بوش في البيت الأبيض: مواعيد الرياضة والنوم... مقدسة

TT

يستيقظ مبكرا، ويقدم الطعام الى حيواناته الاليفة ثم يحضر قدحا من القهوة لزوجته. وبحلول الساعة السابعة والنصف صباحا يكون جالسا على مكتبه لاجتماعات مبكرة ومكالمات هاتفية. بينما ممارسة التدريبات الرياضية في منتصف النهار او العدو ـ فهو يريد الحفاظ على سجله: 7 دقائق ونصف الدقيقة للميل الواحد ـ أمر لا يقبل الجدل. وبعدها يتناول الغداء، وبعد عدة ساعات اخرى من العمل، يحضر مناسبات اجتماعية او ليلة هادئة في المنزل بعد العشاء، وربما يلاعب كلبه (من نوع سبرينغر سباينل سبوت) بالقائه كرة تنس لكي يلتقطها الكلب. ويذهب للفراش في موعد اقصاه الساعة العاشرة مساء. واذا صدف وجود ضيوف يطلب منهم بأدب المغادرة، فتمسكه بمعدل 8 ساعات من النوم امر مقدس.

جورج بوش، الرئيس الجديد للولايات المتحدة، انسان يقدس العادات والروتين، وقد استقر على برنامج مريح في عمله ومنزله الجديدين، فهو يجمع الضغوط والواجبات الهائلة للرئاسة في يوم عمل لا يزيد على 8 ساعات، ولا يزال مستمرا في الحياة المتوازنة التي يبدو انه مصمم على المحافظة عليها.

ويقول ترال سميث، الذي عمل كمدير تشريعي لبوش في تكساس، «هذه هي الحياة التي يجب ان نعيشها جميعا».

تجدر الاشارة الى ان اسلوب الحياة المريح وعادات العمل المنتظمة التي يتبعها بوش في بدايات رئاسته تتناقض تناقضا حادا مع يوم عمل الرئيس السابق بيل كلينتون الماراثونية، حيث كانت تظهر اثار الارهاق تحت عينيه، التي كان يعتبرها وساما. فقد كان كلينتون يتأخر كثيرا في حضور المناسبات والموعيد لدرجة ان مراسلي الصحف الذين يغطون الرئاسة كانوا يتندرون عليه بقولهم انه يتبع «توقيت كلينتون الرسمي»، ولكن بوش دقيق في مواعيده لدرجة تصل الى حد الهوس. فالاجتماعات لا تتعدى موعد الاجتماع التالي، والمناقشات مختصرة ومباشرة. بل انه وصل في بعض الاحيان مبكرا بدقيقة او دقيقتين، وشعر ذات مرة بالحاجة ان يبرر للصحافيين لماذا تأخر ثلاث دقائق. ويقول مارك مكينوك وهو واحد من مستشاري بوش كان مسؤولا عن اعلانات حملته الانتخابية، انه «متعصب بخصوص الالتزام بالوقت، فهو يشعر ان عدم الوصول في الموعد المحدد امر غير مهذب».

وفي الوقت الذي كان كلينتون مقلا في استخدام كامب ديفيد، فإن بوش قضى اربع عطلات اسبوع من بين 6 اسابيع منذ توليه المنصب هناك، وحصل على عطلة اسبوع اخرى ليعود الى مزرعته في كراوفورد في تكساس، خارج واكو. وخلال تلك الرحلة، طار عبر الحدود لكي يقضي عدة ساعات مع الرئيس المكسيكي فسينتي فوكس.

ولا يخفي بوش رغبته في تنظيم وقته، ففي يوم احد في الشهر الماضي، سافر بوش الى منتجع لاعضاء الحزب الديمقراطي في الكونغرس في فارمينغتون في ولاية بانسلفانيا، قائلا وهو يدخل المنتجع انه ينوي الاجابة على عدد قليل من الاسئلة ثم «يعود للمنزل لأخذ قيلولة».

