الصادق المهدي لـ«الشرق الأوسط»: تحالف الترابي ـ قرنق للإطاحة بالنظام خطير ومرفوض.. وعودة الأمة للتجمع غير واردة

TT

قال الصادق المهدي رئيس وزراء السودان السابق رئيس حزب الأمة ان أغلب المهتمين بالشأن السوداني الذين تناولوا موضوع مفاوضات حزبه مع الحكومة، خاضوا فيه بسوء فهم، مؤكدا ان حديث البعض عن تيارات داخل الحزب يمثلون القابلين للمشاركة في السلطة، والرافضين لها لم يكن دقيقا.

وقال المهدي في حوار مع «الشرق الأوسط» ان عودة حزب الأمة للتجمع أمر غير وارد، مشيرا الى أن قيام التجمع الوطني في الخارج كان مرحلة وانتهت، وأكد ان الاتفاق الذي تم بين حزب المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية ليس له أي صلة بالولايات المتحدة وأن مسؤولين نيجيريين قاموا بدور ما في التوسط بين الطرفين، مشيرا الى أن هناك بنودا جيدة في المذكرة الموقعة بينهما ولكن الجزء الذي يتعلق بتحالف الطرفين للاطاحة بالنظام خطر ومرفوض. وكشف المهدي ان دولتي المبادرة المشتركة تفكران في اعداد مذكرة مشتركة لكل الاطراف وتطالبان بالرد عليها من كل القوى واذا كان هناك أي طرف متردد لأي ظروف غير موضوعية سيكشف عن نواياه.

* قراركم رفض المشاركة في الحكومة الجديدة التي شكلها الرئيس عمر البشير في السودان جاء بردود فعل عديدة. كيف تم ذلك، ولأي طرف من الطرفين داخل الحزب الرافضين والراغبين كنت تؤيد؟

ـ أنا في رأيي ان أغلب الذين خاضوا في هذا الموضوع تناولوه بسوء فهم كبير واننا عملنا ورشة عمل في القاهرة عام 1999 وقررت الورشة ما هو اسلوبنا وطريقتنا للحل السياسي الشامل وماذا تعني، ونتيجة لهذه الورشة قمت أنا بكتابة مذكرة عن الموقف التفاوضي ونشرناها في اكتوبر (تشرين الأول) 1999، وكل الذي تم كان من خلال لقاءات في الداخل والخارج وقررنا التصعيد من الكليات. حدث بعد ذلك وليد شرعي لهذه الورشة وهذه المذكرة وأي كلام غير هذا يصبح خارج «الزفة» وخارج مرجعيات حزب الأمة.

وبعد توقيع نداء الوطن وبداية التفاوض مع النظام بدأت نغمة عن تيارات في الحزب بين رافض وقابل للمشاركة في السلطة، وفي رأيي هذا التصور لم يكن دقيقا لحقيقة موقف هؤلاء، وصحيح هناك اختلاف في وجهات النظر داخل هذه الاستراتيجية وليس خارجها، ولذلك كثير من الناس عندما قررنا الرفض للمشاركة فوجئوا لأنهم كانوا قد صوروا الموضوع بشكل غير صحيح، والاحزاب السياسية في الحقيقة تعمل في الأساس من خلال القرارات الفوقية والوقتية وظنوا ان حزب الأمة من هذا النوع، ونحن منذ أن قررنا العمل العلني اسسنا الأجهزة الانتقالية وذلك من خلال لقاءات في الداخل والخارج وقررنا التصعيد من الكليات. وهذه الكليات صعد اعضاء لتكوين المكتب السياسي والمكتب القيادي تكون من اشخاص لهم دور قيادي في الداخل والخارج وهذه المؤسسات أصبح لديها حق اتخاذ القرار، ولذلك كان هناك تحضير، فلماذا فوجئوا بأننا رفضنا المشاركة؟ واعتقد لأهمية الموضوع أخذ نصيبا أكبر من الضوء والاهتمام.

ومع من كنت. كان رأيي هو نفس الرأي في مذكرة اكتوبر وكنت حريصا على أن اتعلم من هذه التجربة وتركت الاخرين ليتحدثوا واحتفظت برأيي وقلت لهم أنا لا أريد أن اتخذ قرارا بالتصويت وان يكون القرار بالاجماع في المجلس القيادي (22 عضوا) ودعوا المكتب السياسي (77 شخصا) وفتحنا نقاشا بعد تسلمه الوثائق كاملة في كل ما دار بيننا وبين الحكومة.

