مصدر سوري يرد على منتقدي حديث الرئيس السوري حول استبدال الجولان بلبنان والمقارنة بهونغ كونغ وهانوي وخرائط شبعا

قراءة سورية لردود الفعل اللبنانية حول حديث الأسد (2 ـ 2)

TT

تنشر «الشرق الأوسط» اليوم القسم الثاني والأخير من الإجابات السورية على ردود الفعل اللبنانية حول الحديث الأول الذي أدلى به الرئيس بشار الأسد إلى «الشرق الأوسط» بعد تسلمه الرئاسة في سورية. وكان القسم الأول الذي نشر أول من أمس قد ركز في مجمله على ما قاله الرئيس الأسد في اتفاق الطائف لما استأثر به هذا الموضوع من اهتمام لدى عدد كبير من المسؤولين والقياديين والسياسيين والكتّاب والمحللين ومختلف الأحزاب والتيارات في لبنان. وقد رد مصدر سوري مطلع ومحلل سياسي سوري متخصص في الشؤون اللبنانية على أسئلة «الشرق الأوسط» التي رصدت أبرز النقاط التي أثيرت في الحديث وفي ما يلي نص الحوار:

* انطلق البعض من قول الرئيس الأسد بأن تنفيذ اتفاق الطائف والوجود العسكري السوري في لبنان موضوع لبناني ـ لبناني وليس سورياً مسيحياً ليرد إذا كان هناك خلاف لبناني ـ لبناني على تنفيذ اتفاق الطائف فهو تحديداً حول الوجود السوري في لبنان وهذا يعني في نظر البعض أن سورية جزء من الخلاف.. الخلاف السياسي الأساسي اليوم هو هذا الموضوع.. ماردكم على ذلك؟

ـ سورية هنا ليست طرفاً في الخلاف بل هي الموضوع. وبالنسبة لآلية الحوار اللبناني الداخلي فلا دور لسورية في توضيحه إلا إذا طُلب منها ذلك فهو حوار لبناني ـ لبناني يشترك فيه الجميع مع الدولة اللبنانية وعند التوصل إلى رؤية مشتركة فالدولة هي التي توصله إلى سورية أي أن الحوار السوري اللبناني هو حوار باتجاهين بين الدولتين.. سورية تنقل نتائج الحوار للحوار الذي تجريه مع الشخصيات اللبنانية إلى الدولة في «حوار للقرار» والدولة اللبنانية تنقل نتائج «حوارها للحوار» مع اللبنانيين في «حوار للقرار» مع سورية.

* ماذا عن رفض فريق من اللبنانيين قول سورية بأن الحكومة اللبنانية تنطق وحدها باسم كل اللبنانيين وقول بعض المعارضين ان السلطة التشريعية لا تمثلهم، في الوقت الذي يشدد فيه الرئيس الأسد على أن كل حوار وصولاً إلى قرار يجب أن يتم من خلال السلطة اللبنانية؟

ـ الديمقراطية حكم الأكثرية لا حكم الأقلية والحكم يتطلب توجيه الدولة بالشكل الذي تراه الأكثرية.. ثم إن مقاطعة الانتخابات والحياة السياسية كانت خياراً لم يُجبر أحد عليه.. هم أخرجوا أنفسهم ولم يخرجهم أحد.. وكذلك يجب تأكيد أن من يعتبر السلطة التشريعية المنتخبة من اللبنانيين لا تمثل الشعب اللبناني فهو يتهم المواطن اللبناني الذي صوت لممثليه، وفي ذلك إهانة فاضحة.

* طالب منتقدون للحديث بتصفية القلوب وعدم البحث عن مؤامرات خارجية وراء كل تصريح أو موقف معارض أو يختلف في وجهة النظر مع السلطات الحاكمة. ما تعليقكم على هذا الطلب؟

ـ الحديث عن مؤامرات خارجية يأتي من خلال التحليل انطلاقاً من كوننا لا نعيش معزولين عن محيطنا ومن يتحدث بهذا الشكل يعيش رومانسية سياسية.. ألا نرى يومياً القتل والتدمير في فلسطين؟ أليست إسرائيل موجودة؟

