قرار منتظر من المدعي العام البريطاني بملاحقة كبار المسؤولين العراقيين

النائبة آن كلويد لـ«الشرق الأوسط»: سيلقى القبض عليهم إذا ما دخلوا أوروبا ودولا أخرى

TT

التقت «الشرق الأوسط» الاسبوع الحالي عضو مجلس العموم البريطاني، آن كلويد التي تترأس لجنة حقوق الانسان في المجلس «اندايت» التي تعمل منذ سنوات على جمع الادلة والوثائق على ارتكاب الرئيس العراقي صدام حسين وعدد آخر من كبار المسؤولين في نظامه جرائم يحاسب عليها القانون الدولي، وناقشت معها نتائج اعمال لجنتها ومجمل الاوضاع في العراق ومستقبلها والسياسة الاميركية والبريطانية تجاه العراق. وجرى الحوار مع النائبة العمالية القادمة من مقاطعة ويلز على النحو الآتي:

* سلمت في سبتمبر (ايلول) الماضي بوصفك رئيسة للجنة «اندايت» ملفا للمدعي العام البريطاني يضم ادلة على ارتكاب اقطاب النظام العراقي «جرائم ضد الانسانية»، فمتى تتوقعين صدور القرار بخصوص ادانتهم؟

ـ وعدني بالرد على طلب الادانة خلال الاسبوع المقبل. وكما تعلم فان لجنة «اندايت» التي شكلناها في مجلس العموم قبل سنوات (مؤلفة من برلمانيين وسياسيين ينتمون للاحزاب البريطانية الرئيسية فضلا عن ناشطين في ميدان حقوق الانسان، وتحظى بتأييد رئيس الوزراء توني بلير واثنين من اسلافه: جون ميجر ومارغريت ثاتشر اضافة الى الرئىس الاميركي السابق بيل كلينتون والكونغرس الاميركي) تعمل منذ وقت طويل على جمع الوثائق والادلة اللازمة من كل انحاء العالم لاثبات التهم الموجهة للقيادة العراقية (...) وقد اكد لي مستشارون قانونيون بارزون ان الادلة التي في حوزتنا، من شهادات وقعها الضحايا واوامر صادرة عن النظام وغيرها، قوية الى درجة تكفي لصدور القرار بالادانة.

* وما فائدة ادانتهم في بريطانيا وهم بعيدون وليسوا مضطرين لزيارة هذه البلاد؟

ـ اذا استجاب المدعي العام لطلبنا لصار هؤلاء القياديون (اعتذرت عن عدم ذكر اسمائهم) عرضة للاعتقال ليس في بريطانيا وحدها بل في اوروبا وغيرها من الدول الموقعة على اتفاقيات مشتركة تتعلق بجرائم الحرب وحقوق الانسان، ولاصبح كل منهم بينوشيه جديدا على نطاق اضيق.

* اي لن يكون بوسعهم ان يطأوا الاراضي الفرنسية او الالمانية أو السويسرية؟

ـ بكل تأكيد.ولن يكون بمقدورهم زيارة دول اخرى كثيرة لان حكوماتها ستكون مطالبة باعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة (...) ولا تنس اننا نعمل على تقديم ملفات مماثلة لدول عدة، فمثلا نحن الآن في صدد تسليم ادلة للحكومة الكندية على تعرض احد دبلوماسييها في الكويت للاعتقال والتعذيب على يد العراقيين (...) ونأمل ان يشكل مجلس الامن محكمة دولية، على غرار تلك المعنية بالجرائم المرتكبة في يوغوسلافيا السابقة، كي تنظر هذه الانتهاكات (العراقية). وهذا ممكن خصوصا ان عددا من قادة الدول في العالم اعربوا عن عزمهم على تقديم المتهمين باعمال الابادة والجرائم وغيرها للمحاكمة والا لتشجع البعض على ارتكاب المزيد من الجرائم لاطمئنانهم الى ان يد العدالة لن تطالهم.

