ألبان وادي بريسيفو يرفضون التعاون مع الصرب رغم تهديدات قادة الناتو

TT

يجلس القائد العسكري هاكسهيو (اسم مستعار) في مركز القيادة بقرية دوبروسين الواقعة في جنوب وادي بريسيفو الصربي. ويظهر على جدار المكتب علم ألباني كبير في وسطه شعار الصقر ذي الرأسين على خلفية حمراء. على الطاولة التي يجلس عليها هاكسهيو غلاف صاروخ، قال ان قوات الأمن الصربية أطلقته على قرية ألبانية.

يعتبر دوبروسين نفسه مناضلا في سبيل الأرض التي يقطنها حوالي 70 ألف ألباني وحوالي 30 ألف صربي. يقول هاكسهيو: «كل شعب يستحق ان يكون حرا، طالما الصرب مستمرون في الاعتداء على المدنيين وحرماننا من حقوقنا الأساسية.. سنواصل الدفاع عن حقنا المشروع في الحرية».

بالنسبة للمسؤولين الصرب يعتبر القائد العسكري هاكسهيو ارهابيا. اما بالنسبة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، فهو جزء من حركة متطرفة تهدد أمن واستقرار منطقة البلقان، وتؤجج نيران النزاعات والهجمات في كوسوفو وجمهورية مقدونيا التي كانت تابعة لجمهورية يوغوسلافيا السابقة. على العكس من كوسوفو، التي كانت تحت إدارة منظمة الأمم المتحدة منذ ضربات «الناتو»الجوية عام 1999، فان بريسيفو ليست محافظة منفصلة، لكنها شأنها شأن كوسوفو، فان الأغلبية العظمى من سكانها ألبان يشعرون بالمرارة تجاه ذكريات عشر سنوات تحت ظل الزعيم اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش. كما ان للكثير منهم أقرباء يعيشون في كوسوفو أو يذهبون بانتظام إلى العمل هناك.

الهدف واضح بالنسبة لمقاتلي «جيش تحرير بريسيفو وميدفيديا وبويانوفاك» الذي يضم حوالي ألفي مقاتل: «الوحدة أولا مع كوسوفو والانفصال عن صربيا». وترفض بلغراد تماما ما يسعى إليه «جيش تحرير بريسيفو وميدفيديا وبويانوفاك» رغم ان الحكومة الديمقراطية الجديدة للرئيس فويسلاف كوشتونيتسا حددت الشهر الماضي خطة لإنهاء العداء بين مختلف المجموعات العرقية. علاوة على ذلك كرر مسؤولو الناتو يوم الثلاثاء الماضي مجددا إصرارهم على جلوس الطرفين حول طاولة المفاوضات. وعقب اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء بالحلف في بروكسل أخيرا، قال وزير الخارجية الأميركي كولن باول: «ان على المتمردين الألبان إدراك انه ليس هناك مجال لبدء نزاع جديد في أوروبا». كما ان الأمين العام للحلف، جورج روبرتسون، أشاد بمساعي الحكومة اليوغوسلافية الخاصة بخطة المصالحة، مؤكدا ان الحلف على استعداد لتقليص منطقة الحزام الفاصل بين كوسوفو وبقية أجزاء يوغوسلافيا على مراحل، ووفق شروط محددة.

وكانت المنطقة الفاصلة، التي يبلغ طولها 120 ميلا وعرضها ثلاثة أميال، قد أقيمت غداة انتهاء حملة الناتو الجوية السابقة ضد يوغوسلافيا بغرض فصل الجيش الصربي عن قوات حفظ السلام التابعة للحلف في كوسوفو. وقال روبرتسون ان وزراء خارجية الدول الأعضاء في الحلف أبدوا مخاوفهم تجاه استخدام المنطقة الفاصلة كـ«ملاذ آمن لممارسة بعض الأنشطة المتطرفة».

وفي بويانوفاك، أعلن مركز إعلامي تابع للحكومة الصربية أول من أمس ان شرطيا صربيا جرح خلال اشتباك مع مقاتلين ألبان، إذ وقع هذا الحادث قبل ساعات فقط من وصول وفد تابع للناتو لإجراء محادثات مع المسؤولين الصرب حول تضييق المنطقة الفاصلة. ويقول جنود أميركيون يعملون في حراسة المنطقة الفاصلة الواقعة في كوسوفو ان مثل هذه الأحداث ظلت تقع يوميا على مدى اكثر من أسبوعين.

وكان ثلاثة أفراد من الشرطة الصربية قد قتلوا في 18 فبراير (شباط) الماضي عندما دمرت المركبة التي كانوا يستقلونها بواسطة لغمين من النوع المضاد للدبابات. وفي قرية شوشاي الصغيرة تعرضت كل المنازل لأضرار بسبب معركة استمرت لحوالي أربع ساعات يوم 10 فبراير الماضي.

ويقول قاني ذكري، وهو يشير إلى الثقوب التي أحدثها الرصاص على جدران منزله، ان «ما يفعله الصرب خطأ.. فقد ظلوا على مدى عشر سنوات يتعاملون معنا وكأننا كلاب، ويريدون الآن إبادتنا تماما».

ووصل إلى مقدونيا أول من أمس وفد آخر تابع للناتو لإجراء محادثات في العاصمة سكوبي حيث تلقى على عاتق الحكومة المكونة من ائتلاف بين المقدونيين والألبان مسؤولية الفشل في وقف اعتداءات الألبان التي تنطلق من كوسوفو بما في ذلك مجموعة استولت على قرية حدودية.

ويقول القائد العسكري هاكسهيو ان الهدف الأساسي لجيشه واضح ومباشر يلخصه في الاتحاد مع كوسوفو لأنهما، حسب تعليقه: «شعب واحد مهما كانت الحدود.. يقفان معا ويعيشان معا ويموتان معا». وتتكون غالبية قوات هاكسهيو من أعضاء سابقين في جيش تحرير كوسوفو.

وطبقا لمقترح السلام الذي صادق عليه البرلمان الصربي في فبراير الفائت يجب ان يسحب الطرفان قواتهما على ان تحل محلها قوات شرطة مختلطة من الصرب والألبان، قبل تقليص حجم المنطقة الفاصلة. ومن المقرر ان تبدأ عقب ذلك برامج التنمية الاقتصادية وإعادة تشييد البنى التحتية وإعادة تعمير المناطق المتضررة.

المسؤولون الصرب أكدوا ان لا تفاوض حول قضايا الانفصال أو الحكم الذاتي، كما تصر بلغراد على حقها في استخدام القوة ضد المجموعات المتمردة اذا فشل التفاوض. اما القائد العسكري هاكسهيو من جانبه فيقول ان الثقة ليست متوفرة بينه وبين الصرب لان قواتهم تتعقبهم في الوقت الذي تتحدث فيه بلغراد عن خطط السلام وإعادة الاستقرار.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتورز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)