لا يوجد سقف زمني لوجود القوات السورية في لبنان إذ لم يأت الطائف على كلمة «خروج»

قراءة سورية لردود الفعل اللبنانية على حديث الأسد لـ (1-2)

TT

أثار الحديث الذي أدلى به الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد إلى «الشرق الأوسط» ردود فعل واسعة لدى عدد كبير من المسؤولين والقياديين والسياسيين والمحللين والكتّاب ومختلف الأحزاب والتيارات في لبنان. وقد تفاوتت التعليقات على ما جاء في الحديث، خصوصاً في موضوع العلاقات اللبنانية السورية، بين مرحب ومثن ومتحفظ ومنتقد ومعترض. وثمة من حمل عليه بعنف وصل إلى حد المطالبة بتدخل الأمم المتحدة والدول الكبرى لثني الرئيس السوري عن بعض طروحاته التي تتعلق باتفاق الطائف.

«الشرق الأوسط» رصدت أبرز ما جاء في هذه التعليقات وحملتها إلى أكثر من مسؤول ومحلل سياسي سوري للوقوف على آرائهم والاستماع إلى توضيحاتهم. وفيما يلي القسم الأول من الردود السورية على الأسئلة التي تم طرحها والتي تركزت بمجملها حول اتفاق الطائف لما استأثر به هذا الموضوع من اهتمام لدى غالبية الذين تناولوا حديث الرئيس الأسد.

اعتبر البعض رؤية الرئيس الأسد لاتفاق الطائف مختلفة عن المفهوم اللبناني لهذا الاتفاق لجهة ربطه الوجود السوري بالسلم الأهلي وبموضوع الحرب والسلام مع إسرائيل فيما وثيقة الطائف نصت على إعادة تمركز القوات السورية بعد سنتين من إقراره.. بداية.. ما هو التفسير السوري لمفهوم السلم الأهلي وما الفرق بينه وبين الوفاق الوطني؟

عن هذا السؤال أجاب مصدر سوري مطلع قائلاً:

كانت المهمة الأساسية للجيش السوري عندما دخل إلى لبنان إعادة السلم الأهلي ومن ثم الحفاظ عليه وهذه مهمة القوات السورية التي تؤديها حتى اليوم. اتفاق الطائف فرض طريقة حفظ السلم الأهلي فتم توحيد بيروت وجمع سلاح الميليشيات اللبنانية وبناء الجيش اللبناني بعد ذلك الاتفاق وهذا ما أتاح حفظ السلم الأهلي. هناك من يقول اليوم أن مهمة القوات السورية انتهت ولم تعد لها أي وظيفة لأن السلم الأهلي تحقق. وفي المقابل هناك من يخالف هذا الرأي ويقول ان هذه الوظيفة موجودة لكنها غير منظورة من منطلق أن السلم الأهلي حاصل لأنه مفروض. ويتساءل هؤلاء: هل هناك من يستطيع ضمان بقاء الأمور على ما هي عليه في حال خرج السوريون خصوصاً في ظل الأوضاع الداخلية والخارجية السائدة؟ ويستطرد المصدر السوري المطلع قائلاً: السلم الأهلي لا يتحقق فعلاً إلا من خلال الوفاق الوطني، وهذا الأخير ليس من مهام القوات السورية بل يقع على عاتق اللبنانيين، فيما سورية تتولى الدعم السياسي له. يقول المعارضون إن الوفاق الوطني يتحقق من خلال تشكيل حكومة وفاق وطني وهذا ليس صحيحاً تماماً.. فلو كان الوفاق الوطني موجوداً لما كان هناك داع للحديث وللمطالبة بتشكيل حكومة وفاق وطني. ففي سورية، ولأن الوفاق الوطني في أقوى حالاته، لا يوجد تحديد ضمن الحكومة أو القيادة القطرية لأعداد الوزراء أو أعضاء القيادة الذين عليهم أن يكونوا من هذه الطائفة أو تلك أو من هذه المنطقة وغيرها. وهناك تفاوت في التمثيل في كل حكومة جديدة حتى في القيادة لأن الوفاق الوطني يتم من خلال المجتمع كله وليس من خلال الحكومة فقط.