* نشرت «الشرق الأوسط» اخيرا اخبارا عن محاولات لفتح قنوات اتصال بين بغداد ولندن، امر رئيس الوزراء بلير بايقافها. هل انت على علم ببذل جهود قديمة او جديدة في هذا الاتجاه؟

ـ لا. ولو كانت الاخبار التي نشرتموها دقيقة لكان ما حصل خرقا لقرارات الامم المتحدة، لرئيس الوزراء كل الحق في تصحيحه، واعلم جيدا انه اعرب دائما عن تصميمه على محاسبة النظام العراقي، واعتقد ان علينا عزل النظام وتقديم اقطابه للمحاكمة وليس التفاوض معهم. الرئيس صدام لم يتغير بعد خلافا لما يقوله البعض، وهو قد مارس التطهير العرقي والتعذيب والاعتقال والاعدام.

* ما زلت اذن على تأييدك للسياسة البريطانية الحالية حيال العراق؟

ـ أتابع الشأن العراقي منذ اواسط السبعينات، وفي عام 1984 انتخبت رئيسة لحملة لانهاء الاضطهاد في العراق والاعتراف بالحقوق الديمقراطية لمواطنيه (...) وفي عام 1988 طالبت وزارة الخارجية البريطانية (أيام كان المحافظون في الحكم) باتخاذ اجراءات صارمة ازاء بغداد بعد ارتكاب مجزرة حلبجة، لكن احد الوزراء تذرع بعدم وجود ادلة (...) وفي عام 1991 كنت على الجبال التي تفصل بين العراق وايران حيث لمست المأساة الرهيبة التي تعرض لها الاكراد (...) وزرت كردستان بعد ذلك اربع مرات (...) لذلك كله اعرف جيدا ما يستطيع صدام ان يفعله. اعتقد ان السياسة الغربية بشأن العراق تفتقر الى الانسجام والتماسك. العقوبات يجب ان تستمر، لكن طبيعي ان ثمة حاجة لعقوبات اذكى، فلا جدوى من فرض عقوبات اقتصادية لا تطبق والامر تحول الى مهزلة، فالتجارة عبر الحدود مستمرة بلا حسيب او رقيب.

* يبدو ان الحكومتين الاميركية والبريطانية تستعدان للأخذ برأيك رسميا؟

ـ هذه «العقوبات الذكية» التي بدأنا نسمع عنها ينبغي ان تضمن حماية فقراء العراق الذين يعانون في وقت يبدو النظام وكأنه يزداد قدرة على الحصول على كل ما يريده (...) اللافت ان الوضع في شمال العراق يتحسن رغم أن سكانه يتعرضون الى عقوبات مضاعفة; تلك التي يفرضها صدام اضافة الى عقوبات الامم المتحدة، لكنهم (الاكراد) يتحكمون اكثر من العرب العراقيين بتوزيع الغذاء والدواء، وبوسع صدام لو شاء ان يشتري المزيد من الادوية والاغذية!

* وهل تعتقدين ان الضربتين الجويتين الاخيرتين تساعدان هؤلاء الفقراء؟

ـ نعم. الهجمات (التي شنها سلاح الدفاع الجوي العراقي ضد الطائرات الاميركية والبريطانية) كانت في يناير (كانون الثاني) الماضي اكثر مما كانت في العام الماضي كله، ما يعني ان النظام كان يمتحن ارادة إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش. هذه الطائرات تقوم بمهمة ضرورية، فقد لمست في كردستان انها تؤمن لهم قدرا من الاطمئنان (...) حتى ان بعضنا يدعو ايضا الى فرض منطقة حظر بري من شأنها ان تمنع النظام من ارسال جنوده للاعتداء على مناطق كردية، كما فعل عام 1996 حين هاجم اربيل ومن جهة اخرى، اذا طور النظام انظمة دفاعه الجوي ونجح في اسقاط احدى هذه الطائرات، فهل تتصور حجم الكسب الدعائي الذي قد يحققه من ذلك وكيف سيستغل الطيارين الاسرى؟

