السلطات القضائية الفرنسية تحاكم مجددا الضابط النازي برونر غيابيا

سورية نفت ادعاءات منظمات يهودية حول وجوده في دمشق * علامات استفهام حول توقيت المحاكمة

TT

وسط علامات استفهام عديدة تفتتح في باريس غدا محاكمة الضابط الالماني اليوييس برونر، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية والمسؤولية عن مقتل آلاف اليهود في معسكر «درانسين» خلال الحرب العالمية الثانية، واولى علامات الاستفهام تدور حول مكان وجود المتهم الذي يوصف بأنه كان الذراع اليمنى للقائد النازي انخيمان الذي جرى اختطافه ومحاكمته في اسرائيل. وسبق للمنظمات الصهيونية المتخصصة في ملاحقة مجرمي الحرب النازيين ان ادعت وجود برونر في سورية، بدون ان تتمكن من تأكيد هذا الادعاء، خصوصا ان السلطات السورية نفت باستمرار ان يكون الضابط المطلوب مختبئا فيها.

وتدور علامة الاستفهام الثانية حول توقيت المحاكمة التي تجري بعد نصف قرن على الاحداث، من دون ان يجدّ جديد في القضية، سوى مجيء رئيس جديد الى الحكم في سورية. اما علامة الاستفهام الثالثة فهي ان هذه ليست المحاكمة الاولى للضابط النازي ذاته. فقد سبق لمحكمتين عسكريتين في باريس ومرسيليا ان اصدرتا عليه حكما غيابيا بالاعدام عام 1954.

اما علامة الاستفهام الاخيرة فتتركز حول ما اشيع منذ فترة عن وفاة برونر، فهل تجوز محاكمة متهم ليس هناك ما يثبت انه على قيد الحياة؟

وكانت تحقيقات قام بها مفوض الشرطة الفرنسي فيليب ماتي واستغرقت سنوات عديدة، قد اشارت الى ان اسم برونر ورد في القائمة الاولى للمتهمين التي اصدرتها محكمة نورمبرج لمحاكمة مجرمي الحرب عام 1945. لكن تشابها في الاسم بينه وبين احد مساعديه، ادى الى اعدام المساعد والى فرار برونر واختفائه عن الانظار وانتشار اخبار عن وفاته.

وتقول التقارير المحفوظة في عشرات الملفات المخصصة لهذه القضية، ان برونر اقام خلال سنوات اختفائه الاولى في هامبورج وايسين حيث عمل نادلا في المقاهي تحت هوية مستعارة من احد اقاربه.

ولما عاودت المانيا حملتها لملاحقة مجرمي الحرب الفارين، قرر برونر ان يغادر البلاد عام 1953، حيث يزعم المحققون انه وصل الى سورية مرورا بامستردام وروما والقاهرة. ويضيفون انه اقام في شارع جورج حداد في دمشق تحت اسم الدكتور جورج فيشر، وعمل في الاستيراد والتصدير وحاول الاتجار بالسلاح. وفي اوائل الستينات تسربت اولى الانباء عن احتمال وجود برونر في دمشق. وتزعم منظمات صهيونية انها ارسلت اليه طردا ملغوما في تلك الفترة، ادى الى احتراق جزء من وجهه وفقدانه لعينه اليسرى. وتقدمت السلطات الالمانية والنمساوية، في فترة لاحقة، بطلب الى السلطات السورية لتسليمها برونر، لكن دمشق نفت ان يكون لديها من يحمل هذا الاسم او اسم جورج فيشر. كما فشلت اتصالات دبلوماسية على مستوى عال في التوصل الى معلومات حول برونر او وعد بتسليمه.

وفي باريس، اعرب المحامي سيرج كلارسفيلد، المتخصص مع اسرته في ملاحقة المجرمين النازيين، عن ارتياحه للمحاكمة التي ستجري امام محكمة الجنايات بقصر العدل في باريس غدا، لكنه اعترف ان لا معلومات لديه تجزم بأن المتهم حي او فارق الحياة.

وتدعي زوجة كلارسفيلد انها تمكنت من الاتصال هاتفيا ببرونر عام 1982 وانه رد عليها. كما تزعم جهات يهودية اخرى انها ارسلت اليه طردا ملغوما ثانيا موقعا باسم «جمعية اصدقاء الاعشاب الطبية في النمسا»، وقد ادى انفجار اللغم الى فقدانه عددا من اصابع كفه اليسرى. ونشرت مجلة «بونت» الالمانية، بعد ذلك، مقابلة قالت انها اجريت مع برونر في سورية، وانه سمح بالتقاط صورة له ولم يتنصل من ماضيه.

ورغم ان قفص الاتهام سيكون خاليا في قصر العدل بباريس، غدا، ولن يكون هناك محلفون ولا شهود، فان محركي القضية يريدون لها ان تكون محاكمة رمزية قبل ان يطوي الزمن آخر من بقي على قيد الحياة من ضباط الحرب العالمية الثانية وضحاياها.