* بعد العملية الأخيرة التي قامت بها المقاومة في مزارع شبعا وأدت إلى مقتل جندي إسرائيلي وجرح آخرين كثر الحديث عما سمي «منطق المقاومة» و«منطق الدولة» وثمة من استعار كلمات من حديث الرئيس بشار الأسد إلى «الشرق الأوسط» للإيحاء الى أن المقاومة لها وضعها المستقل عن الدولة اللبنانية، بمعنى أنها دولة داخل لبنان. كما أن سورية تستعين بها للضغط على إسرائيل لإقناعها بالتخلي عن الأراضي السورية المحتلة عام 1967. كيف تنظرون إلى هذا الموضوع؟

ـ هذه مسألة مهمة وكثيراً ما يوظفها البعض لإثارة الحساسيات.. فعندما تتخذ المقاومة قرارها بمعزل عن الدولة ويكون هذا معروفاً للجميع في العالم فإن قرارها غير ملزم للدولة وهنا يظهر الفرق بين المقاومة والجيش النظامي الذي تكون الدولة مسؤولة عن جميع تصرفاته..لا بد من الاحتفاظ بهذا الهامش ومن يطرح غير ذلك يريد الربط بينهما لينهي هامش المناورة ولينهي المقاومة.

المسألة الثانية أن أغلب من يحمل على المقاومة اليوم لم يكن له دور في تحقيق اندحار إسرائيل ولا مقاومتها منذ عام 1982 وحتى اندحارها وبالتالي لا يحق له أن يقوم بتقييم دور المقاومة ولا أن يدلي بآراء حول استعادة القسم المحتل المتبقي من الأراضي اللبنانية وأعني مزارع شبعا. وكل من ساهم بالتحرير، سواء من الداخل أو الخارج، هو الذي يحق له هذا فقط. أما عن الضغط السوري عبر المقاومة لإقناع إسرائيل بالتخلي عن الأراضي السورية المحتلة فنذكر من تخونه الذاكرة بأن عروضاً عديدة قدمت خلال عملية السلام للرئيس حافظ الأسد بالانسحاب من الجولان ما عدا شريط ضيق بعرض 200 متر واستمر ذلك دوماً وحتى بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، وأن الرئيس الراحل رفض تلك العروض وكذلك الرئيس بشار الأسد الذي كما يعلم الجميع ربط التوقيع على معاهدة سلام بحصول سلام عادل وشامل يشمل لبنان وفلسطين وسورية وفي هذا الموقف أبسط إجابة على هذه الإدعاءات.

* بما أن الشيء بالشيء يذكر.. لماذا لا تعتمد سورية أسلوب المقاومة من أجل تحرير الجولان وهل ترون أن من الأفضل عدم نشر الجيش اللبناني في الجنوب؟

ـ سأجيب عن السؤالين من وجهة نظر تحليلية عبر النقاط التالية:

لنعد إلى بدايات المقاومة.. المقاومة بدأت في لبنان في ظل عدم وجود جيش لبناني على عكس الواقع في سورية حيث الجيش موجود ومرتبط باتفاقية فصل القوات. إسرائيل كما نعلم تحسن التعامل مع الجيش النظامي ولا تحسن التعامل مع المقاومة كما ثبت في لبنان ولكن في سورية هناك جيش نظامي تم توظيفه عند الضرورة وبعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) فيما سمي حرب الاستنزاف التي أثبتت أن سورية قادرة على استنزاف إسرائيل وحدها.. وقد أدى ذلك في حينه إلى تحقيق نتائج ملموسة.. وصولاً إلى الاتفاقيات التي أصبحت تنظم فصل القوات.. وهنا يمكن أن نفهم لماذا لا يتم إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب لأنه سيحول الوضع في هذه المنطقة إلى ما يشبه الوضع في الجولان مع فارق بأنه لا توجد اتفاقية للفصل بين القوات في الجنوب كما نشير إلى اختلاف مهمة القوات الدولية بين لبنان وسورية ففي سورية هي ناتج لاتفاقية فصل القوات بينما في لبنان فالموضوع ليس كذلك مما يمكن إسرائيل من أن تقوم باعتداءات لا يشكل الجيش اللبناني رادعاً كاملاً لها فيما المقاومة أقدر على الردع أمام إسرائيل من الجيش النظامي.

المقاومة في لبنان نجحت لأن الوضع الموجود على الساحة السورية مختلف فعندما تتوقف الحرب بين جيشين نظاميين تقوم الدولة المعتدية ببناء تحصينات من نوع خاص وهو ما حصل على الجبهة السورية بينما لم يكن هذا موجوداً في لبنان مما مكن المقاومة من الدخول والعمل. وبالتالي ففي الجولان لا توجد إمكانية لحركة العناصر بين المنطقتين المحتلة والمحررة كما هي في الجنوب.