ولا بد من التذكير أخيراً بأن الرئيس الأسد لم يقدم في حديثه لـ«الشرق الأوسط» تقييماً لحالة السلم الأهلي إذ أن هذا شأن لبناني. وسورية تقيم هذا الوضع من خلال تقييم اللبنانيين الذي يحدد ما إذا كان السلم الأهلي قد تحقق فعلاً أم لا. كما تجدر الإشارة إلى أن هناك فريقاً من اللبنانيين، خصوصاً بين الزعامات المارونية، لا يزال يعطي تقييماً سلبياً لحالة السلم الأهلي في لبنان حيث يعتبر أن السلم الأهلي لم يتحقق في لبنان حتى الآن.

وعن الربط بين اتفاق الطائف والوجود السوري والقول بأن إعادة تمركز القوات السورية بقيت حبراً على ورق، هذا الاتفاق الذي أقر بتاريخ 22/10/1989 وصدقه مجلس النواب اللبناني بتاريخ 5/11/1989 قال المصدر السوري المطلع:

بالنسبة لاتفاق الطائف.. من المؤكد أن المطالبين بإعادة تمركز القوات السورية لم يقرأوا اتفاق الطائف جيداً. فإعادة التمركز أتت ضمن القسم المخصص لبسط سيادة الدولة اللبنانية التي لا تكتمل إلا بعدد من الشروط منها جمع السلاح من الميليشيات غير اللبنانية وكذلك عودة المهجرين. وهذا كله لم يحصل حتى اليوم. كما أن تحديد إعادة التمركز بعد سنتين من تشكيل حكومة الوفاق الوطني وإقرار الإصلاحات السياسية دستورياً جاء بناء على تقدير واضعي النص الذين اعتبروا أن هذه المدة كافية لكي تنشأ حكومة الوفاق الوطني وتستقر ويجري العمل بالإصلاحات السياسية من جهة ويتم جمع السلاح غير اللبناني وعودة المهجرين من جهة أخرى. لكن تبين فيما بعد أن هذه المدة لم تعد كافية لأن أياً من هذه النقاط لم يكتمل تنفيذه حتى الآن.

وعن تفسيره لإقرار بعض المعترضين على الوجود السوري في لبنان مواربة بعدم تحقق الشروط التي وضعها اتفاق الطائف لتنفيذ إعادة التمركز وتحميلهم السوريين قسطاً من المسؤولية في ذلك إضافة إلى اعتبار فريق منهم أن دور سورية في تحقيق الوفاق الوطني ودورها كوسيط انهار بفعل وجود جيشها والدور الذي لعبه أثناء الحرب وتدخل بعض أجهزتها في السياسة الداخلية، كرر المصدر السوري المطلع ما قاله سابقاً من أن سورية تستطيع فرض السلم الأهلي ولكنها لا تستطيع فرض الوفاق الوطني الذي هو من مهام اللبنانيين. ولفت إلى أن سورية هي التي حفظت وتحفظ التوازن اللبناني مما يعني أن تحقيق الإجماع عليها وعلى دورها يتطلب حساً وطنياً راقياً لا حساً طائفياً وبالتالي فإن الانقسام على الدور السوري هو انقسام بين أشخاص يدعون للوطن وأشخاص يدعون للطائفية.

من جهته تناول محلل سياسي سوري بالعرض والتحليل والتوثيق ما أثير من نقاط وطرح من تساؤلات حول اتفاق الطائف وموقف الرئيس الأسد منه فقال:

كثيراً ما تتم قراءة اتفاق الطائف بصورة مجتزأة عبر التركيز على القسم المتعلق بموضوع إعادة تمركز الجيش السوري في لبنان من دون النظر إلى الأقسام الأخرى.. فبالعودة إلى اتفاق الطائف نجد أن الفقرة التي تناولت موضوع إعادة تمركز الجيش السوري جاءت ضمن القسم الثاني من الاتفاق المخصص لبسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية ونصت على ما يلي:

«وحيث أن هدف الدولة اللبنانية هو بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية المتمثلة بالدرجة الأولى بقوى الأمن الداخلي. ومن واقع العلاقات الأخوية التي تربط سورية بلبنان، تقوم القوات السورية مشكورة بمساعدة قوات الشرعية اللبنانية لبسط سلطة الدولة اللبنانية في فترة زمنية محددة أقصاها سنتان تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية. وفي نهاية هذه الفترة تقرر الحكومتان، الحكومة السورية وحكومة الوفاق الوطني اللبنانية إعادة تمركز القوات السورية في منطقة البقاع ومدخل البقاع الغربي في ضهر البيدر حتى خط حمانا المديرج عين دارة، وإذا دعت الضرورة في نقاط أخرى يتم تحديدها بواسطة لجنة عسكرية لبنانية سورية مشتركة. كما يتم الاتفاق بين الحكومتين يجري بموجبه تحديد حجم ومدة تواجد القوات السورية في المناطق المذكورة أعلاه وتحديد علاقة هذه القوات مع سلطات الدولة اللبنانية في أماكن تواجدها. واللجنة الثلاثية العربية العليا مستعدة لمساعدة الدولتين في الوصول إلى هذا الاتفاق إذا رغبتا في ذلك».

ويخلص المحلل السياسي السوري من هذه القراءة ليقول: يبين هذا النص أن دور القوات السورية خلال السنتين التاليتين لتشكيل حكومة الوفاق الوطني وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية ارتبط ببسط سيادة الدولة اللبنانية على الأراضي اللبنانية وشروط تلك السيادة. أي أن وجود الجيش السوري ارتبط بتشكيل حكومة الوفاق الوطني أولاً واستمرارها في عملها المعبر عن تسميتها لمدة سنتين على الأقل وكذلك إقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية ثم العمل بها لمدة سنتين على الأقل. كما أعطى مدة السنتين أيضاً لبسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هناك حكومة وفاق وطني في لبنان؟ وهل يتم العمل بالإصلاحات السياسية؟ وهل تم بسط سيادة الدولة على الأراضي اللبنانية؟ للحصول على إجابة متأنية لابد من التوقف عند هذه النقاط بالتفصيل:

لنتوقف أولاً عند السلم الأهلي الذي شكل تحقيقه المهمة الأساسية للجيش السوري لدى دخوله إلى لبنان عام 1976 أي قبل اتفاق الطائف بثلاث عشرة سنة. يشكل حفظ السلم الأهلي المرحلة الأولى على مسار تحقيق الوفاق الوطني.. بعض اللبنانيين يقول حتى اليوم ان هذا السلم الأهلي لم يتحقق حتى الآن. أذكر من هؤلاء مثلاً رئيس الرابطة المارونية حارث شهاب الذي أكد ذلك في مقالة نشرت في صحيفة المستقبل في 13/2/2001 ثم كرر مقولته تلك في لقاء له بعد يومين مع محطة LBCI. والمفارقة أن هذا «البعض» الذي يطالب بإعادة تمركز الجيش السوري يؤكد في الوقت نفسه أن المهمة الأصلية التي دخل الجيش السوري من أجلها إلى لبنان لم تكتمل بعد.

لنأت الآن إلى حكومة الوفاق الوطني.. هناك من يقول ان حكومة الوفاق الوطني موجودة اليوم كما أن هناك من يعتبرها غير موجودة ومما يثير العجب هنا أن المطالبين بإعادة تمركز الجيش السوري هم القائلون بأن حكومة الوفاق الوطني غير موجودة وفي ذلك تناقض واضح مع اتفاق الطائف إذ أن إعادة التمركز مرهونة بتحقيق حكومة الوفاق الوطني إضافة إلى شروط أخرى، وفي الواقع فإن اعتبار البعض أن حكومة الوفاق الوطني غير موجودة مرده إلى أن قسماً من اللبنانيين آثر مقاطعة «دولة الطائف» فأخطأ بذلك خطأ استراتيجياً وها هو اليوم يأتي مطالباً بضرورة تشكيل مثل هذه الحكومة التي يرى أنه يجب أن يمثل فيها مباشرة، متجاهلاً أن تحقيق هذا الأمر يتطلب الإقبال على حالة وفاق وطني تسود في المجتمع ككل تتحقق عبر قبول هذا القسم من اللبنانيين باتفاق الطائف، مما يستدعي الاعتراف والمشاركة في مؤسسات الدولة القائمة ووقف مقاطعته للانتخابات النيابية القادمة، مفتتحاً ذلك بالإعلان عن قبوله بمن يمثلون طائفته في الحكومة الموجودة اليوم كخطوة أولى على طريق تحقيق الوفاق الوطني. وهذا يعني مثلاً أن يقبل الموارنة اليوم بأن ممثليهم في الحكومة يمثلونهم فعلاً حتى تكون الحكومة حكومة وفاق وطني وذلك على طريق تحقيق وفاق المجتمع اللبناني ككل وكلنا أمل أن يتحقق هذا في أقرب وقت.

