علاقات إدارة بوش بالصين تتردى بعد اتهامها لبكين بمساعدة بغداد تكنولوجياً

واشنطن تتعامل بلهجة أكثر حدة مع بكين

TT

يبدو ان العلاقات بين ادارة بوش الجديدة والصين تتجه نحو التوتر اثر اتهام الولايات المتحدة للصين بمساعدة العراق عسكريا. ويرى المحللون ان «الاحداث المؤسفة» الاخيرة بين الطرفين التي بدأت باعلان وزارة الدفاع الاميركية ان توقيت الضربات الجوية الاخيرة راعى عدم الحاق اضرار بالمهندسين الصينيين، من المرجح ان تلحق اضرارا اساسية بالعلاقات المضطربة اصلا بين واشنطن وبكين. غير ان مجموعة التلميحات الاخرى والمواقف المعلنة تجاه الصين من جانب الادارة الحالية تعتبر بمثابة تغيير للاجواء المعتدلة لـ«الشراكة الاستراتيجية» التي كانت سمة للعلاقات بين الجانبين خلال ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون.

ويعتقد محللون ان القضية العراقية تبدو جزءا من مجهود اوسع حجما للبيت الابيض في سعيه للتوصل الى موقف عملي واكثر تشددا في نفس الوقت كأساس للتعامل مع اكبر قوة آسيوية.

ولا تزال بكين حريصة على تجنب سلسلة من «مخاوف البيت الابيض الاميركي عن وجود مهندسين صينيين في العراق يوم 16 فبراير (شباط) عندما قصفت طائرات حربية بريطانية واميركية مواقع قالت ان هؤلاء المهندسين يعملون بها وينشئون شبكة دفاعية لتحسين قدرات الرادارات العراقية والصواريخ ارض ـ جو. ويقول المسؤولون الصينيون ان المزاعم الاميركية تهدف الى صرف الانظار عن ردود الفعل العالمية تجاه الضربات التي وجهت الى العراق. واضاف المسؤولون ان الصين لا تزال ملتزمة بالعقوبات التي فرضت على العراق عقب انتهاء حرب الخليج الثانية. ويقول المسؤولون الصينيون ان ثمة «دوافع خفية» للولايات المتحدة.

ويذكر ان الرئيس بوش نفسه قال ان البيت الابيض بعث برسالة رسمية الى الجانب الصيني حول هذا الامر وتسلم ردا عليها الجمعة الماضي. واضاف بوش ان الرد الصيني تلخص في: «اذا كانت المسألة كذلك، فسنعالج الوضع».

ولجعل سياسته تجاه الصين اكثر تميزا اشار بوش الى الصين خلال حملة ترشيحه للرئاسة بأنها «منافس» للولايات المتحدة في قارة آسيا وليست «شريكا» حسب اللغة التي كانت تستخدمها ادارة الرئيس السابق كلينتون.

ومنذ انتخابات الرئاسة بدأت الادارة الحالية في التعامل بلهجة اكثر حدة مع الصين سواء كان بطريقة مباشرة او غير مباشرة، كما يلاحظ ان هذه الادارة تضم عددا اقل من خبراء الشؤون الصينية مقارنة بادارة كلينتون السابقة. علاوة على ذلك لمحت الادارة الحالية الى انها ستغير اهتمامها في منطقة شرق آسيا صوب اليابان. وقالت مصادر رسمية في البيت الأبيض الأسبوع الماضي إن واشنطن ستتبنى قراراً في جنيف الشهر المقبل ينتقد سجل الصين في مجال حقوق الإنسان. ويذكر أن المفوضة السامية لحقوق الإنسان ماري روبنسون ستشرف هذا الأسبوع على ورشة عمل في بكين حول النظام القضائي الصيني.

وكان تقرير نصف سنوي صدر يوم الخميس الماضي عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أيه) قد أشار إلى أن الصين ربما تكون قد تراجعت عن تعهداتها بعدم التعاون مع إيران في التكنولوجيا النووية. كما أن الصين من جانبها ظلت توجه انتقادات حادة للولايات المتحدة بسبب إعلان اعتزامها تطوير نظام دفاعي صاروخي متقدم، إذ ترى بكين أن المشروع الأميركي يعتبر خرقاً لاتفاق عام 1972 الخاص بالحد من نشر شبكات الصواريخ. وحذر مسؤولون صينيون من أن برنامج الأسلحة والدفاع المشترك الذي تعتزم الولايات المتحدة بيعه لتايوان والذي يمكن تحويله إلى نظام هجومي سيضطر الصين إلى الدخول في سباق تسلح كامل.

كما أن البيت الأبيض إذا وافق على بيع تايوان زوارق «إيجيس» الحربية المزودة بنظام متقدم لتعقب الصواريخ لإحباط أي هجوم صيني على الجزيرة، فإن بكين ستنظر إلى هذا الأمر على أنه مواجهة مباشرة من طرف واشنطن. ولا يعرف حتى الآن بوضوح الحد الذي قد تصل إليه الصين تجاه هذا التهديد. ويذكر أن إدارة الرئيس السابق كلينتون قررت عدم الدخول في اختبار مدى تشدد الموقف الصيني تجاه قضية تايوان، كما أنها لم تمد تايوان بزوارق «إيجيس».

ويلاحظ أن في الإدارة الأميركية الجديدة عدداً من أصحاب الخبرة والتجربة في مجال السياسة الخارجية مثل ديك تشيني، نائب الرئيس، ودونالد رامسفيلد، وزير الدفاع وجوندوليزا رايس، مستشار الأمن القومي، غير أنهم يختلفون مع سياسة كلينتون تجاه الصين ويؤيدون المزيد من الدعم لحكومة تايبيه.

يقول واحد من الذين عملوا في حقل السياسة الآسيوية في إدارة ريغان ان هناك بعض المسؤولين القدامى الذين يشعرون أن نهج التشدد هو أفضل سبيل لخدمة مصالح الولايات المتحدة.

وبكين من جانبها لا تزال تطرح مسألة قصف سفارتها في بلغراد عام 1998 بواسطة طائرات حلف شمال الأطلسي (ناتو) كعمل متعمد، إذ أن تلك الحادثة، التي تصر الولايات المتحدة على أنها وقعت عن طريق الخطأ، وضعت العلاقات الصينية ـ الأميركية في حالة جمود عميق لم ينته تماماً رغم عرض الحكومة الأميركية تعويضات على الصين في الآونة الأخيرة.

ومع ذلك فإن الطرفين لهما مصالح كبرى في تحسين العلاقات بما في ذلك اللوبي الأميركي المؤيد لنشاط الأعمال والإصلاحيين الذين يؤيدون عضوية الصين في منظمة التجارة العالمية. ويذكر أن الصين عينت عقب انتخاب بوش يانج جيشي سفيراً لها في الولايات المتحدة وهو صديق لعائلة بوش.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»