إسرائيل عمدت في الجولان إلى تدمير القرى وطرد السكان وقد تسبب ذلك في عدم وجود كثافة سكانية تسمح باختفاء العناصر المقاومة بينما في لبنان هذه الكثافة السكانية موجودة.

الجيش في أي دولة لا يكون على الحدود المباشرة أمام عدو بل في المعسكرات وعلى بعد عشرات الكيلومترات كيلا يقع تحت تأثير المدفعية المباشر والتي يصل مداها إلى 27 كيلومتراً وهو لا يتحرك إلا عند إعلان الحرب. وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون القوات على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود كما هو حاصل في سورية وكذلك في لبنان حيث يتمركز الجيش اللبناني في ثكناته خارج مدى المدفعية الإسرائيلية..

الطبيعة في الجولان ليست وعرة كما في الجنوب اللبناني حيث هناك أحراش وبساتين تسهل حركة المقاومة ولا بد من التذكير هنا بأن إسرائيل كانت تعمد إلى إحراق البساتين لتغيير طبيعة المكان والتقليص من فاعلية المقاومة.

المقاومة في الجولان اتخذت أشكالاً مختلفة، منها رفض الضم ورفض الجنسية الإسرائيلية وعدم النزوح. وبالنظر إلى أن تعداد السكان السوريين في الجولان لا يشكل أكثر من 15000 نسمة فإن هذا يزيد من صعوبة قيام مقاومة في الجولان شبيهة بما هو قائم في لبنان خصوصاً في ظل العزل الكامل للجولان عن محيطه السوري، بينما هذه ليست حالة الجنوب اللبناني أو الضفة وبالتالي فمقومات المقاومة المسلحة في الجولان مفقودة عملياً.

7- مساحة الجولان أكبر من الجنوب اللبناني والسكان موزعون في عدد محدود من القرى لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة بحيث يصبح حصارهم سهلاً.

* ما صحة ما ذكر عن وجود تفاهم لبناني ـ سوري على تجنب الاستفزازات على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية؟

ـ استغرب كيف يمكن أن يكون هناك تفاهم على تجنب الاستفزاز والاستفزاز تقوم به إسرائيل حصراً.

* قالت قيادات لبنانية إن على لبنان أن يختار بين أن يكون هانوي أو هونغ كونغ اذ لا يمكن أن يكون الاثنتين معاً. كما تردد أن سورية لا تريد للبنان أن يكون هانوي فأي لبنان تريده سورية؟

ـ سورية تريد لسورية أن تكون سورية، وللبنان أن يكون لبنان، وهذه التشبيهات ليس لها معنى ولا مكان. المقاومة مستمرة منذ أكثر من 15 عاماً لتحرير الجنوب فكيف كان حال الاقتصاد سابقاً وهل تم تدمير الاقتصاد اللبناني فقط الآن.. الاقتصاد اللبناني قادر على التطور كما تطور سابقاً. ثم إن أي محلل سياسي يكتشف ببساطة أن تحقيق التهدئة لن يؤمن الاستثمارات فها هي المقاومة اعتمدت تهدئة لشهرين لأسباب ميدانية وعملياتية ومع ذلك قامت إسرائيل بعدد من الخروقات لجدار الصوت وللخط الفاصل كما سقط لبنانيون على الحدود.. فهل تهدئة المقاومة قابلتها تهدئة إسرائيلية ؟ طبعاً لا..لقد قابلها استفزاز وتهديدات يومية. أما منع الاستثمارات فهو وسيلة ضغط على لبنان للنيل من صموده، وهو قرار سياسي خارجي المقصود منه تحييد المقاومة. وعندما يؤمن الجميع أن لبنان لن يخضع للضغوط تعود الاستثمارات كما كانت.على كل الأحوال إن أكثر ما يشجع على قيام الاستثمارات في لبنان هو الاطمئنان لمتانة الوضع السياسي الداخلي وما يحصل اليوم في تركيا دليل على أهمية دور الاستقرار السياسي في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتنميته.

