الحكومة السودانية الجديدة: مطالبات بتغيير السياسات قبل الوجوه

TT

التشكيل الوزاري الاخير الذي تابعته الصحف السودانية يوما بيوم وتناولته التحليلات والتوقعات قبل وبعد اعلانه بحسبانه التشكيل المنوط به تنفيذ برنامج رئاسة الجمهورية للدورة الثانية، والذي وضع في مقدمته تحقيق الوفاق الوطني، والحل السياسي الشامل، تفاوتت ردود الفعل حوله بين الرضى والقبول والتحفظ والرفض. فقد عبر حزب المؤتمر الوطني الحاكم والمتحالفون معه عن الرضاء والتفاؤل، بينما قال سياسيون معارضون «انه لا جدوى من تعديل شخصيات الوزراء في ظل بقاء السياسات»، ووصف قيادي اتحادي معارض، مشاركة مجموعة الاتحادي الديمقراطي بقيادة زين العابدين الهندي «بأنها مجموعة كانت جزءا من نظام الانقاذ السياسي وتحولت الآن الى جزء من السلطة».

ولم يخل التشكيل الوزاري من مفاجآت بعودة عبد الرحيم حمدي الى وزارة المالية مرة اخرى لينفذ برنامج سياسات التحرير الاقتصادي التي بدأها مطلع التسعينات، وكان قد جرى اعفاؤه، ولكنه سارع الى اصدار بيان يرد فيه بـ«انه قدم استقالته». كما جرى تعيين الدكتور مجذوب خليفة وزيرا للزراعة والغابات والذي ظل لعدة سنوات واليا للخرطوم وتردد انه اصبح «مركز قوة» يصعب إبعاده من موقعه ولكن النائب الاول قال انه جدير بالمنصب لمقدرته على القيادة. وحل الدكتور عبد الحليم المتعافي الذي سبق ان حمل حقيبة وزارة الصناعة واليا للخرطوم. وقال مراقبون انه يعول عليه تطوير وتحسين الخدمات في ولاية الخرطوم.

كما لوحظ ان بدرية سليمات التي رشحتها التقارير لحقيبة العدل قد اصبحت المستشارة القانونية لدى رئاسة الجمهورية، كما ان المستشار السياسي والقانوني عبد الباسط سبدرات المقرب من الفريق البشير قد نقل من القصر كوزير للعلاقات بالمجلس الوطني (البرلمان). ومن مفاجآت التشكيل الوزاري استمرار الدكتور غازي صلاح الدين وزيرا للاعلام، وقد لمح لعدد ممن التقى بهم احتمال انتقاله للمؤتمر الوطني، وقد قيل ان نجاحه في ادارة الهجوم الاعلامي على اتفاق (الترابي ـ قرنق) الذي عقد مؤخرا اظهر اهمية وجوده كوزير للاعلام، وقد سبق ان قام بدور اعلامي ناجح ابان الضربة الاميركية لمصنع الشفاء بالخرطوم بحري.

كما كان من المفاجآت غياب اسم الدكتور اسماعيل حاج موسى من التشكيلة الجديدة كوزير للثقافة. وقد ظن المراقبون ان فصل الثقافة عن الاعلام مبعثه التفكير في الاستفادة من خبرات الدكتور حاج موسى في هذا المجال الذي سبق ان عمل فيه على مدى سبع سنوات شهدت نشاطا ثقافيا وفنيا ومسرحيا واسعا، وقد حمل هذه الحقيبة عبد الباسط عبد الماجد الذي كان وزيرا للتعليم العام. وكان لافتا لانتباه المراقبين ان الفريق عبد الرحمن سر الختم الذي كان ناطقا باسم القوات المسلحة ثم عين وزيرا للدفاع، ثم وزيرا لشؤون مجلس الوزراء لم يشمله التشكيل الوزاري الجديد، وانما عين واليا لكسلا المتاخمة لاريتريا، ولكنه اعتذر عن عدم المشاركة. وصفت التعليقات السياسية التشكيل الوزاري بانه «تجسيد مصغر لطبيعة القوى السياسية التي يمثلها وانه ضم اكفاء اذا ما قيست الكفاءة بمعايير القدرات والمواهب الفردية، ولكن هذا لا يكفي لكي يصبح تكوين الحكومة مقنعا للرأي العام ومعبرا عنه».

واجمعت غالبية التعليقات السياسية على «ان البلاد في ظروفها الحالية بحاجة الى فريق وزاري قوي تتراجع في تكوينه الاعتبارات الحزبية لصالح اعتبارات الوفاق الوطني، وان التطلع الشعبي هو ان تنتقل البلاد الى مرحلة الوفاق بكل ما يصحبها من تعددية سياسية كاملة وما يصحب ذلك من برنامج سياسي وتنفيذي يضع البلاد على اعتاب السلام والاستقرار والتنمية. وقال تحليل سياسي آخر «ان التشكيلة الوزارية الجديدة تستطيع ان تتعامل مع الواقع الجديد برؤية جديدة، لأن الحوار في الماضي ظل محبوسا على اضيق نطاق».