المخابرات الفلسطينية تعتقل يهوديا وأخاه الفلسطيني المسلم ونسيبه المصري ـ الإسرائيلي على ذمة التحقيق في اغتيال قائد عسكري لـ«حماس»

«الشرق الأوسط» تكشف القصة الكاملة لمنذر الحفناوي المتهم بالضلوع في اغتيال محمود المدني بنابلس

TT

اغتيال واعتقال وتعاون وتجسس... تكتم فلسطيني... وضجة اسرائيلية صاخبة وتهديدات بعواقب وخيمة وعقوبات شديدة ضد الفلسطينيين.

جهاز امن فلسطيني يحاول استكمال التحقيق مع معتقلين بتهمة عملية اغتيال نفذتها مجموعة من المخابرات العامة الاسرائيلية «شين بيت» وعملاؤها ولاول مرة داخل اراضي السلطة الفلسطينية، والاسرائيليون يتهمونه بانتهاك اتفاقات اوسلو التي لا تسمح بتعقب حتى العملاء والجواسيس ناهيك من اعتقال اسرائيليين لاكثر من ساعات. وبين هذا وذاك تكشفت رواية اغرب من الخيال... رواية ولا روايات السينما، بدأت في شمال لبنان وانتهت في مخيم للاجئين في الضفة الغربية بقتل واعتقالات.

وكانت بداية النهاية لهذه القصة الغريبة، في مخيم بلاطة المتاخم لمدينة نابلس في الضفة الغربية، حيث اعتقل جهاز المخابرات العامة الفلسطيني، من بين من اعتقل، 3 اشخاص احدهم يهودي يحمل جنسية مزدوجة اسرائيلية ـ فرنسية، واخاه الفلسطيني المسلم ونسيبهم المصري الاسرائيلي.

يعيش الاول واسمه ديفيد مارسيه (52 سنة) في مستوطنة الون موريه الواقعة فوق جبل جرزيم في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية. ويسكن الثاني وهو منذر صبحي الحفناوي (44 سنة) في مخيم بلاطة الواقع على جبل بلال المواجه لجبل جرزيم. واما الثالث وهو محمد ديب (30 سنة) فيعيش في يافا/ تل ابيب.

وكانت هذه هي المرة الاولى التي يعتقل فيه جهاز امن فلسطيني اسرائيليين لاكثر من بضع ساعات قبل تسليمهم الى لجان الارتباط المشتركة. لهذا فان الاجهزة الامنية الاسرائيلية تشن حملة ضد المخابرات العامة وتتهمها بانها اكثر عدائية لاسرائيل مقارنة بجهاز الامن الوقائي الذي يزعمون بانه اقل تشددا مع اسرائيل.

وافرجت المخابرات عن المعتقل اليهودي مارسيه وابقت على الحفناوي ونسيبه المصري قيد الاعتقال. وقال رئيس المخابرات في الضفة الغربية العميد توفيق الطيراوي لـ«الشرق الأوسط» انه افرج عن مارسيه بعدما اثبتت التحقيقات معه عدم وجود علاقة له بعملية الاغتيال.

واقر منذر الحفناوي حسب العميد الطيراوي في اعترافاته ان اخاه الطبيب اليهودي لم تكن له اي علاقة بعملية الاغتيال وانه كان المسؤول عن العملية. واضاف الطيراوي انه جرى تسليمه الى القنصل الفرنسي بسبب جنسيته الفرنسية ورفض تسليمه للسلطات الاسرائيلية التي ظلت تطالب بتسلمه.

وكانت مصادر امنية فلسطينة قد ذكرت سابقا ان مارسيه يرفض العودة الى اسرائيل ويريد البقاء في نابلس.

واعتقلت المخابرات العامة الاشخاص الثلاثة، على خلفية اغتيال محمود سليمان المدني احد نشطاء حركة حماس في مخيم بلاطة الذي يتهمه «شين بيت» بالتخطيط لعمليتي الخضيرة وتل ابيب في نوفمبر (تشرين الثاني) ويناير (كانون الثاني) الماضيين، واللتين اعلنت حماس عن مسؤوليتها عنهما واسفرتا عن مقتل اسرائيليين وجرح العشرات.