* ما هي أهم النقاط التي كانت مثار خلاف بينكم والحكومة وأدت الى عدم التوصل الى اتفاق؟

ـ نحن كحزب أمة في الأصل كنا مقررين ان نتعامل مع الحكومة لتحقيق الأجندة الوطنية وفيها عناصر عديدة ولكن أهم عنصرين هما السلام العادل والتحول الديمقراطي. نحن ليس لدينا أي تحفظات حول هذين الأمرين، الأمر الذي يؤكد ان الحكومة توافق مبدئيا على هذه المعاني، ولكن نحن كحزب أمة لا يمكن ان نشارك في وضع يدعم الشمولية، كما أننا نريد وضع اساس واضح للتحول الديمقراطي ونعتقد ان التحول الديمقراطي يقتضي وضوح الرؤية حول التطور الدستوري والقانوني وان تتم انتخابات عامة حرة لتحديد الارادة الشعبية وان أي نقص في هذه المعاني يعني ان حزب الأمة لن يشارك في ذلك.

* بالتأكيد اعلانكم مواصلة الحوار مع الحكومة يعني ان هناك مطالب معلقة.. ما هي؟

ـ أولا نحن مستعدون للتعاون سياسا حول الاتفاق على برنامج وطني يتناول التطور الدستوري والقانوني ويمكن ان نوقع عليه باسم «اتفاق جيبوتي».

ثانيا نحن مستعدون ان نتعاون سياسيا حول قضايا قومية يتفق عليها مثل السلام والتطور الدستوري والاصلاحات المطلوبة لارجاع المفصولين واعادة مؤسسات الدولة. وكذلك مستعدون لتبرئة الاقتصاد الوطني من أجل ان يكون اقتصادا قوميا.

والجزء الثالث حول المشاركة الدستورية الرسمية وهذا يرتبط باطار انتخابي واجماع قومي.

* يتردد ان موقفكم برفض المشاركة في الحكم قرب المسافة بينكم وبين التجمع وانكم ستعودون الى موقعكم في تجمع المعارضة؟

ـ أولا التفكير في العودة للتجمع أمر غير وارد لأن التجمع في الداخل كان نتيجة تفكير مشترك داخل السجن، والخارجي جاء بفكرة من حزب الأمة على أن يكون لفترة معينة ومرحلة لكسب التأييد الدولي والاقليمي لمحاربة الايديولوجية المتطرفة للنظام واعتقد هذا الأمر انتهى وقته، وأي حديث عن عودة حزب الأمة للتجمع هو حديث يؤكد ان قائله غير متابع. ونحن نؤكد ان الاحزاب في التجمع لها وزنها ودخلنا اتفاقا حول القضايا الوطنية، والقوى السياسية عموما تدرك اننا في مرحلة قبل فيها النظام بمبدأ الأجهزة الوطنية من حيث المبدأ وهذا يعني قبول السلام العادل والتحول الديمقراطي وهذا القبول أدى الى اتباع اسلوب التفاوض الجاد مع الضغط الشعبي لتحقيق الأجندة الوطنية، والقوى السياسية ذات الوزن الانتخابي بالضرورة عملها من الداخل ونبذ العنف وهذا طبيعي والعمل من الداخل يؤمن التعبئة الشعبية، أما في ما يتعلق بالحركة الشعبية فالوضع مختلف والجيش الشعبي مطالب بموقف آخر مع الاحتفاظ بموقفه العسكري، فهو مطالب أولا بنبذ العنف لدى العمل بالداخل ثانيا الاستعداد للتفاوض المباشر من أجل الحل السياسي، ثالثا قبول وقف اطلاق النار من أجل توفير الجو المناسب.

* ما هو تقويمك لقبول اعداء الأمس للحركة الشعبية لتحرير السودان والمؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي لتوقيع اتفاق بينهما؟

ـ هناك عوامل موضوعية وعوامل ذاتية جمعت بين الاثنين والطرفان يمثلان الصوت الأعلى الآن للاطاحة بالنظام وهذا يمثل عاملا مشتركا بينهما. ثانيا واضح تماما ان المؤتمر الشعبي كان يبحث عن حليف في مشروع الاطاحة هذا وكذلك الحركة الشعبية، وهذا شكل عاملا مشتركا لأن الحركة الشعبية كانت حليفا لحزب الأمة ولم يعد لها الآن حليف بوزن كبير في الداخل، ولا شك ان هناك عوامل كثيرة واقعية جعلت المؤتمر الشعبي يعيد النظر في مفاهيمه الاسلامية النافية للآخر وهذا جعلهم أكثر استعدادا للتعامل مع الحركة الشعبية بمنطق جديد مع القوى الاسلامية وهذان عاملان شكلا أرضية للتفاوض، واعتقد ان ما تم بينهما لا صلة له بالولايات المتحدة ولكن اعرف بعض المسؤولين النيجيريين كان لهم دور في التوسط لهذا اللقاء وهم انفسهم الذين لعبوا دورا في التصالح بين المسلمين والمسيحيين في نيجيريا، واعتقد ان لهذه المذكرة دورا في التمهيد لبعض الاشياء خاصة ان هناك نوعا من الضيق بالأحوال في حالتين. فالنظام الآن عالج كثيرا من مشاكله في دول الجوار وبعض الانفراج في مسألة البترول وهناك محاولة لعرقلة هذه التطورات فهذا هو العامل الذاتي، والمذكرة، كل بنودها تكاد تكون مطابقة «لنداء الوطن» ما عدا بنداً واحداً هو التحالف ضد النظام لمقاومته والاطاحة به، وفي رأيي ان المذكرة في كل بنودها شيء حميد ولا بد من الترحيب بلقاء طرفي النقيض، ولكن الجزء الذي يتعلق بالتحالف للاطاحة بالنظام أمر خطر ومرفوض وليس من مصلحة السودان فتح صفحة جديدة للمواجهة، ولكن البنود الاخرى معقولة فيها تحول جيد، ونحن نرفض الاعتقال التحفظي من حيث المبدأ ولكن اذا كان الاعتقال مرفوضا فان المساءلة العادلة امر مطلوب ولذلك طالبنا بضرورة محاكمة عادلة وعاجلة وعلنية مع اعطاء المتهمين حق الدفاع.

