طالبان تقصف آثار أفغانستان التاريخية بالدبابات والصواريخ وسط موجة غضب عالمي

الهند ومتحف المتروبوليتان يعرضان شراء التماثيل والاتحاد الأوروبي يشعر بالصدمة

TT

باريس: انعام كجه جي كابل ـ عواصم العالم:

«الشرق الأوسط» والوكالات قصفت قوات حركة طالبان الاصولية الحاكمة بالمدفعية الثقيلة والدبابات والصواريخ قصيرة المدى تماثيل بوذا الضخمة في مدينة باميان الافغانية لتدميرها ومحوها نهائيا، باعتبارها، كما اعلن رسميا، اصناما لا يجوز الابقاء عليها شرعا. وجاء ذلك وسط موجة غضب عالمي عارمة وانتقادات من دول اسلامية لتصرف طالبان.

وقال مسؤول في طالبان طلب عدم الكشف عن اسمه ان عناصر الحركة «قاموا بقصف التماثيل بالدبابات والقذائف المضادة للدروع وبكل ما يملكون من اسلحة». واضاف: «لقد اطلقنا قذائف مورتر ومدفعية على تمثالين شهيرين لبوذا في باميان امس»، رغم الاحتجاجات والمناشدات الدولية لانقاذ الاثار البوذية القديمة في البلاد.

فبعد يوم واحد من اعلان طالبان انها بدأت في تحطيم كل التماثيل في 90% من مساحة افغانستان التي تسيطر عليها قالت وكالة الانباء الاسلامية الافغانية ان طالبان تقوم بجمع متفجرات لنسف تمثالي بوذا الكبيرين لفشلها في تدميرهما بالمدفعية والدبابات والصواريخ. وقالت مصادر طالبان انه يجري بالفعل اطلاق قذائف المدفعية والمورتر على التمثالين الضخمين بدون توقف.

وزرعت قوات طالبان متفجرات في الفوهات المحفورة في الصخور التي نحتت فيها تماثيل بوذا. وقال مصدر رسمي في حركة طالبان: «ليس هناك من طريقة اخرى لتدمير هذه التماثيل العملاقة التي يصل ارتفاعها الى 55 مترا». وقال مسؤول في طالبان طلب عدم الكشف عن اسمه: «انهم يستخدمون اي سلاح يملكونه لتحطيم التمثالين.. وتم وضع متفجرات مثل البارود اسفل التمثالين من اجل تأثير اكبر». واضاف انه جرى احضار متفجرات من اقاليم اخرى واجلاء السكان من الاماكن القريبة من التمثالين. واوضح ان المتفجرات ستستخدم في نسف التمثالين الاثريين اللذين يبلغ ارتفاع احدهما 38 مترا والاخر 53 مترا.

ولم يرد تعقيب رسمي من طالبان التي رفضت نداءات دولية بعضها من دول اسلامية لانقاذ التراث الثقافي الغني للبلاد الواقعة على طريق الحرير القديم. الا ان مسؤولي الحركة اوضحوا بجلاء انهم لن يتأثروا بأي مناشدة فيما يعتبرونه واجبا عليهم وهو «تحطيم الاصنام» تنفيذا لأوامر زعيمهم الملا محمد عمر. ونقلت وكالة بختار الرسمية للانباء عن وكيل احمد متوكل وزير خارجية طالبان قوله لمبعوث الامم المتحدة الخاص الى افغانستان فرانسيس فندرل الذي وصل الى كابل حاملا مناشدة من الامين العام للامم المتحدة كوفي انان: «هذه التماثيل لا تمثل فخرا لنا». وبعد ذلك نقلت وكالة الانباء الاسلامية الافغانية عن جمال قوله انه تم تحطيم عشرات التماثيل في المتاحف بالعاصمة كابل ومدينة غزنة الجنوبية وهرات في غرب البلاد اضافة الى فارم هادا بالقرب من جلال اباد في الشرق.

وفي احاديثهم الشخصية ينتقد مواطنون افغان، بل وبعض المسؤولين، قرار الملا عمر بتدمير التماثيل الأثرية في انحاء البلاد.

وعلى صعيد ردود الفعل الدولية الغاضبة والحزينة لتدمير التراث النحتي الافغاني الذي يعود الى مايزيد على الفي عام، ولا يمكن تعويضه، عرضت الهند امس رعاية تلك الاثار من اجل البشرية جمعاء. وقال وزير الخارجية الهندي جاسوانت سينج: «اذا كانت طالبان غير راغبة في الاحتفاظ بذلك التراث فان الهند يسعدها ترتيب نقل كل هذه الاثار من اجل البشرية جمعاء مع العلم والفهم الكاملين بانها في المقام الاول وقبل كل شيء كنوز تخص الشعب الافغاني». ومن المؤكد ان يضيف قرار طالبان الاخير من صعوبة فرصها الضئيلة اصلا في الحصول على اعتراف دولي بها كحكومة شرعية في افغانستان.

وأدانت الولايات المتحدة وروسيا المعارضان الرئيسيان لطالبان تدمير التراث الافغاني العريق. اذ قالت روسيا: «تخريب طالبان المتعمد لاشياء مادية تنتمي للتراث الروحي الغني القديم في البلاد يظهر عداءها الواضح للقيم المشتركة للانسانية». ووصفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) حملة طالبان بأنها ازمة للتراث الانساني. وحثت الدول الاسلامية على المساعدة في وقفها.