وقتل المدني البالغ من العمر 25 سنة في 19 فبراير (شباط) الجاري، وهو عائد من صلاة الظهر الى بقالته الواقعة على اطراف المخيم، باطلاق الرصاص عليه واصابته باربع رصاصات في الكبد والامعاء الدقيقة والحجاب الحاجز والرئة من سيارة جرى تغطية انسحابها من مكان الحادث، بواسطة الموقع الاسرائيلي في جبل جرزيم المقابل.

وتعود بدايات الرواية، حسب قول مصدر مطلع في مخيم بلاطة طلب عدم ذكر اسمه، الى عام 1955 في مدينة طرابلس بشمال لبنان حيث كان محمد صبحي الحفناوي وهو اصلا مهاجر الى الضفة الغربية من قرية سلمة في قضاء يافا في زيارة لخالته اللاجئة الى لبنان. وخلال زيارته تعرف على السيدة مازال السمان اليهودية اللبنانية.

وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» ان مازال التي تغير اسمها الى فوزية بعد اعتناقها الاسلام، كانت ارملة يهودي سوري اسمه عزت مالك ولديها منه طفل اسمه نزار يبلغ من العمر 8 سنوات. وتحول اللقاء الاول بين محمد صبحي الحفناوي ومازال، الى قصة حب انتهت بزواجهما عام 1956 بعد ان اعتنقت مازال الدين الاسلامي. وعاش محمد الحفناوي مع زوجته وطفلها من زوجها الاول، في طرابلس وانجبا اطفالا منهم منذر وموسى ومعتز. واضاف المصدر انه في عام 1967 وقبيل حرب يونيو (حزيران) سافر محمد صبحي الحفناوي من لبنان الى الضفة الغربية لزيارة اهله اللاجئين في مخيم بلاطة. ووقعت الحرب وهو في زيارة الاهل الامر الذي حال دون تمكنه من العودة الى زوجته واطفاله. وبعد جهود حثيثة وتحديدا في عام 1972 نجح صبحي الحفناوي في احضار زوجته واطفاله الى الضفة الغربية بعد ان حصل على تصريح لم شمل من سلطات الاحتلال الاسرائيلي حسب نفس المصادر.

اما نزار فقد كان في حينها يواصل دراسة طب الاطفال في احدى الجامعات الفرنسية. وهناك غير اسمه واختار اسما يهوديا اجنبيا وهو ديفيد مارسيه وآثر البقاء في باريس. وظل ديفيد في باريس الى ما قبل حوالي 5 سنوات خاصة بعد ان بدت عليه بودار مرض فقرر التوجه الى اسرائيل ومن هناك انتقل للعيش مع والدته واخوته غير الاشقاء في مخيم بلاطة. لكنه عاد وغير رأيه وانتقل للعيش في اسرائيل حيث عمل في مستشفياتها واختار مستوطنة الون موريه المطلة على مخيم بلاطة الي تقطن فيه والدته التي فقدت زوجها الثاني للاقامة. في نفس الوقت عاش محمد الحفناوي في نابلس حيث عمل بالتجارة. وترعرع اولاده في المدينة بهدوء. وانتقل احد اولاده وتحديدا معتز للعيش في اسرائيل بعد ان تزوج من احدى العربيات الاسرائيليات وعاشا معا في يافا. بينما آثر منذر وهو الاكبر (44 عاما) وموسى البقاء الى جانب والدتهما التي تبلغ الان من العمر 76 سنة، خاصة بعد وفاة والدهما، في مخيم بلاطة. ولكن يبدو انه كان لديهما، خاصة منذر، اسباب اخرى للبقاء بدون اثارة اي شبهات تذكر.

ويعمل منذر في تجارة الالبسة الجاهزة وهو في بحبوبة اقتصادية ومتزوج من فلسطينيتين تعيشان في منزلين منفصلين ولديه من الاطفال عدد كبير. وظل يعمل تحت غطاء تجارة الالبسة الى ان اعتقل يوم مقتل محمود المدني.