* لكن اذا كانت منطقة الحظر الجوي تحمي الاكراد من بطش النظام، فلماذا يفرون الى اوروبا على الدوام؟

ـ غالبية هؤلاء اللاجئين يفرون من مناطق يسيطر عليها النظام، كمعظم الذين وصلوا الى فرنسا اخيرا (900 لاجئ اتوا على متن سفينة كادت تغرق بهم) فلا يزال مئات الالاف من الاكراد يعيشون في بغداد وكركوك ويعاونون من اضطهاد النظام (...). ان الناس في شمال العراق يفتقرون الى الامان لعدم وضوح سياسة الغرب حيال العراق، فلا احد يعرف تماما موقف الادارة الاميركية الجديدة (...) فيما كانت سياسة ادارة كلينتون مضطربة، وكذلك سياستنا التي نتبعها عادة.

* ألا تؤثر الصراعات الداخلية على الاكراد؟

ـ بالطبع ان النزاعات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني تعود على الاكراد بالضرر (...) لكن الغرب يساهم ايضا في حرمانهم من الاستقرار، لانه خذلهم ولم تقدم لهم الولايات المتحدة عام 1996 المعونات المالية التي وعدتهم بها. وكان من شأنها ان تساعد البرلمان الكردستاني على العمل بصورة طبيعية ما كان سيضمن حلول السلام بين الفريقين.. النزاع بينهما في نهاية المطاف هو نزاع على الموارد المالية المحدودة.

* اذا كنت تؤيدين منطقة الحظر الجوي لانها تؤمن الحماية للاكراد في العراق، فهل تؤيدين توسيعها لتشمل تركيا ايضا التي تعامل اكرادها بصورة غير مرضية ايضا؟

ـ من حق تركيا ان تحمي نفسها مما يتهدد امنها، وهي تقول ان التهديد قادم من عناصر تلتجئ الى شمال العراق.. لكن ليس من حقها على الاطلاق ان تواصل غزو دولة مجاورة. ونحن اعتدنا ان ندين الدولة التي تغزو دولة اخرى، غير ان اميركا وبريطانيا تحافظان على صمت مطبق حيال ما تفعله تركيا، وعليهما ان تنددا علنا بالغزو التركي المستمر الذي انتقده باستمرار.

* هل انت مطمئنة الى ان ملف الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية هو في ايد امينة بعدما تسلمه بريان ويلسون وزير الدولة الجديد للشؤون الخارجية؟

ـ نعم، فهو رجل ذكي وناجح.

* لكنه حين كان وزير دولة لشؤون الصناعة والتجارة ايد مشروع سد «اليصو» الذي تحاول تركيا اقامته على نهر دجلة بمساعدة بريطانيا والذي تعتبرين من الد اعدائه؟

ـ (بعد ضحكة طويلة) كثيرون ايدوا ذلك المشروع، والخطأ كان في حصر القرار بوزارة التجارة والصناعة، مع ان للمشروع جوانب بيئية وانمائية واخرى تتعلق بحقوق الانسان. وقد بدأت حكومتنا تنظر إلى المشروع بصورة اكثر دقة بعدما نجحنا في لفت نظرهم الى ذلك.. وقد سألت الوزير ويلسون هذا الاسبوع في جلسة لمناقشة القضايا الخارجية في مجلس العموم، لماذا لا ترفضون المشروع بسبب ما سيترتب عليه من تهجير 75 الف مواطن من بيوتهم (وحرمان العراق وسورية من حصتهما من مياه النهر) فجاء الرد غائما .. الا انني ما ازال متفائلة، خصوصا انني اقابل رئيس الوزراء مرة في الاسبوع مع اعضاء اللجنة التنفيذية لبرلمانيي حزب العمال وتسنح الفرصة لي باثارة بعض المواضيع معه شخصيا.