نائب الرئيس الأميركي الجديد يرسم ملامح قوية لمنصبه

TT

مع تكامل صورة الادارة الاميركية الجديدة برز ديك تشيني كأقوى نائب للرئيس في تاريخ الولايات المتحدة، ويرجع هذا، جزئيا على الاقل، الى المنهج الذي تعامل به مع المنصب الثاني، والذي انطوى على قدر من المفارقة. فقد استطاع تشيني ان يحصل على سلطة لم تتوفر لاسلافه من نواب الرؤساء، لانه تخلى عن الطموح! وقال تشيني للرئيس بوش، ولمساعديهما ولنواب الكونغرس انه لن يترشح للرئاسة عندما تنتهي فترة جورج بوش في البيت الابيض، وهذا قرار ثوري في مدينة يتطلع فيها كل نائب في مجلس النواب الى مكان في مجلس الشيوخ، ويفكر فيها كل سناتور انه أهل ليصبح رئيسا للبلاد; ويعبر فيها كل نائب للرئيس، وبدون استثناء، عن طمعه في منصب رئيسه. وحتى تشيني نفسه كان بين عامي 1993 و1994، يتأمل ويدرس فرصه في الترشيح الجمهوري للرئاسة.

ولكن اعلان تشيني عزوفه عن الترشيح، الذي اخذ مأخذ الجد لاعتبارات عمره وحالته الصحية المتمثلة في مرض القلب، وانعدام حماسه الظاهر ابان الحملة الانتخابية، اصبح دافعا قويا لتحويل طبيعة هذا المنصب الذي لم يكن ينظر اليه الا كموقع للتدريب لحين موعد الانتخابات القادمة.

صار تشيني، 60 عاما، وبمنتهى الهدوء، رئيسا لوزراء ادارة بوش، اي صار الشخصية التنفيذية الاولى في كل شيء تقريبا، من التعيينات الى سياسات الموازنة، الى العلاقات مع الكونغرس. وفي ما يتعلق بخطة الموازنة البالغة تريليوني دولار، كان تشيني هو «رئيس محكمة استئناف» البيت الابيض، التي تقيم اقتراحات وطلبات الوزراء. وقد استطاعت المجموعة حسم كل النزاعات من دون الرجوع الى الرئيس بوش في اي امر من الامور.

ولكن ماذا عن القرار بقصف العراق؟

جاء تشيني الى اجتماعات مجلس الامن القومي، بخبرة رجل كان يقود وزارة الدفاع على ايام حرب الصحراء عام 1991. وهذه تجربة تؤهله للتوسط بين كولن باول ودونالد رامسفيلد، وهما شخصيتان ذات الوزن الثقيل في مجالي الخارجية والدفاع.

وماذا عن ازمة الطاقة بكالفورنيا؟

يقف تشيني على رأس فريق العمل المختص بالطاقة والذي يشمل نصف مجلس الوزراء وسيصدر هذا الفريق تقريرا مرحليا عما قريب، وليعلن اقتراحاته وتوصياته النهائية في ابريل (نيسان). ويقول بول لايت من معهد بروكنز ومؤلف كتاب «سلطات نائب الرئس: الاستشارة والنفوذ بالبيت الابيض»، «ان مقارنته بنواب الرؤساء السابقين تقلل من نفوذه الحقيقي داخل الادارة، فهو في آن معا رئيس الموظفين; واعلى الوزراء مكانة، ورئيس اجتماعات المجلس، وهو اعز اصدقاء ومعلمي الرئيس. وهذا دور يتعدى بمراحل الدور التقليدي لنائب الرئيس».

ويضيف وليام كريستول، رئيس تحرير المجلة الاسبوعية «ويكلي ستاندرد» والذي كان رئيسا لموظفي نائب الرئيس دان كويل اثناء ادارة الرئيس بوش الاب، «واضح انه اكبر مستشاري بوش الابن، وفي كثير من القضايا هو المسؤول التنفيذي الاول. ان دوره يعد غير مسبوق».

ولكن اعلان تشيني انه لن يترشح للرئاسة يزيح عن كل هذه المهام اخطار المنافسة والصراع، ويؤكد لبوش ومعاونيه اخلاص تشيني ووفاءه، ويبدد روح التنافس التي يمكن ان تلقي كثيرا من الظلال على علاقات نائب الرئيس باعضاء الكونغرس، ويزيل الشكوك عن طبيعة دوافعه، ويساعده هو نفسه على بذل الوقت والجهد، ليس في الدعاية لنفسه وتكوين رأسماله السياسي; بل في انجاز المهام، التي غالبا ما تنجز وراء الكواليس وتحت شاشات الرادار.