وكان تربط الحفناوي بالمدني علاقة قوية بحكم الجوار حيث يعيشان على مقربة من بعض وبحكم العمل في التجارة، وايضا بسبب التقارب العقائدي بينهما، اذ كان الحفناوي حسبما تقول مصادر الاستخبارات، يتظاهر بالتقارب من الحركات الاسلامية لا سيما حركة حماس التي كان المدني ينتمي اليها. ووصلت العلاقة بينهما الى درجة ان اعتقلتهما سلطات الاحتلال معا غير ان فترة الحفناوي في المعتقل لم تتجاوز الاشهر بينما طالت فترة اعتقال المدني.

يذكر ان منذر الحفناوي بدأ حياته السياسية ناشطا من نشطاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كان يتزعمها جورج حبش قبل ان يتحول الى الحركات الاسلامية اثناء دراسته الجامعية في النجاح.

وعند وقوع حادث اغتيال المدني توجهت اصابع اتهام جهاز المخابرات الى دائرة الاصدقاء والاقارب المقربين منه خاصة أن عمليات الاغتيال السابقة اثبتت ان بعض الاقارب والاصدقاء ضلعوا في مؤامرات قتل كوادر في فتح وحماس، كما حصل في عملية اغتيال ابراهيم بني عودة قائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، في نابلس في نوفمبر الماضي اذ ثبت تورط قريبه علان بني عودة مع شين بيت. وادين علان بالتآمر والتعاون مع العدو في نابلس ونفذ فيه حكم الاعدام. وثبت ذلك في عملية اغتيال حسين عبيات القائد الميداني لحركة فتح في بيت لحم الذي اغتالته طائرات اسرائيلية. وحصل الشيء ذاته مع احد قادة فتح في غزة.

واعتقلت المخابرات منذر الحفناوي في نفس يوم الاغتيال في 19 فبراير (شباط) الجاري مع عدد آخر من المشتبه فيهم. ولم يصمد الحفناوي في التحقيق وانهار معترفا بتعامله مع شين بيت منذ عام 1980 حسب قول مصادر امنية لـ«الشرق الأوسط». لكن مصدرا في حماس قال لـ«الشرق الأوسط» ان ذلك التاريخ مبالغ فيه «وان معلوماتنا التي استقيناها من المخابرات تبين ان تعاون الحفناوي مع الاسرائيليين بدأ في مطلع التسعينات».

وحسب العميد الطيراوي فان منذر الحفناوي ادلى باعترافات كاملة، وان اخاه ديفيد قال انه حذره من مغبة التعامل مع المخابرات الاسرائيلية. وحسب اعترافات العميل الحفناوي فقد كان مرتبطاً بالمخابرات الاسرائيلية العامة منذ واحد وعشرين عاما.

وايا كان تاريخ بدء تعامله مع سلطات الاحتلال ومخابراتها فان اعترافه بالتعامل اخضع منزله والاماكن التي يتردد عليها للمراقبة الدائمة. ومساء يوم الجمعة الموافق 23 فبراير (شباط) الماضي حضر ديفيد وكذلك محمد ديب المصري المسلم الذي يحمل الجنسية الاسرائيلية (لم يفسر احد الكيفية التي حصل فيها ديب على الجنسية الاسرائيلية خاصة ان زوجته ليست من حملة الجنسية الاسرائيلية، بل ان زوجته هي احدى قريبات الحفناوي) الى مخيم بلاطة لزيارة ام منذر. وهناك وفي الساعة الحادية عشرة ليلا حسب التوقيت المحلي، اقتحم عدد من عناصر المخابرات المنزل واعتقلت ديفيد وديب. ونقل عن ام منذر ان ولدها اليهودي الطبيب ديفيد انتقل قبل 5 سنوات تقريبا الى اسرائيل بعد اصابته بمرض خبيث ونادر. وفي اسرائيل مارس ديفيد مهنة طب الاطفال في عدد من المستشفيات والعيادات. وتقول ام ديفيد ان ابنها اختار العيش في مستوطنة الون موريه بسبب رخص اسعار الشقق في المستوطنات وكذلك التسهيلات المالية التي توفر للمستوطنين.

وتضيف ام منذر ان اشتداد المرض على ديفيد جعله يأتي للعيش معها لكي ترعاه خاصة وان اخاه منذر ميسور الحال.