وعن الإصلاحات السياسية وعلاقتها بإعادة تمركز القوات السورية أوضح المحلل السياسي السوري أن الإصلاحات السياسية واردة في نص اتفاق الطائف ضمن القسم الأول الذي خصص للمبادئ العامة والإصلاحات، وفي البند الثاني منه حيث نقرأ منه الفقرات التالية:

2 ـ الإصلاحات السياسية: الفقرة أ ـ مجلس النواب:

البند 4 ـ الدائرة الانتخابية هي المحافظة.

الفقرة ز ـ إلغاء الطائفية السياسية: إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، وعلى مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق هذا الهدف. وتشكل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.

ويتم في المرحلة الانتقالية:

أ ـ إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة والمصالح المستقلة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين من دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة.

ب ـ إلغاء ذكر المذهب والطائفة في بطاقة الهوية».

ويؤكد المحلل السوري هنا أن كل ما ورد لم يجر تحقيقه حتى الساعة. أي أن الإصلاحات السياسية بقيت في حدود إقرارها دستورياً دون أي متابعة لاحقة. أما بسط سيادة الدولة فقد جاء في القسم الثاني من وثيقة الطائف تحت عنوان: بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية ما نصه:

«بما أنه تم الاتفاق بين الأطراف اللبنانية على قيام الدولة القوية القادرة المبنية على أساس الوفاق الوطني، تقوم حكومة الوفاق الوطني بوضع خطة أمنية مفصلة مدتها سنة، هدفها بسط سلطة الدولة اللبنانية تدريجياً على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية» وتتم خطوطها العريضة بالآتي:

الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية».

ويشير المحلل السياسي السوري هنا إلى أهمية هذا الجانب الذي ورد في اتفاق الطائف لما له من علاقة مباشرة بمسيرة السلام والوضع في المنطقة فيقول :ارتبط وجود القوات السورية حسب اتفاق الطائف إذاً ببسط سيادة الدولة اللبنانية والملاحظ هنا أن هذا لم يتم فالميليشيات غير اللبنانية والمعني بها القوى الفلسطينية لم تسلم أسلحتها حتى اليوم رغم إعطائها مدة ستة أشهر لتنفيذ ذلك تبدأ فور التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية وهي الظروف نفسها التي، كما رأينا، ارتبطت بموعد بدء فترة السنتين المحددة لإعادة تمركز القوات السورية، فيما أعطيت مسألة حل الميليشيات وتسليم أسلحتها مدة 6 أشهر فقط. ويبدو واضحاً أن مدة السنتين كانت في نظر واضعي الوثيقة كافية لبسط سيادة الدولة وهذا لم يتم حتى اليوم إذ لم يجر حتى الآن سحب أسلحة القوى غير اللبنانية المفترض تنفيذه قبل سنة وستة أشهر من الموعد المقرر لإعادة تمركز القوات السورية. هذا بالإضافة إلى عدم تنفيذ الإصلاحات السياسية التي أشرنا إليها سابقاً.

ويستعرض المحلل أحد شروط استكمال بسط السيادة وهو «حل مشكلة المهجرين اللبنانيين جذرياً» ليتساءل: هل تم حل مشكلة المهجرين التي لم تستكمل حتى اليوم رغم أن وثيقة الوفاق الوطني قد نصت على أن حل هذه المشكلة هو شرط من شروط بسط سيادة الدولة اللبنانية وذلك وفق ما أوردته الوثيقة إذ نصت في البند رقم 4 ضمن القسم المتعلق بـ «بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية» على ما يلي:

حل مشكلة المهجرين اللبنانيين جذرياً وإقرار حق كل مهجر لبناني منذ العام 1975م بالعودة إلى المكان الذي هجر منه ووضع التشريعات التي تكفل هذا الحق وتأمين الوسائل الكفيلة بإعادة التعمير».

ويخلص المحلل من هذا العرض ليقول: إن بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية لم يتم حتى اليوم وخاصة في نقطة عدم جمع السلاح الفلسطيني وحل مسألة المهجرين. إضافة إلى أن بدء فترة السنتين ارتبط بإنجاز إقرار الإصلاحات السياسية وخاصة منها ما يرتبط بالسير على طريق إلغاء الطائفية السياسية بحيث يبدأ تنفيذ ذلك متوازياً مع فترة السنتين التي افترض واضعو الوثيقة أنها كافية لتنفيذ كل ما سبق ذكره، بينما ظهر أن بسط السيادة لم يكتمل كما أنه لم يتم البدء بأي خطوات للوصول إلى إلغاء الطائفية السياسية مما يعني أن فترة السنتين لم تعد سارية.

