دعـوى قضائية علـى بطريـرك أنطاكيـة وسائر المشرق تطالب الفاتيكان بمحاكمته عن سوء التصرف بأملاك الطائفة

TT

غضب المطران ايزودوروس بطيخة، وهو نائب بطريرك أنطاكية وسائر أنحاء المشرق للروم الكاثوليك، غريغوريوس لطفي لحام، المقيم حيث مركز البطريركية بدمشق، حين اتصلت به «الشرق الأوسط» أمس لتعلمه بنبأ دعوى قضائية أقامتها الأسبوع الماضي جمعية يافا للروم الكاثوليك على البطريرك، الذي تم تنصيبه قبل أسبوعين، بتهمة إساءة التصرف بأملاك الطائفة طوال سنوات، كان فيها مطرانا ونائبا لبطريرك الطائفة بالقدس، قبل انتخابه للمنصب منذ شهرين.

وقال بطيخة عبر الهاتف من العاصمة السورية إن البطريركية لا علم لها بالدعوى، وإن البطريرك منعزل في غرفته منذ وقت، ولا يستطيع التحدث في أمر يجهله، وليس ملما بتفاصيله، علما بأن «الشرق الأوسط» كانت قد تحدثت الى سكرتيره في البطريركية قبل 10 دقائق من الحديث الى نائبه، وقالت إن البطريرك مجتمع الى سفير، لم تكشف عنه.

وشرحت «الشرق الأوسط» للنائب البطريركي فحوى ما وصلها من معلومات عن الدعوى، فقال محتدا: «لا علم لنا بها، ولا نعرف اذا كانت محاكم الفاتيكان ستقبلها. لننتظر فاذا تم قبولها وتسلمنا اشعارا بذلك، يكون لكل حادث حديث».

يشار إلى أن كنيسة الروم الكاثوليك الملكيين هي كنيسة عربية صرف في قيادتها ورعيتها وهي بالأساس انشقت عن الكنيسة الأرثوذكسية في المشرق العربي في القرن السابع عشر على خلفية الصراع الذي نشأ داخل الكنيسة الأرثوذكسية بعد أن فرض العثمانيون قيادتين يونانيتين على كنيستي أنطاكية التي تمثل سورية ولبنان، والقدس التي تمثل فلسطين وشرق الأردن، ضد رغبة أبناء الرعيتين العرب. وفيما نجح العرب في سورية ولبنان في استرداد قيادتهم لكنيستهم الأرثوذكسية ما زالت شقيقتها في فلسطين وشرق الأردن ترزح تحت قيادة يونانية مفروضة فرضا. وفي هذه الأثناء شكل الروم الكاثوليك المنشقون عن الأرثوذكس كنيستهم الموحدة في سائر المشرق متخذين من أنطاكية مقرا لبطريركهم.

الا أن الدعوى أصبحت الشغل الشاغل للفاتيكان، لأن أعضاء «جمعية يافا للروم الكاثوليك» لم يرفعوها ضد البطريرك وحده، بل شملت جميع الأساقفة الأعضاء في سينودوس الطائفة، ممن يرونهم مسؤولين مع البطريرك عن ادارة شؤونها في جميع الدول الخاضعة لسلطة الكنيسة، لذلك طلبوا في دعواهم، التي نقلها سفير الفاتيكان لدى الأراضي المقدسة، المطران سامبي، أن يحاكم البابا البطريرك ومعه الأساقفة، استنادا الى القانونين 1059 و1060 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، واللذين يعطيان الحق لكل مسيحي برفع دعواه الى البابا، باعتبار أنه القادر وحده على محاكمة البطاركة والأساقفة، متى خرقوا القانون.

وشملت الدعوى، التى تسلمها مكتب البابا، تفاصيل كل الصفقات المتعلقة ببيع وتأجير ورهن أوقاف طائفة الروم الكاثوليك بيافا والقدس، خصوصا مقبرتين للطائفة، معززين دعواهم بمستندات ووثائق مؤرخة بين 1988 الى نهاية العام الماضي، أي عندما تم انتخاب المطران لحام بطريركا لأنطاكية وسائر أنحاء المشرق للروم الكاثوليك، حيث انتقل منذ انتخابه من القدس، التي عمل فيها 26 سنة كنائب لبطريرك الطائفة، الى دمشق، حيث مركزه الرئيسي الآن.

