مأمون الهضيبي لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات المحامين أثبتت أن «الإخوان» واقع لا يمكن تجاهله

TT

دعت جماعة الاخوان المسلمين المحظورة سياسياً الحكومة المصرية مجدداً الى فتح قناة حوار سياسية وليست أمنية معها في أعقاب سيطرة الاخوان على غالبية المقاعد داخل مجلس نقابة المحامين المصريين في الانتخابات التي جرت أخيراً.

واعتبر مأمون الهضيبي الناطق الرسمي باسم الجماعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الانتخابات هي ثاني رسالة مباشرة من نوعها يوجهها المجتمع المصري لحكومته بخطأ محاولة تجاهل وجود الاخوان المسلمين كقوة سياسية مؤثرة ولها نفوذها الواضح.

وفيما أثنى الهضيبي على عدم تدخل الحكومة في انتخابات نقابة المحامين فانه نفى لـ«الشرق الأوسط» ما تردد حول وجود صفقة غير معلنة بين الاخوان المسلمين والحكومة.

وفي ما يلي نص الحوار:

* ما هو تقييمك لنتائج الانتخابات التي اكتسحها الاخوان في نقابة المحامين أخيراً؟

ـ الذي فاز حقاً هو مصر لأن الناس مشتاقة من فترة طويلة لاجراء انتخابات لها قيمة ولا يطعن فيها، وترتاح الناس للاجراءات التي تمت بشأنها وترضى عنها ويستقر في نفوسها ان النتيجة معبرة عن ارادة الناخبين.

ومصر حري بها ومن حقها وهي دولة ذات أعراق قديمة أن يتم احترام الانتخابات فيها، ونقابة المحامين من أعرق النقابات المهنية في مصر وأكثرها نشاطاً والتصاقاً بالحياة السياسية.

والجميع أقر بأن الانتخابات تمت في حيدة ونزاهة ولم نسمع صوتاً واحداً يطعن فيها، وكل من شارك فيها سواء من رجال الأمن أو المشرفين عليها أو المحامين الناخبين أنفسهم كانوا على المستوى الرفيع المتوقع منهم، كما لم تحدث حادثة واحدة تعكر صفو الانتخابات.

* ولكن البعض يزعم أن ما تم هو صفقة سياسية غير معلنة بين الحكومة والاخوان، ما ردك على هؤلاء؟

- لقد سمعت مثلك هذه المزاعم وأنا مستغرب للغاية من ترديدها، ولعلك تعلم أن جميع المحامين الذين شاركوا في الانتخابات على مستوى القطر بلغوا نحو أربعة وأربعين ألف محام. إذن كيف يمكن حدوث صفقة بين الاخوان وكل هذا العدد في انتخابات علنية ومعروفة.

يحمد للاخوان أنهم انتهجوا سياسة ليس فيها استفزاز، وقطعاً عدت على ذلك الانتخابات التي جرت بهذه الصورة الحضارية الصحيحة.

والطريقة التي خاض بها الاخوان الانتخابات كانت ايجابية وغير مستفزة لأحد ولم تعط الفرصة لأن يشعر البعض بأننا نريد شيئاً غير عادي من المشاركة في هذه الانتخابات.

* هل يعني عدم تدخل الحكومة في الانتخابات أنها تريد فتح صفحة جديدة مع الاخوان؟

ـ أعتقد أنه من الأفضل أن توجه هذا السؤال للمسؤولين في الحكومة، ولكنني أتمنى أن تفتح الحكومة صفحة جديدة ومماثلة في كل الانتخابات ومع جميع التيارات السياسية وليس الاخوان فقط، وأن يكون هذا هو سلوكها الأساسي والعقد المبرم بينها وبين الشعب وأن تتوافر للانتخابات كل عوامل الصحة والنزاهة.

مصر أولى من غيرها من دول كثيرة في أن يتم فيها احترام ارادة الناخبين، ولا يمكن للبلد أن يتقدم ما لم يستقر هذا المبدأ وأن تكون الكلمة للناخبين، وهذا وحده فقط هو السبيل لتحريك المجتمع وتقوية الانتماء وجعل الناس يشعرون بأن لهم شأناً في وطنهم.