وعن الربط بين إعادة التمركز وبين الحرب والسلام مع إسرائيل يقول المحلل السياسي السوري: هناك نقطتان جديرتان بالتوقف عندهما في إطار الإجابة على هذا السؤال.. النقطة الأولى تتعلق بجمع السلاح الفلسطيني: إن عدم جمع السلاح الفلسطيني حسبما ورد في اتفاق الطائف، والذي يعد إتمامه شرطاً من شروط بسط السيادة، إضافة إلى ارتباط إعادة تمركز الجيش السوري بتنفيذه، أديا، وفي ظل تعذر تنفيذ هذا الشرط بمعزل عن اتفاقية سلام عادلة وشاملة تضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، إلى ربط اتفاق الطائف وإعادة تمركز الجيش السوري بالصراع العربي الإسرائيلي. فالوجود الفلسطيني في لبنان ورفض التوطين، لما له من أبعاد تمس التوازن اللبناني السكاني ولضرورة التمسك بحق العودة إلى فلسطين، محكومان بعملية السلام . كل هذا ربط إعادة تمركز الجيش السوري بحل مسألة التوطين وبالتالي بمعاهدة السلام وذلك بالإضافة إلى تلازم المسارين السوري واللبناني وإلى جميع المتغيرات الإقليمية التي طرأت بعد اتفاق الطائف كحرب الخليج.

وقال المحلل السوري : هنا تأتي النقطة الثانية التي توثق الارتباط بين الوجود السوري وعملية السلام أولاً ثم تحققه مع الفترة التالية لإتمامها ثانياً فيما يمكن تسميته بالوجود الاستراتيجي. فبالعودة إلى اتفاق الطائف وفي القسم الرابع منه تحت عنوان «العلاقات اللبنانية السورية» نجد ما يلي: لأن تثبيت قواعد الأمن يوفر المناخ المطلوب لتنمية هذه الروابط المتميزة فإنه يقتضي عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سورية وسورية لأمن لبنان في أي حال من الأحوال. وعليه فإن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سورية، وإن سورية الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق أبنائه لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته. ويتوقف المحلل السياسي السوري هنا عند التمييز بين دور كل من لبنان وسورية ليقول: لبنان، حسب الطائف، لا يسمح أن يكون مقراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة تمس بأمنه أو أمن سورية بينما على سورية أن لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته.. فكيف يتم تنفيذ هذا..؟ وأي دولة يمكن أن تضر بأمن سورية عبر المرور أو الاستقرار في لبنان؟ إنها إسرائيل طبعاً. وإسرائيل لا تزال تهدد يومياً بضرب لبنان وسورية ولا بد من التذكير هنا بأنها عندما اجتاحت لبنان في العام 1982 سعت للوصول إلى الوسط السوري عبر لبنان للالتفاف على دمشق وحصرها بين فكي كماشة. ومن هنا يأتي دور الجيش السوري بالتعاون مع الجيش اللبناني لمنع إسرائيل من تهديد أمن لبنان وجعله ممراً إلى سورية. اتفاق الطائف أوضح أن عملية إعادة التمركز تتم بعد تحقيق الشروط المذكورة سابقاً والمتعلقة بالوفاق والإصلاحات والسيادة، والتي رأينا أنها مرتبطة أصلاً بالتوصل إلى معاهدة سلام، حيث يتم تحديد مواقع جديدة للقوات السورية يربط حجمها ومدتها بالضرورات العسكرية للدولتين كما ورد في اتفاق الطائف الذي نص على أن تتمركز القوات: «في منطقة البقاع ومدخل البقاع الغربي في ضهر البيدر حتى خط حمانا المديرج عين دارة، وإذا دعت الضرورة في نقاط أخرى يتم تحديدها بواسطة لجنة عسكرية لبنانية سورية مشتركة. كما يتم اتفاق بين الحكومتين يجري بموجه تحديد حجم ومدة تواجد القوات السورية في المناطق المذكورة أعلاه وتحديد علاقة هذه القوات مع سلطات الدولة اللبنانية في أماكن تواجدها».