وتحمّل الجمعية في دعواها البطريرك لحام المسؤولية الشخصية والمباشرة عن كل عملية بيع أو تأجير أو رهن لأراض «وتدنيس مقابر الطائفة في الأرض التابعة لوقف بطريركية الروم الكاثوليك في يافا ومنطقة القدس» وفق ما ورد في الحيثيات والموجبات، المرفقة بجردة عن محاولات أبناء الطائفة وجمعيتهم التصدي لهذه الصفقات «ان كان بالتوجه مباشرة الى البطريرك لحام أحيانا، أو الى وزير الأديان والمحاكم المدنية الاسرائيلية، أو بلدية يافا، والتي ردت جميعها، سواء بالتجاهل أو بذريعة عدم التدخل» وفق ما قالوا.

وقد اتصلت «الشرق الأوسط» بالصحافي جاكي خوري، العامل محررا في صحيفة «الصنارة» الصادرة مرتين بالأسبوع في الناصرة، بوصفه مطلعا على تفاصيل الدعوى، ورافق عملية رفعها من الوجهة القانونية قبل أسبوعين، فقال إن الذين أقاموها أوردوا أيضا محاولات ناجحة قاموا بها في تنظيم المظاهرات الاحتجاجية وتجنيد الرأي العام عبر وسائل إعلام صورت تدنيس المقابر والعظام المبعثرة «حين كانت الجرافات تحفر وتلقي بعظام الموتى في المزابل» على حد قوله، في اشارة الى تأجير البطريرك لقسم من مقبرتهم الكاثوليك بيافا الى شركة تطوير عقاري اسرائيلية لمدة 99 سنة، قابلة للتجديد. وقال خوري إن الجمعية طالبت في دعواها أيضا «بوقف كل أعمال التدنيس لمقداستنا، ولقبور موتانا، وأن يتم الغاء كل الصفقات التي قام بها المطران لحام، وأدت الى تدنيس المقابر ونبشها، وأن تعاد المقابر الى أصحابها الشرعيين، أبناء طائفة الكاثوليك في يافا، وأن يتم التحقيق في أعمال وصفقات البطريرك، حين كان مطرانا ونائبا بطريركيا في القدس، وهي صفقات مخالفة للمرسوم الفاتيكاني الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 والمانع بيع ممتلكات الكنائس الكاثوليكية من دون الحصول على اذن مسبق من بابا الفاتيكان، خصوصا أن التأجير لمدد تتناقض مع البند 2 في القانون 1036 من قوانين الكنائس الشرقية، يلزمه بالحصول على موافقة البطريرك وسينودوس الأساقفة قبل الشروع بهذه الصفقات «وهو ما لم يحدث» طبقا لما نقل خوري من حيثيات دعوى، شملت مطارنة الروم الكاثوليك فردا فردا، لعلمهم بالشكاوى المتكررة وبقضية تدنيس قبور الموتى، من دون أن يحركوا ساكنا، حتى أنهم لم يحاولوا التحقيق في القضية، ومعرفة اذا كان الشاكون صادقين أم لا «لذلك فتصرفهم يندرج ضمن «اهمال خطير» في الشؤون الادارية والروحية التي يتحملون مسؤوليتها» وفق ما قاله داود عبود، رئيس الجمعية.

وكانت «جمعية يافا للروم الكاثوليك» قد أقامت دعوى سابقة على البطريرك لحام في المحكمة المركزية بيافا، حول القضايا نفسها، ستدرسها المحكمة في أول جلسة تعقد يوم 12 الحالي، فيما ذكر الصحافي خوري أن حفل تنصيب المطران لحام بطريركا قبل أسبوعين في الفاتيكان «شهد توترا ومشكلات»، اذ أقدم أعضاء من الجمعية على توزيع بيان بعنوان «معلومات مهمة عن البطريرك لحام» بالعربية والانجليزية على من حضر التنصيب، يتهمونه فيه «بالتصرف بأملاك الكنيسة كما كأنها أملاكه الخاصة» وفق البيان.

واتهموه في بيانهم أيضا باهمال حاجات الطائفة وعدم السماح لمثقفي ومتعلمي أبرشية القدس مشاركته باتخاذ القرارات، وبأنه لم يسمح باقامة مجلس ملة «كما قام بالتغطية على صفقات تجارية لأوقاف أبرشية الجليل، التي قام المطران مكسيموس سلوم والأب إميل شوفاني بتمريرها» وفق البيان الذي أطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه.