واشنطن تبدأ من العراق عملية لإعادة النظر في العقوبات بشكل شامل

TT

ظلت العقوبات الاقتصادية على مدى عدة سنوات أداة رئيسية في مجال السياسة الخارجية الاميركية، غير ان قائمة الدول المتأثرة بهذه العقوبات لم تعد قاصرة على تلك التي تعتبرها الولايات المتحدة دولا «مارقة» مثل العراق وكوبا وايران وليبيا وكوريا الشمالية. فقد تأثرت بفعل توجه العقوبات الذي ازداد بصورة ملحوظة خلال السنوات الاخيرة أكثر من ستين دولة بما في ذلك دول تربطها صداقة نسبية مع الولايات المتحدة مثل الهند وايطاليا واليابان والمكسيك، اذ بدأت هذه الدول تتأثر بالقيود الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة.

من القضايا الدبلوماسية الرئيسية التي تنتظر ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش الحالية مدى الحاجة الى تغيير هذه السياسة. فقد عاد وزير الخارجية الاميركي كولن باول من جولة في الخليج والشرق الأوسط أكد خلالها ان الولايات المتحدة تريد تخفيف العقوبات المفروضة ضد العراق وتركيزها على القدرات العسكرية لصدام حسين وتخفيف العبء عن المدنيين في العراق.

وتوضح هذه الخطوة اعتزام واشنطن احداث تغيير على سياسة العقوبات، كما تتفق الخطوة والتعليقات التي أدلى بها في الآونة الاخيرة مسؤولون بارزون في الادارة الاميركية. تعكس الخطوة كذلك رغبة التغيير من طرف قطاعات واسعة مرتبطة بالمصالح السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة.

وكان الرئيس الحالي بوش ووزير خارجيته باول انتقدا علنا العقوبات الاقتصادية بالصورة المفروضة بها الآن، اذ وصف بوش في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير اخيرا القيود المفروضة على العراق بأنها «أشبه بالجبن السويسري»، في اشارة الى الثغرات الكثيرة في نظام العقوبات الحالي. اما باول فقد تحدث أمام مجلس الشيوخ الاميركي طالبا من المشرعين التفكير جيدا في سياسة العقوبات والتفاكر حولها قبل فرض نظام عقوبات جديد.

وبدأت اعادة النظر في العقوبات الاقتصادية كأداة في مجال السياسة الخارجية خلال السنوات الاخيرة لادارة الرئيس السابق بيل كلينتون. فقد وصف آنتوني ليك، مستشار الأمن القومي في الادارة السابقة، العقوبات الاميركية في مختلف دول العالم بأنها أصبحت مثيرة للجدل سواء كان ذلك بسبب الكونجرس أو من خلال قرارات المسؤولين لأن العقوبات تسمح، حسب تعليقه، «بفعل شيء تجاه مشاكل الولايات المتحدة دون خوض حرب». ويرى البعض ان تغيير الموقف تجاه العقوبات دليل على تغير اهداف السياسة الخارجية، اذ يعتقد جيفري سكوت، استاذ معهد الاقتصاد الدولي بواشنطن، ان «تحقيق النجاح أمر نادر جدا في الحالات التي تحتوي على بعض المخاطر وفي القضايا السياسية». ويضيف سكوت ان «النظام المستهدف بالعقوبات لديه الكثير مما يمكن ان يفقده وان عدم الاستقرار الاقتصادي ربما لا يكون كافيا لتبرير الانتحار الاقتصادي».

ومع ذلك ثمة دليل واضح على ان العقوبات يمكن ان تنجح في اقناع بعض الانظمة لتغيير أساليبها. ويشير مؤيدو نظام العقوبات الى نجاحها في انهاء نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا وسيادة الليبرالية في بولندا الشيوعية، ورغبة النظام العسكري الحاكم في ميانمار (بورما سابقا) في التفاوض مع زعيمة المعارضة أونج سان سو كي. وكتب المؤلف والمحامي في مجال قضايا حقوق الانسان آريه نيير في صحيفة «نيويورك تايمز» أخيرا «انه من الخطأ التخلي عن نظام العقوبات في حالة عدم وجود بديل خصوصا في جانب صيانة وترقية حقوق الانسان العالمية».

ويقول زبيجنيو بريزينسكي، مستشار الأمن القومي في ادارة الرئيس الاسبق جيمي كارتر، ان اعادة النظر في سياسة العقوبات كان من المفترض ان تحدث قبل فترة طويلة، مضيفا ان الولايات المتحدة يجب ان تكون على استعداد للوقت الذي سيغادر فيه الرئيس الكوبي كاسترو السلطة. ويرى كذلك انه في حالة كوبا، التي ظلت خاضعة لسياسة العقوبات الاميركية لفترة أربعة عقود تقريبا، يجب ان تكون الولايات المتحدة على استعداد لمرحلة ما بعد كاسترو، اذ يرى احتمالات نجاح هذه السياسة ستكون أكبر اذا أدت العقوبات الى اتاحة الفرصة للتعامل مع المجتمع الكوبي.

يقول لي هاميلتون، مدير مركز وودرو ويلسون بواشنطن ورئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس النواب الاميركي، ان العقوبات «لم تكن ذات فائدة».

* (خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»، خاص بـ«الشرق الأوسط»).