حقل من الألغام ينتظر الاتحاد الأفريقي وهو يبدأ أولى خطواته

TT

مع اعلان الاتحاد الافريقي في قمة سرت بليبيا أمس وفي انتظار دخوله حيز التطبيق بعد 30 يوما من مصادقة ثلثي اعضائه على القانون الاساسي لتأسيسه، يذكر خبراء القادة بالتحديات التي سيواجها هذا الاتحاد وهو يخطو خطواته الاولى في «حقل من الالغام» وصولا الى آليات فعالة تحقق طموحات شعوب القارة وقادتها وفي مقدمتهم الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الذي لم يخف ان طموحه في النهاية هو الولايات المتحدة الافريقية «بل ان الاعلام الرسمي الليبي يتحدث عن «جيش افريقي» و«مجلس أمن افريقي».

واذا ما تحققت لهذا المشروع الوحدوي اغلبية الثلثين وهو ما يبدو مؤكدا في ضوء تصريحات معظم القادة فان المهمة التالية ستكون التعامل مع تركه منظمة الوحدة الافريقية التي تأسست عام 1963 ولم تحقق سوى نحو نصف ما حدده لها مؤسسوها من اهداف. ويبرر كبار مسؤولي هذا التكتل القاري الفشل النسبي بحقيقة ان المنظمة في عهد كان التركيز فيه على التحرر اولا وتوجب عليها في وقت لاحق التعامل مع مخلفات الاستعمار الاقتصادية والسياسية بما في ذلك الصراعات المسلحة سواء داخل دول القارة او في ما بينها وما ترتب على هذه النزاعات من تداعيات خطيرة ما زالت القارة تتخبط فيها.

ومنذ عام 1963 لم تدخل حيز التطبيق سوى 13 معاهدة او ميثاق صاغها ووقع عليها الافارقة من اصل 21 ميثاقا او معاهدة. وتقول مصادر المنظمة ان التصديق السريع على الآليات القانونية «ليس من التقاليد الحميدة» في الدول الاعضاء بالمنظمة. ومن بين اهم المعاهدات التي وقع عليها دون ان تتوفر حتى الآن اغلبية الثلثين من المصادقات «ميثاق ابوجا» الذي يقر اقامة التجمع الاقتصادي الافريقي و«الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب» كما ان احد ملاحقه يدعو لاقامة محكمة افريقية لحقوق الانسان. واذا كانت هذه المواثيق حديثة العهد نسبيا فان ثمة مواثيق صودق عليها منذ 32 او 25 عاما لكنها لم تدخل حتى الآن حيز التطبيق، ومنها الاتفاقية الافريقية الخاصة بالتعاون التقني. ويرى الخبراء القانونيون في منظمة الوحدة الافريقية ان المطلوب من قادة افريقيا وهم يغادرون ليبيا الى بلدانهم العمل على نبذ هذه «العادات الافريقية السيئة المتمثلة في الاستخفاف بالتوصيات والقرارات والمواثيق» وضمان عدم تحول مشروع «الاتحاد الافريقي» نسخة لمنظمة الوحدة الافريقية. والى جانب المواثيق التي ظلت حبرا على ورق تواجه القارة الافريقية نزاعات مسلحة من شأنها ان لم تلق حلولا عاجلة ان تجهض اي مسعى وحدوي. فهناك اكثر من 20 مليون نازح من بينهم نحو سبعة ملايين لاجئ وهو اكبر عدد بين جميع قارات العالم. ويقول جورج تارباح سفر، المدير التنفيذي لمنظمة حقوق التعليم المدني والديمقراطية وحقوق الانسان، ان قانون «الاتحاد الافريقي» يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار هموم اللاجئين الافارقة. واضاف سفر، وهو اصلا لاجئ من ليبيريا، ان من الاهمية بمكان التصدي لهذه المشكلة الخطيرة والحيلولة دون تفاقمها.

بيد ان التصدي لمشكلة اللاجئين يقتضي اولا التصدي لمسبباتها. ففي افريقيا تتأجج الصراعات والنزاعات الاهلية من ناحية وبين الدول من ناحية اخرى. ولا يبدو الحال افضل في شرق القارة لا سيما في القرن الافريقي رغم ما تحقق من تطورات ايجابية نسبية في الفترة الاخيرة لا سيما في ما يتعلق بالحرب الطاحنة بين اريتريا واثيوبيا. فهناك حركات تمرد في غينيا وليبيريا وسيراليون تقابلها حروب اهلية في السودان والصومال.

ولاول مرة في قمة سرت زاحمت قضايا صحية القضايا السياسية. وفي هذا السياق حذر مسؤولو منظمة الوحدة الافريقية من الخطر الذي يشكله مرض نقص المناعة المكتسب «الايدز» على مستقبل القارة جراء الانتشار الواسع والسريع لهذا المرض الفتاك. فقد حذرت ولالة بن بركة، ممثلة الامين العام للجنة الاقتصادية للامم المتحدة حول افريقا، من ان هذا الوباء يهدد حياة الملايين من الافارقة وانه قد يقتل في الشهور المقبلة من الافارقة ما يزيد على ضحاياه في كافة ارجاء العالم. وحسب احصاءات اميركية فان وباء الايدز خلف خلال الـ20 عام الماضية 23 مليون وفاة في العالم 17 مليون منهم في افريقيا. وتكمن خطورة هذه الارقام في ان القارة تضم 11 في المائة من سكان العالم يحمل 26 مليون منهم فيروس المرض من اصل 55 مليون شخص حامل لهذا الفيروس في العالم.

ما سبق هو مجرد بعض التحديات الآنية التي يواجهها الاتحاد الوليد ناهيكم من الاشكالات الاجرائية التي لم تحسم بعد وفي مقدمتها ما يتعلق بالبرلمان الافريقي المقترح والمصرف المركزي الاوروبي ومحكمة العدل الافريقية. فحرصا على اعلان مشروع الاتحاد رسميا في قمة سرت الثانية كان هنالك اجماع على المضي قدما واعلان هذا الاتحاد دون تسوية حازمة ونهائية لعدد من هذه الاشكالات. لكن ما يخشاه المراقبون هو ان تشل هذه الجوانب غير المحسومة عمل الاتحاد مستقبلا ويحوله نسخة لمنظمة الوحدة الافريقة وهذا بالتأكيد ما لا يريده واضع مشروعه ومدافعه الاول العقيد القذافي.