قال اندي كارد، رئيس موظفي البيت الابيض، عن تشيني «تربطه علاقة فريدة بالرئيس، لانه لا يبغي من ورائها شيئا، فهو لا ينوي الترشيح للرئاسة».

وينسج النائب الجمهوري روي بورتمان، الذي كان واحدا من موظفي البيت الابيض في ادارة بوش الاب، والذي يعد من اكثر الاصدقاء المقربين لبوش الاب بالكونغرس حاليا، على نفس المنوال حينما يقول: «من المفارقات ان اتخاذه لهذا القرار يجعله اكثر نفوذا، وليس العكس».

والواقع ان نفوذ تشيني صار من الاتساع بحيث اثار السؤال: أليس تشيني على قدر من الخبرة والكفاءة بحيث اصبح يغطي على الرئيس نفسه؟

ويقول لايت انه لم يحدث ان بلغت سمعة نائب الرئيس مدى يجعلها تطغى على سمعة الرئيس. ويقول اصدقاء تشيني ان هذه الفكرة تثير حساسيته ومخاوفه، وهو يصر على انها ليست عادلة وليست صحيحة، فهو يرفض اية مقابلات صحافية، للحديث عن دوره في الادارة.

ويقول المشاركون في اجتماعات المكتب البيضاوي في البيت الابيض، ان تشيني يتعامل باحترام شديد، مشوب بدرجة من القصد مع الرئيس بوش. ويجلس الرئيس ونائب الرئيس على كرسيين امام المدفأة. ويصطف كبار مسؤولي البيت الابيض على اريكتين مقابلتين وبعض المقاعد.

ويضطلع بوش بطرح الاسئلة، واتخاذ القرارات وجذب الانتباه. اما تشيني فلا يتحدث مطلقا في بعض الاحيان.

يقول كارد: «ليس ثمة ادنى شك في من هو الرئيس. الرئيس هو الرئيس; ونائب الرئيس ليس الرئيس، والشخص الذي يؤكد ذلك باستمرار هو نائب الرئيس نفسه».

لم يكن الرجلان يعرفان بعضهما معرفة وثيقة، عندما كلف بوش، بدفع من والده، ديك تشيني بالبحث عن نائب له في انتخابات الرئاسة. وفي احد الايام من الصيف الماضي كانا يجلسان سويا بالساحة الخلفية لبيت بوش في مزرعته بكروفورد، تكساس، يستعرضان اسماء المرشحين الذين توصل اليهم تشيني، ولكن بوش قرر فجأة ترشيح الرجل الذي يرشح له الآخرين.

وقد اخبر تشيني، في ما بعد، بعض اصدقائه، انه وافق على طلب بوش فقط لان الحرارة في الخارج كانت لا تحتمل، وكان هو يرغب في انهاء الجلسة والدخول الى حيث التكييف! عمل تشيني رئيسا لموظفي الرئيس فورد، ووزيرا للدفاع لدى بوش الاب، كما عمل نائبا بالكونغرس عن دائرة ويومنغ لخمس دورات، وظل جزءا من قيادة الحزب الجمهوري طوال هذه الفترة.

في عام 1990، اصبح رئسا ومديرا تنفيذيا، لشركة هاليبيرتون، وهي شركة عالمية للهندسة والبناء في مجال الصناعات البترولية، مقرها دلس. وقد عادت عليه تلك الوظيفية بسمعة رفيعة في مجال الاعمال والتجارة، كما عادت عليه بملايين الدولارات، اجورا وحوافز. قالت ابنته ماري تشيني في مقابلة نشرت الشهر الماضي «كنت اظن ان علاقته بالسياسة انتهت في تلك المرحلة من حياته».

ولكن تشيني قلب اقتراح بوش في ذهنه، وناقشه مع زوجته لين، وابنتيه ماري وليز. وقال بوش في وقت لاحق انه اختار تشيني لانه سيساعده على الحكم، وليس على الفوز في الانتخابات «رغم ان تلك الاصوات الثلاثة من ويومنغ كانت ذات اهمية حاسمة كما اوضحت الاحداث». كما صرح تشيني في مقابلة في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وقد قال تشيني قبل التنصيب، انه وبوش لم يناقشا تحديدا مدى صلاحياته ومهامه. «كنت اعتقد انني لن اتخطى المصافحة باليدين مع الرئيس المنتخب. لم تتعد المسألة التفاهم على انه يريدني ان اعينه على الحكم، وان اكون جزءا من الفريق، ليس اكثر من ذلك. لم يكن هناك عقد، او وصف وظيفي او شيء من هذا القبيل».