* يطالب نواب في لبنان بحصول الدولة اللبنانية على وثائق وخرائط سورية تثبت ملكية لبنان لهذه المزارع أو بقيام الدولتين بتحرك في الأمم المتحدة للتأكيد على أن مزارع شبعا أرض لبنانية حتى لا يبدو لبنان في سعيه لاستردادها وكأنه يسعى لتحرير أرض ليست لبنانية؟

ـ قدمت سورية كتاباً رسمياً إلى الأمم المتحدة أبرزت فيه لبنانية مزارع شبعا.. أما عن الخرائط والوثائق التي تثبت الملكية فكيف يمكن لدولة لا تمتلك أرضاً أن تمتلك لها خرائط تفصيلية؟ فشبعا أرض لبنانية ولبنان هو الذي يمتلك الخرائط الخاصة بها وبجميع أشكالها الطوبوغرافية والعقارية.. لقد سمعنا من يطالب بقيام لبنان وسورية بترسيم للحدود بينهما في منطقة مزارع شبعا ويعني ذلك أن تطلب الدولتان من إسرائيل أن «تتلطف» وتنسحب لأيام قليلة من مزارع شبعا لكي تقوم الفرق الفنية بعملية ترسيم الحدود ثم تنسحب بعد إتمام المهمة لتعود إسرائيل إلى احتلالها للمزارع وهذا لا يقبله عقل ولا منطق،

* لكن القائلين بالترسيم يرون أنه من الضروري حصول ذلك حتى يتم إلحاق المزارع بالقرار 25 القاضي بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي اللبنانية المحتلة وهذا يتيح للمقاومة القيام بعملها بشكل شرعي، بينما القرار 425 الذي تخضع شبعا له ينص على التفاوض..

ـ هذا الأمر يدعو للاستغراب إذ متى كانت المقاومة الشعبية تنتظر القرارات ؟.. المقاومة لا تنتظر لا القرارات ولا الآليات لأنها نشأت أصلاً نتيجة عجز تلك القرارات عن أن تنفذ وبالتالي كيف تخضع لها؟ عندما عملت المقاومة الفرنسية على تحرير فرنسا من ألمانيا النازية.. هل انتظرت قرارات؟ ويخطئ من يعتقد بأن القرار 425 تم تنفيذه لأن إسرائيل لم تطبق القرار بل اندحرت وإلا فلماذا لم تطبقه منذ صدوره قبل 22 عاماً من اندحارها؟

* تساءل أحد الكتّاب البارزين عما رمى إليه الرئيس الأسد حين زعم أنه قال بأن العلاقة بين لبنان وسورية لا يجوز أن تؤدي إلى تقزيم لبنان؟

ـ قال الرئيس بأن العلاقة اللبنانية ـ السورية لا يمكن أن تسمى الملف اللبناني كما درج اللبنانيون على تسميتها، وبأن في هذا تقزيم للبنان. والنص الذي تورده هنا مخالف لنص كلام الرئيس اعتقاداً ممن نقله بأن القارئ لم يقرأ نص الحديث فهل هذا من شيم من يدعي القراءة الدقيقة لنص بين يديه؟

* أدى الحديث عن العلاقات اللبنانية ـ السورية إلى ظهور أصوات تطالب بعلاقات دبلوماسية بين البلدين لماذا لا تقوم مثل هذه العلاقات؟

ـ يقوم المجلس الأعلى السوري ـ اللبناني مقام التمثيل الدبلوماسي وتنظم أعماله معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق التي تتضمن وجود أجهزة متعددة للتنسيق وهي المجلس الأعلى والأمانة العامة وهيئة المتابعة والتنسيق إضافة إلى الأجهزة المتخصصة بالشؤون الخارجية والشؤون الاقتصادية والاجتماعية وشؤون الأمن والدفاع.. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الأمين العام للمجلس لبناني وهو يمثل السفير السوري في لبنان والسفير اللبناني في سورية مع أنه لبناني ومن الطائفة المارونية فهل هناك أي تمثيل دبلوماسي بين دولتين يضم كل هذه الأجهزة ويؤمن للبنان وسورية الظروف المثلى لذلك التمثيل؟

* اعتبرت أوساط سياسية في لبنان إشارة الرئيس الأسد إلى التراتبية ضمن الهرم السياسي في لبنان وتأكيده على أن من الطبيعي ألا يكون موقع رئيس الجمهورية مساوياً لأي موقع آخر مغالطة دستورية حيث أن الدستور اللبناني يختلف عن الدستور السوري من حيث تحديد صلاحيات السلطات الثلاث بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء.

