعدادات على الفور لعقد محكمة الاستئناف المؤلفة من خمسة قضاة لقول الكلمة الفاصلة في نهاية المرافعات.

وهل يحق للهيئات الرسمية البريطانية والاميركية، فضلا عن ذوي الضحايا، ان يلحوا على ضرورة دفع ليبيا تعويضات مادية باهظة فيما لم يبد احد ادنى اهتمام بالتعويضات التي يستحقها ذوو الضحايا الابرياء العرب الذين قضوا برصاص او قذائف غربية في اكثر من مناسبة؟ مثلا ماذا عن استحقاقات المدنيين الذين قال ضابط الاستخبارات البريطانية السابق ديفيد شايلر ان عددا منهم قتل في اثناء محاولة الاغتيال الفاشلة التي دبرتها اجهزة امنية بريطانية ضد العقيد معمر القذافي؟ قال بلاك: «ينبغي ان تتسع الدائرة وان يعامل ضحايا الارهاب ايا كانت جنسيتهم على قدم المساواة، من حيث التعويضات المادية والحقوق القانونية».