والقائمة التي تقدم بها الاخوان كانت عاقلة، فالاخوان لم يحاولوا الحصول على السيطرة أو الأغلبية ولكن ارتضوا من بداية الأمر العمل على وجود مجلس نقابة قومي، وهذا ما تم.

* هل يمكن اعتبار وجود مرشح للحزب الوطني الحاكم وآخرين عن حزبي العمل والوفد وأحد الأقباط ضمن قائمة الاخوان بمثابة تكتيك جديد اتبعه الاخوان في هذه الانتخابات؟

ـ ما هو المقصود بالتكتيك، ان هذه الكلمة يتم استخدامها أحياناً على أنها انتهازية أو نوع من التسلق أو مخادعة الناس، وهذا غير صحيح.

وكما تعلم فالمؤمن كيس فطن والمصلحة العامة يجب أن تكون هي الهدف الأساسي الذي يضعه كل مشتغل بالأمر العام أمام عينيه، فإذا الاخوان رأوا أن الظروف في الدولة وأحوال المجتمع تدعو الى وجود نوع من التكامل بين مختلف الاتجاهات، فلا أعتقد أن هذه تصبح ـ كما قال البعض ـ انتهازية وغيرها من الألفاظ التي ما كنا نرجو سماعها.

المهم هو اجراء انتخابات نزيهة وبحرية كاملة وألا يكون فيها أي مجال للطعن، أما التحالفات فهي أمور ضرورية وتحدث في كل مكان من العالم حولنا ولا يمكن أن تخرج عن نطاق أي انتخابات. وحتى هذه الفكرة موجودة في انتخابات الأندية الرياضية والاجتماعية وغيرها لأن هذا شيء ضروري.

* هل أفهم من كلامك أن الاخوان اضطروا لمغازلة مختلف التيارات السياسية لضمان السيطرة على نقابة المحامين؟

ـ أنا لا أوافق على هذا التعبير مع تقديري لحقك في استخدام ما تراه من ألفاظ، ولكنني لا أرتاح الى مصطلح «المغازلة»، ودعني أقل إنه كون الناس المنشغلين بالأمر العام يسلكون سبيلاً يعمل على تجميع مختلف التيارات والأفكار لتحقيق مصلحة عامة فهذا واجب وطني. هم رأوا ذلك ووجدوا فيه مصلحة للوطن وهذا لا غبار عليه. ان كل النقابات المهنية مشلولة وموضوعة تحت الحراسات ومعطلة وكثير منها أفلس، فإذا هم تلمسوا سبيلاً للخروج من هذا البلاء الذي ران على البلد فهذا شيء يحسب لهم ولا يحسب عليهم.

* لكم نواب في مجلس الشعب وحضور كبير في نقابة المحامين، ومع ذلك أنتم محرومون من شرعية ممارسة العمل السياسي، كيف تنظر الى هذه المفارقة؟

ـ أعتقد أن على السلطة تغيير سياستها تجاه الاخوان. وما حدث في تقديري هو رسالة من الشعب للسلطة سبق أن وجهها الشعب في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة. ونقول للسلطة وهي التي بيدها تشكيل الأحزاب أن تعترف بالاخوان كأمر واقع ومؤكد ولا مجال لانكاره، ولا محل اطلاقاً لأن يصبح جزء كبير من الشعب بجميع مستوياته الشعبية والمهنية خارج الشرعية.

* إننا نتسائل لماذا تصر الحكومة على ارتكاب هذا الخطأ التاريخي القاتل وتغض بصرها عن وجود الاخوان كقوة سياسية لها وزنها واحترامها في الشارع المصري؟

ـ أولى بهذا الوجود أن يصبح شرعياً وظاهراً وإذا كانت الحكومة تريد ترشيده أو لا تريد فهي تملك السلطة في يديها.

* ألا تخشون من وجود نقيب (سامح عاشور) معروف بانتماءاته الناصرية في ظل وجود الاخوان في نقابة المحامين؟

ـ ما دامت أغلبية الناخبين اختارته فيجب أن نسلم بهذا الأمر ويجب لأعضاء مجلس النقابة أيضاً أن يسلموا كذلك لأن هذه هي ارادة الناخبين ويجب أن يتعاملوا معه بصورة حضارية وبمستوى أخلاقي رفيع ويحفظوا النقابة من تكرار ما تعرضت له في السنوات السابقة.