ـ في موضوع التراتبية.. لا بد من التمييز بين التراتبية والصلاحيات والأعراف السياسية. القائلون بما ذكر لم يفرقوا بين التراتبية والصلاحيات. في العالم كله التراتبية متشابهة والدليل الأساس أن رئيس الجمهورية في لبنان يمثل الرئاسة الأولى وهو الأول في تمثيل لبنان أما الثاني فهو رئيس المجلس النيابي بينما الثالث في تمثيل لبنان فهو رئيس الحكومة. وعندما يقوم أي ممثل لدولة بزيارة إلى دولة أخرى فمستوى الاستقبال الأهم هو للرئيس وزيارة الدولة هي للرئيس بغض النظر عن صلاحياته، بينما يستقبل أي رئيس آخر من قبل مثيله. فحين يزور أي رئيس دولة يملك الصلاحيات دولة لا يملك رئيسها الصلاحيات فهو على كل الأحوال ضيف عليه ويزوره أولاً ثم يستقبل رئيس الوزراء صاحب الصلاحيات. وهنا ننتقل للصلاحيات بعد التراتبية.. الصلاحيات تختلف بين بلد وآخر حسب الدستور. وفي الدولة التي يمتلك فيها الصلاحيات رئيس الوزراء فهو الذي يفاوض أو يجري المحادثات مع رئيس الجمهورية الضيف الذي يمتلك الصلاحيات. التراتبية شيء والصلاحيات شيء آخر.

الأمر الثاني أن الطريقة التي حددها الرئيس بشار الأسد للتراتبية ضمن العلاقات اللبنانية السورية ليست جديدة بل هي موجودة منذ عهد رئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي الذي كان دائماً الرئيس الأول لدى الرئيس حافظ الأسد وكذلك العماد لحود بعد انتخابه رئيساً للبنان واستمر الأمر كذلك. وهنا نأتي إلى الأعراف السياسية.. بالنسبة للأعراف في لبنان..رئيس الجمهورية يمثل طائفة الموارنة ورئيس مجلس النواب يمثل الشيعة ورئيس مجلس الوزراء يمثل طائفة السنة وهذا غير مذكور في الدستور بل مستقى من الأعراف السياسية اللبنانية. النقطة الأخيرة التي يجدر طرحها هنا هي: هل من الممكن أن يحاور رئيس الجمهورية السوري صاحب الصلاحيات مجلس الوزراء اللبناني صاحب الصلاحيات مجتمعاً أم يناقش رئيس الجمهورية مثيله في التراتبية والممثل للبنان والمترئس لجلسات مجلس الوزراء؟

* لفت أكثر من محلل سياسي إلى أن الرئيس الأسد ركز في إجاباته على الشارع الفلسطيني وتحاشى الحديث عن السلطة الفلسطينية وكأنها غير موجودة، كما نسب إلى المواطن الفلسطيني إدراكه بأن بين حكومته ودمشق ما طرقت أوسلو ومدريد وصنع الحداد ليخلص إلى القول بأن دمشق لا تأخذ رأي الشارع اللبناني في ما يخص الشكوى من الوجود السوري بينما تعير اهتماماً للشارع الفلسطيني؟

ـ هذه المقارنة بين سورية في لبنان والإسرائيليين في فلسطين مرفوضة تماماً ومن جميع الجوانب.. ومع ذلك فلا بد من التذكير بأن سورية لم تعترف بعد بوجود دولة فلسطينية لأنها غير موجودة. كما أنها لم تعترف بأوسلو التي ثبت موتها.ومن هنا استخدم الرئيس الأسد تعريفات مثل «الجانب الفلسطيني، المسؤولون الفلسطينيون، الموقف الفلسطيني» بينما لم يلفت المحلل إلى هذا.

بالنسبة للشارعين اللبناني والفلسطيني.. الشارع اللبناني دعم المقاومة ودعم حكومته في توجهاتها مع المقاومة. أما الشارع الفلسطيني فهو لا يدعم حكومته منذ توجهاتها في أوسلو وهو يقوم بانتفاضته لتحديد السقف الذي على السلطة ان تعمل من خلاله. بكلمات أخرى.. الانتفاضة هي رأي الشارع الفلسطيني وهي غير خاضعة لا لدولة ولا لسلطة، فمن الطبيعي أن يتحدث الرئيس هنا عن الشارع. أما في لبنان فهناك شارع وهناك دولة ومن الطبيعي أن يتم التركيز على الدولة التي تتحدث باسم هذا الشارع إلا إذا كان البعض يريد أن يتم إلغاء دور الدولة.