ولكن صورة الرئيس الذي يأخذ قيلولة او يعدو على جهاز العدو، بينما الجناح الغربي في البيت الابيض يضج بالانشطة وبمشاكل العالم، ربما يعطي صورة غير واضحة عن الوضع، فمساعدوه السابقون والحاليون يؤكدون ان يومه المنظم مؤشر للفعالية، فخلال اجتماعاته، على سبيل المثال، يتوقع من المشاركين توضيح ارائهم او مقترحاتهم بطريقة مركزة وواضحة. وقد شارك الرئيس الجديد في نشاطات رسمية كافية في اسابيعه الاولى في البيت الابيض بحيث لا يمكن اتهامه بالكسل. ولكن اذا وضعنا في الاعتبار تصرفات الرؤساء السابقين، فإن اسلوب بوش يبدو الاستثناء وليس القاعدة في الحياة السياسية المعاصرة. ويوضح بروس بوكانان استاذ الحكومات في جامعة تكساس ان معظم الرؤساء مدمنون على العمل بحكم طبيعتهم.

ويوضح بوكانان ان طريقة بوش المشابهة لطريقة عمل المديرين التنفيذيين بتفويض الصلاحيات والاحتفاظ ببرنامجه هو محكما، تشبه اسلوب عمل رونالد ريغان، الذي كان رئيسا يعمل من التاسعة صباحا الى الخامسة مثل الموظفين، الذي علق ذات مرة قائلا «لم يقتل العمل الشاق اي شخص، ولكن لماذا المجازفة؟».

وبالمثل لا يقدم بوش اية اعتذارات لاهتمامه بالرياضة والراحة، ويبدو انه يعتز اعتزازا كبيرا بقدرته على الاستمرار في روتينه الاعتيادي. ويشير بوكانان الى ان بوش «يحاول تقديم الانطباع بقدرته على قيادة الدراجة الهوائية بدون الامساك بالمقود، هذه الثقة بالذات تدخل في نطاق العلاقات العامة». وقد نجحت تلك الطريقة حتى الان، ويبدو ان الرأي العام قبل برنامج بوش السهل نسبيا، كما فعل مع ريغان. ويعتقد بوكانان ان الرأي العام، سيشكو فقط عندما يشعر ان بوش غير مستعد او ان شخصا اخر هو الذي يدير الامر.

وتجدر الاشارة الى ان بوش كان يتبع برنامجا خفيفا نسبيا عندما كان حاكما لولاية تكساس، وهو برنامج كان يتضمن في بعض الاحيان فترات راحة لكي يلعب العاب الفيديو في وسط اليوم، لانه لم تكن هناك اية ازمات ضخمة تتطلب اهتمامه المستمر طبقا لتوضيح بوكانان.

غير ان الرئيس بوش لا بد ان يواجه، عاجلا ام آجلا، ازمة «لا يمكنه تركها لان الساعة دقت الخامسة» طبقا لتعليق بوكانان، الذي اضاف «وعندئذ سيختبر بطريقة لم يتعرض لها عندما كان حاكما لولاية تكساس».

واوضح سميث ان هناك سببا جيدا لالتزامه بالذهاب للفراش في الساعة العاشرة مساء «يمكننا معرفة ما اذا كان قد نام لمدة 8 ساعات ام لا. فهو لا يبدو حاد الذهن، ويبدو عليه في مؤتمر صحافي مثلا، انه لا يفكر بسرعة كافية، فالثماني ساعات تؤثر على سرعته».

الا ان كلينتون كان يعتز بقدرته على النوم لمدة اربع ساعات فقط يوميا بل واقل، وفي الايام الاخيرة لادارته، حيث كان يحاول استغلال كل دقيقة في رئاسته كان نادرا ما ينام.

الا ان ايام كلينتون الطويلة والليالي التي كان يقضيها بلا نوم لم تكن نصيحة جيدة. فقد ذكرت مجلة «نيوزويك» مؤخرا ان قرار كلينتون بالعفو عن المالي الهارب مارك ريتش، الذي اثار انتقادات حادة، اتخذ بعد ايام بلا نوم، وان الرئيس السابق ذكر لصديق له: «كل الاخطاء المهمة التي ارتكبتها في حياتي، ارتكبتها لاني كنت مرهقا».

* خدمة «لوس انجليس تايمز وواشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»