وعندما سئل تشيني عما اذا كان يرى عقبات في الطريق، اجاب «الواقع انني هناك لأفعل ما يتوجب عليه هو ان يفعل، وان انصحه على المستوى الشخصي، نصائح لا تنشر بالصحف. وهو يعرف ان هدفي الوحيد هو مساعدته على النجاح، وانني سأكون واضحا معه، وسأقول له بالضبط ما أفكر فيه».

وقال كارد انه ظل يشاهد العلاقة بين بوش وتشيني وهي تنمو وتقوى منذ أيام الانتخابات وقرار المحكمة العليا الذي حسم النزاع. خلال الانتخابات كان المرشحان يتحركان باستقلال عن بعضهما البعض، ولا يلتقيان الا قليلا، ولكن اثناء فترة النزاع على نتائج الانتخابات، كان الرجلان يلتقيان كثيرا بمزرعة كروفورد، خاصة ان طبيعة النزاع كانت تجبرهما على حصر لقاءاتهما في دائرة ضيقة.

واشار كارد الى ذلك بقوله «هذه الظروف اعطت الرئيس ونائب الرئيس فرصة نادرة لتقوية علاقتهما بعيدا عن الاضواء. وقد شاهدت هذه العلاقة وهي تتوطد باطراد».

ولكن مع كل ذلك فان بوش وتشيني، ليسا افضل الاصدقاء. ويصف معاونوهما هذه العلاقة بأنها حميمة وعملية، تتصف بالاحترام المتبادل والثقة الوافرة.

يصل تشيني الى مكتبه بالجناح الغربي بين الساعة 7.30 والساعة 8 صباحا. وكانت عائلة تشيني تقيم بمنزلها بالمدينة بضاحية ماكلين بفرجينيا. وعندما اكتملت الاصلاحات يوم الجمعة الماضية، تحولوا الى مقر اقامة نائب الرئيس بنيفال اوبزيرفيتوري. واثناء رحلة الوصول الى البيت الابيض كان احد ضباط السي اي ايه يقدم له تلخيصا بأهم احداث الليلة الماضية على مستوى العالم. وعندما يصل الى البيت الابيض يلتحق مباشرة بالرئيس في المكتب البيضاوي من أجل التقرير الاستخباري والامني اليومي، حتى الساعة التاسعة يكون تشيني قد التقى بفريق موظفيه، وهو اصغر من فريقي آل غور ودان كويل، ولكنه يشمل خبراء مشهود لهم بالكفاءة، من بينهم رئيس الفريق: لويس ليبي، الموظف السابق بالخارجية، وبالبنتاغون والذي ورد اسمه في الانباء لانه كان محامي رجل الاعمال مارك ريتش الذي عفا عنه كلينتون، وماري متالين المعلقة السابقة بشبكة CNN واحدى المساهمات في حملة بوش الاب.

هناك ثلاث مناسبات تحدد دور تشيني، وتتعلق جميعا بوجبة الغداء: ففي يوم الثلاثاء يذهب الى كابيتول هيل للاجتماع الاسبوعي باعضاء الكونغرس الجمهوريين. ومن يوم الاربعاء يتناول وجبة الغداء مع باول ورامسفيلد وكوندوليزا رايس، مستشارة الامن القومي. وفي ايام الخميس يتناول وجبة الغداء مع الرئيس بوش، وحدهما، في حجرة طعام قريبة من المكتب البيضاوي. وبين السادسة والسابعة يكون تشيني في طريقه الى منزله.

ان الارتياح لدور تشيني المتضخم، ليس اجتماعيا. فالهمس يدور في اروقة البيت الابيض ان دوره في قضايا الامن القومي قلص من دور رايس، رغم ان مساعديه ينفون ذلك. ويتنبأ بعض الموظفين ان اعضاء الكونغرس الجمهوريين سيتبرمون عندما يبدأ تشيني في ابرام الصفقات مع النواب الديمقراطيين. وهو امر لا مفر منه.

ويقول ترينت لوت، رئيس الجمهوريين بالكونغرس «ظل منصب نائب الرئيس يتطور عبر السنين، واعتقد ان تشيني سيصل الى مستوى جديد في هذا الشأن. انني مرتاح لهذا التطور. وعندما يقول انه لن يترشح للرئاسة فان الجميع ينظرون اليه بصورة مختلفة».

* خدمة «يو. اس. ايه. توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»