وفي نيويورك عرض متحف متروبوليتان في نيويورك شراء التماثيل بدلا من تدميرها، وعرضها في اميركا. ودعا فيليب دو مونتيبيلو مدير المتحف حركة طالبان الى التوقف عن تدمير التماثيل والاعمال الفنية الافغانية التي لايمكن تعويضها عارضا عليها الاحتفاظ بها في متحفه. وقال «نأسف لتدمير نماذج مهمة عن التراث الثقافي العالمي، ونطلب من طالبان ان تتوقف عن عملية التدمير، واذا اعتبرت ان هذه التماثيل مزعجة، فنحن مستعدون على ان نتوجه مع خبراء وان نتحمل جميع النفقات وبالتعاون معها، ان نأخذ القطع الممكن نقلها للاحتفاظ بها في المتحف».

وانضمت باكستان وهي من حلفاء طالبان القلائل الى الاستنكار الدولي. وقالت الخارجية الباكستانية: «تولي باكستان اهمية كبرى وتؤيد الحفاظ على التراث التاريخي والحضاري والديني للانسانية».

وفي برلين قالت الخارجية الالمانية: «ان المانيا روعها التدمير المتعمد للاثار الحضارية في افغانستان وان اتلاف تمثالي بوذا الفريدين على ايدي طالبان لا يمكن تبريره».

واطلقت نيبال مسقط رأس بوذا ودول بوذية مثل تايلاند وسري لانكا تحذيرا من اصرار طالبان على تدمير الثراث البوذي في افغانستان، والذي يمثل قرونا من التراث البوذي الذي يعود الى الحقبة التي كانت خلالها افغانستان مركزا لهذه الثقافة قبل دخول الاسلام اليها. وقال جيان تشاندرا اتشاريا الناطق باسم وزارة الخارجية في نيبال: «نحن ندين العمل المشين لطالبان ونهيب بالمجتمع الدولي توحيد الجهود من اجل الحفاظ على سلامة الاثار البوذية».

وأعرب الاتحاد الاوروبي عن شعوره بالصدمة وحث قادة طالبان على اعادة التفكير في الامر. وقالت الهند انها ستحشد الجهود من اجل وقف هذا التحرك الذي وصفته روسيا بانه تخريب متعمد. وقالت تايلاند امس انه ينبغي لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) شراء تماثيل بوذا التاريخية والتي لا تقدر بثمن من حكام حركة طالبان قبل تحطيمها. واضافت: «طالبان تحتاج الى المال لتمويل انشطتها التنموية بينما ترغب اليونسكو في الحفاظ على التراث العالمي. وطالبان لن تبيع التماثيل للاميركيين ابدا بسبب كرهها لهم».

وفي القاهرة قال الكاتب الاسلامي المصري فهمي هويدي امس ان تصرف طالبان يمثل مخالفة للاسلام الذي يحترم الحضارات الاخرى حتى اذا كانت تتضمن اثارا مخالفة للاسلام. واضاف: «الاسلام حريص على احترام ثقافات الآخرين حتي لو كانت تشتمل على عقائد مخالفة لعقيدة الاسلام».

وفي باريس اعلنت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) امس ان مديرها العام كويشيرو ماتسورا اوفد مساء بشكل طارئ «مبعوثا خاصا» الى افغانستان حاملا رسالة الى حركة طالبان يدعو فيها الى اعادة النظر في قرار تدمير التماثيل العائدة الى حقبة ما قبل الاسلام». واضاف انه «اختار شخصية معروفة جدا ومحترمة من المتخصصين في هذه القضية، وهو من كبار المطلعين على قضايا الشرق الاوسط، وآسيا الوسطى». لكنه رفض الكشف عن اسم هذه الشخصية التي ارسلت الى افغانستان.

وقال مبعوث للأمين العام للامم المتحدة امس انه حذر حركة طالبان من رد فعل مدمر اذا نفذت خطتها ودمرت جميع التماثيل التاريخية في افغانستان.

وقال فرانسيس فندريل مساعد الأمين العام ورئيس البعثة الخاصة للامم المتحدة في افغانستان انه ابلغ وزير خارجية طالبان وكيل احمد متوكل بأن يتوقع غضبا عالميا في اجتماع استغرق ثلاث ساعات في كابل مساء الخميس الماضي. واضاف لدى عودته من اجتماعات اخرى في سفارة طالبان في اسلام اباد: «نقلت اليه قلق الامين العام الشديد للغاية وقلق المجتمع الدولي، وطلبت منه ان ينقل الى القيادة ان تنفيذ القرار سيكون له اثار مدمرة على صورة طالبان في الخارج وسيخدم اعداء طالبان». وقال انه يأمل في ان تكون التقارير الواردة من مسؤولي طالبان في كابل والتي قالت انهم بدأوا بالفعل عملية التدمير المنظم ولاسيما لتمثالي بوذا اللذين يعتبران من الكنوز الثقافية العالمية في اقليم باميان لا اساس لها من الصحة. واضاف: «وآمل الا يكون صحيحا لأنه لو كان ذلك صحيحا فان رد الفعل الدولي سيكون سلبيا للغاية».

وقال فندريل انه اقترح على متوكل سبلا لانقاذ التماثيل دون ان يعلم ان وزير الثقافة والاعلام في حكومة طالبان الملا قدرة الله جمال كان يصرح في الوقف نفسه للصحافيين في كابل بأن عملية التدمير بدأت. وقال فندريل: «أنصت بعناية بالغة لما ذكرته لكنني لم احصل على أي التزام بأن القرار لن ينفذ».

وفي طهران، اعربت الحكومة الايرانية امس استهجانها لتدمير التماثيل الافغانية. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية: «ان الآثار الموجودة في افغانستان تعتبر تراثا وطنيا وثقافيا لهذا البلد، وجزءا من تاريخ حضارات المنطقة، وبالتالي هي ملك للبشرية جمعاء».

واضاف: ان قرار طالبان مؤشر على تحجر فكرها وتزمته، ومحاولاتها المستهجنة لتقديم صورة سيئة عن الاسلام».