* حمل قائد الجيش اللبناني السابق العماد ميشال عون بعنف على ما ورد في حديث الرئيس الأسد في ما يتعلق بالموضوع اللبناني، ورأى أنه تم استبدال لبنان بالجولان. كما تحدث عما يجول في فكر القيادة السورية إزاء العديد من المواضيع اللبنانية، ما هو موقفكم مما قاله عون؟

ـ عون من خلال هذه التصرفات أنهى نفسه بسرعة بعد أن حاول أن يظهر كرجل سياسي، فرجل السياسة لا يستفز إلى الدرجة التي ظهر بها، فقد كان فاقداً لأعصابه تماماً نتيجة لحديث الرئيس إذ أنه بدأ بالتنطح لسورية ولرئيس الجمهورية اللبناني ثم انتقل بعدها إلى أشخاص أدنى مرتبة ولا نعرف أين سيصل به الانتقاد ولأي مستوى، وبالتالي فعندما يهاجم عون أو ينتقد الموقف السوري يكتسب هذا الموقف مصداقية جديدة.

أما طروحاته عن أن سورية تسعى إلى لبنان كبديل عن الجولان، فالظاهر أنه لا يقرأ حتى الصحف ليعرف أنه عُرض على سورية 99% من الجولان ولم تقبل.. إذاً سورية ليست عاجزة عن استعادة الجولان لتقبل بلبنان بدلاً عنها.. سورية لا تقبل إلا بالسلام الشامل. وهنا نشير إلى بعض أصحاب الأقلام المعروفين الذين سوقوا افكار عون هذه بعد مقابلته التلفزيونية وخالفهم الحظ والذاكرة.. أما عما يجول في فكر القيادة السورية فلا بد من القول بأننا بدأنا نشك بقدرات عون فوق الانسانية عندما يدعي معرفة ما يدور في فكر القيادة السورية، فهل هو موجود في أفكارهم؟ لا شك أن إقامته في فرنسا جعلته يتلهى بأمور الماورائيات فنسي السياسة إلا خلال اللقاءات التلفزيونية.

* لوحظ أن افتتاحيات نشرت وبيانات أصدرتها أحزاب وتيارات سياسية معروفة بخطها المعادي لسورية حملت بعنف على حديث الرئيس الأسد. ما هي ردة فعلكم على ذلك؟

ـ طبعاً هذا متوقع ومعروف.. ولكن في الحقيقة كان من الممتع تسجيل مدى تكرار بعض الأفكار وفي كل مرة بصياغة مختلفة. وكان من الممتع والمعيب أيضاً أن نسجل فكرة ترد في مقال لتتكرر لاحقاً وبأشكال متعددة وعلى مدى أسبوع. وقد يكون مطلق هذه الفكرة سياسي فتلقفها بعض المحللين والكتّاب وراحوا يكررونها في كتاباتهم أو العكس، ولكن المثير للاستغراب كان ضحالة هذا الواقع لدرجة أن رئيس تحرير معروف كرر أفكاراً وردت لدى محرر في صحيفته وقبل يومين فقط. بشكل عام تلك الأصوات ارتفعت في محورين: مهاجمة الوجود السوري في لبنان ومهاجمة واستثارة الوضع الداخلي السوري اعتقاداً أن الموضوعين إن طُرحا معاً فهذا يؤثر على سورية. حديث الرئيس حسم الموضوعين معاً وهذا ما خيَّب آمالهم وأحبط رهاناتهم.. كانت الفكرة أن الرئيس الجديد متساهل ولين وهذا من الممكن أن يوصل لبنان وسورية إلى ما يطمحان إليه.. الحديث أعطى الرد الحاسم فبين بالتحليل الواضح والوقائع شرعية الوجود السوري في لبنان، وبين أن سورية قوية كما كانت دائماً وهذا أثلج صدور المعاضدين لسورية ونهجها القومي وصمودها في وجه إسرائيل وأزعج المعارضين لذلك.. وما ردودهم والجدل الذي أثاره الحديث إلا الدليل الواضح على إنزعاجهم وإحباطهم. في النهاية، هذه الحملة من بعض الجهات يمكن تصنيفها في نوعين: نوع يؤكد صوابية الموقف السوري، ونوع آخر مسلٍ بعد يوم طويل من العمل بانتظار حملات أخرى.