هذا هو الوجود الاستراتيجي المتجسد بتعاضد الدولتين وتلازم مساريهما أمام عدو قوي مشترك يهددهما يومياً قبل إتمام عملية السلام ويستمر بعدها إذ من يضمن أن لا يكون ذلك السلام سلاماً على الورق ومن يضمن أن إسرائيل ستلتزم بالسلام؟ لا أعتقد أن هناك لبنانياً يقتنع بضمانات إسرائيل.

ويخلص المحلل هنا إلى القول: بالنتيجة..لا يوجد سقف زمني لوجود القوات العربية السورية في لبنان إذ لم يأت الطائف على ذكر كلمة «خروج» الجيش السوري بل تحدث عن «إعادة التمركز» بما يعني أن هذا الوجود مرتبط في الواقع بحالة صحيحة وصحية حددها الطائف. وهذا يؤكد أنه لا يجوز النظر إلى الطائف عبر سطر واحد فيه وإغفال الأسطر الأخرى. ولاشك أن إعادة التمركز التي ترتبط بعملية السلام كما رأينا سترتبط بالتوصل إلى اتفاقية سلام ووضعها على المحك إن تمت لمدة كافية لذلك حسبما ترى الدولتان. وعندما ترى الدولتان أن وضع السلام أصبح مستقراً وأن متطلبات وجود الجيش السوري قد انتهت، تعود القوات السورية إلى سورية. أما الادعاء بأن في هذا مكسباً للجيش السوري يؤمن له شرعية جديدة تجعل وجوده دائماً فهذا غير صحيح على الإطلاق.. فالرئيس الأسد قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» رداً على سؤال حول ما يعنيه بأن الوجود السوري مؤقت: «دخلت القوات السورية لمساعدة لبنان.. وعندما تنتهي متطلبات وجود هذه القوات في لبنان تعود إلى سورية». وهذه النقطة لم يتوقف أحد عندها فهي تحمل تأكيد خروج الجيش السوري عندما تنتهي متطلبات وجوده. ويتابع المحلل السياسي السوري كلامه فيقول: لقد دخل الجيش السوري من أجل حفظ السلم الأهلي في لبنان أما استمرار وجوده فقد أصبح محكوماً بتنفيذ اتفاق الطائف في مجمله مما يعني أن وظيفته لم تعد حفظ السلم الأهلي فقط بعد أن ارتبط وجوده بظروف أخرى وصفها اتفاق الطائف، مشكلاً بذلك واقعاً مختلفاً عن واقع دخول الجيش السوري. ونحن هنا في كل ما ورد في هذا التحليل لاتفاق الطائف استندنا إلى نصوص ذلك الاتفاق حرفياً مبينين رؤيتنا لظروف تنفيذ إعادة التمركز حسب الاتفاق المذكور وكما نراها اليوم دون الارتباط بظروف دخول الجيش السوري إلى لبنان فقط، لأن كل محلل سياسي لا بد له أن يدرك أن الواقع ليس بالواقع الجامد.. فظروف الوجود تتغير عندما تتغير المعطيات التي تتغير بدورها بتغير الواقع.

وحول اتهام البعض لسورية بأن دخولها إلى لبنان تم «من دون استئذان أحد» مستندين في ذلك إلى ما قاله الرئيس الراحل حافظ الأسد في خطابه الشهير في 21 يوليو (تموز) 1976 خاصة أن هناك من يعتبر هذا الخطاب الوثيقة الوحيدة الموجودة حول الدخول السوري إلى لبنان أوضح المحلل السياسي السوري قائلاً:

من المؤسف جداً أن تصل المغالطة إلى هذه الدرجة ومن بعض من كانوا على حافة الانهيار وأنقذهم دخول الجيش السوري.. ولا بد من أن نؤكد هنا أن لدى سورية وثائق مكتوبة مقدمة من الرئيس سليمان فرنجية وغيره من القيادات اللبنانية تطلب دخول القوات السورية إلى لبنان كما أن هناك محاضر جلسات مكتوبة ومسجلة صوتاً للمطالبات الملحة. الرئيس حافظ الأسد في خطابه في 21 تمور 1976 قال بأنه لم يستأذن أحداً وذلك عندما استجاب للمناشدة اللبنانية لإنقاذ من كانوا على حافة الانهيار وهو كان يعني هنا طبعاً الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ودولاً أخرى كانت معارضة. وهو التزاماً بواجبه القومي قام بذلك بينما استئذان اللبنانيين لم يكن وارداً فهمه مما قاله لأنه كان يستجيب للمناشدات والرجاء الملحين وهذا كله مسجل وموثق حتى في الصحافة اللبنانية. ويكفي هنا العودة إلى الوثائق التي نشرت مثلاً في صحيفة «النهار» تاريخ 23/7/1976 كالبرقية التي نشرت بعد يومين من خطاب الرئيس الراحل حافظ الأسد والتي قال فيها رئيس حزب الكتائب آنذاك الشيخ بيار الجميل مخاطباً الرئيس السوري: «لقد انتهجتم يا سيادة الرئيس نهجاً رسولياً في نصرة الحق والحرية وحماية الأبرياء في لبنان»، كما يقول بعد تذكيره بمليون لبناني يحظون برعاية السلطات السورية لدى انتقالهم إلى سورية بسبب الأوضاع في لبنان: «إن لبنان الجريح.. يقدر لسورية الشقيقة بقيادتكم الحكيمة والبطلة المبادرات والمواقف الرائدة والحاسمة من أجل استعادة حقوقه كاملة في السيادة والأمن والحرية والكرامة والمستقبل»، كما يمكن العودة إلى خطاب الرئيس الراحل كميل شمعون وزير الخارجية اللبناني في حينه إلى مؤتمر كولومبو في 19/8/1976 عندما قال: «أيا كان المستند القانوني لدخول القوات السورية إلى لبنان في الأول من يونيو (حزيران) الفائت فإن أمر البت في صلاحه وفي جواز أو عدم جواز الوجود السوري يعود الحق فيه إلى السلطات الشرعية اللبنانية دون سواها»، وهنا إشارة واضحة إلى وجود مستند قانوني لدخول القوات السورية، كما تمكن الإشارة إلى كلمة الرئيس الراحل سليمان فرنجية في نهاية ولايته المنشورة في صحيفة «النهار» بتاريخ 20/9/1976 حين بين أن دخول سورية كان لوقف قتال موجود أصلاً وتحدث عن الوساطة السورية والمبادرة السورية. ولفهم ما عناه يمكن العودة إلى محاضر الجلسات التي انعقدت بين الرئيس الراحل حافظ الأسد وشخصيات لبنانية ومنهم الشيخ بيار الجميل في 6/12/1975 أي قبل الدخول السوري بستة أشهر عندما ورد فيها أن الشيخ بيار قال للرئيس الأسد: «بدنا إياكم تخلصونا بقى يا سيادة الرئيس» و«نحن اتكالنا عليكم أكثر من كل العالم» و«أنت رسول، وأنا عم بحكي مع ها الرسول تنخلِّص هالبلد». و«منشان الله خلصنا». وأخيراً ما قاله السيد لوسيان دحداح موفد الرئيس فرنجية ودائماً حسب محاضر الجلسات التي يمكن نشرها كاملة «:نحن بالنهاية دولة بلا جيش، بدنا جيش، يعني بكل بساطة بدنا تعيرونا جيش» وقد قال هذا بحضور السادة داني شمعون وجوزيف مغبغب والشيخ بشير الجميل وكريم بقرادوني، كما يمكن الإشارة إلى ما قاله الرئيس الياس الهراوي، وقد كان نائباً آنذاك، أثناء لقاء الرئيس الأسد مع كتلة من نواب زحلة والبقاع بتاريخ 27/4/1976: «بدنا يد حديدية مش متوفرة اليوم عندنا في لبنان، ولهذا السبب نعتمد على الشقيقة سورية لأنه ما عندنا شيء من معاني الدولة في الواقع». ومن ذلك ما قاله رئيس حزب الكتائب الراحل جورج سعادة بحضور بقرادوني في 17/3/1976: «يجب التحرك بسرعة والحسم، الشيخ بيار قال لي كلمة واحدة: بتقول للرئيس الأسد إنو العملية عملية إنقاذ وضرورية ونحن نقول: أنقذوا لبنان». والأمثلة كثيرة ويمكن نشرها كاملة إذا لزم الأمر ومنها ما أورده كريم بقرادوني في كتابه Le Piege بالفرنسية ويمكن العودة إليه في الصفحة 176.

(يتبع)