هناك نوع من الشورى داخل المجلس، ونحن نتحدث عن نقيب معه 24 عضواً ويتم اتخاذ القرارات بالتصويت، ونتيجة التصويت يجب أن تكون محل احترام الجميع.

* إذن انت لا تتوقع صداماً بين النقيب وأعضاء مجلس النقابة على الرغم من تباين معظم آرائهم السياسية؟

ـ لا يمكن الادعاء بعدم وجود اختلاف في بعض وجهات النظر فهذا أمر غير مقبول، لكن الجميع يدرك أهمية التعاون لتحقيق مصلحة جموع المحامين.

ومن المهم أن يتم عرض الآراء المختلفة بدون شتائم أو مسدسات. والقاعدة ـ كما قلت ـ هي أن يحترم الجميع مبدأ التصويت وأن يلتزموا به متى انتهت المناقشات الى قرار حظي بموافقة الأغبية. ولا أعتقد أن ثمة صداماً سيحدث فنحن لا نريد التصادم مع أحد ، والنقابة هي مجال للعمل المهني وليس السياسي.

* هل أفهم من كلامك ان الاخوان سيخلعون عباءتهم السياسية داخل نقابة المحامين؟

ـ لا أحد يستطيع التخلص من أفكاره ومعتقداته على هذا النحو، ومن الصعوبة بمكان أن نتصور أن الناس يمكن أن تجمع على أمر واحد لا خلاف عليه، ولكن كما قلت سابقاً احترام القواعد سيؤدي الى مزيد من التعاون لمصلحة النقابة وأعضائها.

* البعض يقول إن الاخوان قدموا التنازلات غير معلنة للحكومة لاقناعها بالتساهل معهم كما حدث في انتخابات مجلس الشعب ونقابة المحامين؟

ـ لا. هذا غير صحيح، فلم يتنازل أحد، وما حدث في الانتخابات البرلمانية معروف للجميع ولا أريد هنا الخوض فيه مجدداً، والحكومة لم تكن تستطيع أن تفعل معنا أكثر مما فعلت ومع ذلك حصلنا على مقاعد في مجلس الشعب.

الحكومة لم تتساهل معنا في انتخابات المحامين ولكنها لم تتدخل للعبث فيها وهذا أمر نشكرها عليه، وإذا لم تكن قد فعلته لحملت وزر مخالفة ارادة الناخبين.

اننا دائماً نطالب بمنحنا الفرصة الكاملة للتعبير عن قطاع عريض من المجتمع يؤمن بأفكار الاخوان ومبادئهم، والدليل على ذلك هو الانتخابات الأخيرة في البرلمان ونقابة المحامين. وعندما تتم انتخابات موضوعية فهذا أمر يشرف الحكومة ولا يسيء إليها لأن العكس هنا هو الصحيح.

* ما هي إذن الخطوط الحمراء للاخوان في التعاطي مع السلطة؟

ـ إن المؤمن كيس فطن، ونحن نسعى لمصلحة البلد ونرى ضرورة احترام ارادة الناخبين وأن ترفع الحكومة عصاها الأمنية عن كوادر الاخوان وقياداتهم وأن تعترف بهم كقوة سياسية لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها.

ان وجودنا في البرلمان والنقابة تم عبر صناديق الانتخابات، وهو ما يعني اننا موجودون لأن الناس تريدنا وتناصرنا، ولا أرى أن تجاهلنا أمر سيفيد المجتمع في شيء على الاطلاق.

اننا نريد الاعتراف بنا ككيان قانوني وأن تسعى الحكومة لفتح قناة سياسية وليست أمنية معها على الرغم من تقديرنا لرجال الأمن.

اننا نسعى للصالح العام واحترام رغبات وتطلعات الشارع المصري، وأعتقد أنه حان الوقت للاعتراف بنا كقوة لها نفوذها وتأثيرها المحسوب.