* علمنا ان هناك تباينا في وجهات نظر دولتي المبادرة (مصر وليبيا) حول اسلوب الحل السياسي احداهما ترى ان بالامكان لأي فصيل المشاركة منفردا مع النظام والاخر يرى انه لا بد من اتفاق واجماع للوصول الى حل شامل؟

ـ انا في رأيي ان الدولتين متفقتان على حل سياسي شامل والاختلاف في أن الليبيين يعتقدون ان الاتفاق يمكن ان يتم على مراحل والمصريين يعتقدون ان الاتفاق لو تم في المرحلة الاولى بدون الحركة الشعبية يمكن ان يكرس الانفصال، ولكن هذا الخلاف يمكن أن يصبح نظريا وغير مؤثر اذا حدث بجهود لمواجهة كل الاطراف وبعدها ستكون كل الاطراف مستعدة لان تلبي دواعي اللقاء المباشر عبر اللقاء الجامع أو ان تعزل نفسها. ودولتا المبادرة الان تفكران في اعداد مذكرة مشتركة تقدم لكل الاطراف وتطالبان بالرد عليها وتتضمن من هم الذين سيتم دعوتهم للملتقى من المراقبين ومتى يعقد واجندة الملتقى وجميع التفاصيل وتكتب هذه التفاصيل وترسل الى كل اطراف النزاع وسيكون اسلوب عمل ولا بد ان ترد عليه كل القوى، واذا كان هناك طرف من الاطراف مترددا لاي ظروف غير موضوعية سيكشف ذلك من خلال رده أو عدم رده خصوصا الان فقد صار واضحا ان المآسي السودانية تتزايد وتتعاظم وان العالم لا يمكن ان يتفرج على هذه المأساة وان مبادرة الايقاد دخلت طريقا مسدودا واذا لم تتحرك المبادرة المشتركة بسرعة وفعالية سيبدأ البحث عن خيارات اخرى وكذلك الآن شركاء الايقاد خاصة الاتحاد الاوروبي يتحركون بسرعة لحل هذه المشكلة لايجاد مخرج وسيكون هناك الحاح لتحرك عملي، خصوصا ان الكنيسة التي تمثل ضمير الغرب اصبحت تتحرك بشدة خاصة البيان الذي اصدره قساوسة كمبوني في نيروبي الذين يعملون في المناطق التي تديرها حركة قرنق لانهاء هذه المأساة، والادارة الاميركية الجديدة عينت مجموعة خطأت الادارة السابقة في بعض ادائها تجاه السودان وهناك سياسة جديدة لايجاد حل وكلها عوامل ماثلة امام دولتي المبادرة.

* ما رأيك في التشكيل الوزاري الجديد في السودان، وهل فيه ما هو ايجابي؟

ـ كان عاديا ولم يأت بجديد وهو يمثل التحالفات الموجودة حاليا بين النظام والقوى المتوالية ولكن بعض المؤشرات الايجابية التي لا اريد التحدث عنها منها ادخال عناصر خارج المؤتمر الوطني.

* بصراحة هل هناك جهة محددة مارست ضغوطا معينة أو سعت من اجل قبول حزب الامة المشاركة في السلطة؟

ـ يقال ان ليبيا لعبت هذا الدور وليبيا منذ زمن بعيد حريصة على ان يكون حزب الامة كحزب كبير له شعبية كبيرة ان يكون له دور فيه تفاهم مع النظام لانهم لديهم علاقات ثنائية جيدة مع النظام وفي المقابل لهم علاقات جيدة مع حزب الامة ولذلك كانوا يبحثون في ذلك وليس مع حزب الامة وحده.