المقاتلون الألبان يرفضون إنذار الجيش المقدوني بالانسحاب أو الاستسلام.. أو مواجهة هجمات بالمدفعية والدبابات

TT

تيتوفو (مقدونيا) ـ بروكسل:

«الشرق الأوسط» والوكالات حل هدوء مشوب بالحذر على مدينة تيتوفو المقدونية امس بعد ان انذرت الحكومة المقاتلين الالبان بالانسحاب او الاستسلام او مواجهة هجمات عسكرية بالدبابات والمدفعية وامهلت مقدونيا الالبان حتى منتصف ليل امس لترك مواقعهم في الجبال المطلة على تيتوفو ثاني اكبر مدينة في مقدونيا التي تبعد 50 كيلومترا غرب سكوبي، وتعد عاصمة الالبان غير الرسمية. وكالت القوى الكبرى الغربية بدورها الادانات للمقاتلين الالبان وحذرت من نفاد الصبر ازاء اي عنف عرقي متعمد في البلقان.

لكن قائدا عسكريا رفيعا للمقاتلين قال انهم سيتجاهلون الانذار الذي وجهته مقدونيا للانسحاب من مواقعهم الجبلية او الاستسلام وهدد بنقل المعارك الي شوارع تيتوفو اذا لم تتفاوض الحكومة على مطالبهم المتعلقة بضمان حقوق متساوية لنحو 600 الف من المواطنين من اصل الباني في مقدونيا. وقال القائد واسمه الحركي سكوبي بالتليفون من الجبال: «المعنويات مرتفعة والذخيرة متوفرة والخسائر ضئيلة».

وعززت قوات حفظ السلام التابعة لحلف شمال الاطلسي في كوسوفو وجودها على الحدود الجبلية بين مقدونيا وكوسوفو وهو احد خطوط الانسحاب المحتملة للمقاتلين. وفر نحو 8 آلاف من منازلهم في مقدونيا هربا من القتال وعبر نحو نصفهم الحدود الى البانيا. وقالت منظمات اغاثة ان اغلبهم توجه الى اقارب او اصدقاء.

ويقول المقاتلون انهم يقاتلون من اجل الحصول على حقوق اكبر للمواطنين من أصل الباني في مقدونيا التي تقطنها اغلبية من السلاف حيث يشعر الالبان انهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية على مدى عقد من المشاركة في السلطة. وعلى الصعيد السياسي اجرى وزير الخارجية الروسي ايجور ايفانوف محادثات في سكوبي امس بعد ان حذرت موسكو من ان اعمال العنف قد تخرج عن نطاق السيطرة اذا لم يتم احتواؤها بالقوة اذا تطلب الامر. كما ابلغ خافيير سولانا مسؤول الامن بالاتحاد الاوروبي الذي يزور سكوبي لدعم الحكومة المقدونية المقاتلين الالبان انهم لن يحققوا شيئا بالقوة ونصح الحكومة المقدونية الا تبدأ محادثات معهم. وقال سولانا «لا شيء، واعني لا شيء يمكن الحصول عليه باساليب العنف... فمن الخطأ التفاوض مع الارهابيين ولا ننصح بذلك».

ووقع الحزبان الالبانيان الرئيسيان في مقدونيا بيانا في حضور سولانا يحث المقاتلين المتحدرين من اصل الباني على القاء اسلحتهم والعودة لمنازلهم. وقالا: «نشجب استخدام القوة لبلوغ اهداف سياسية». وقال لامبرتو ديني وزير خارجية ايطاليا عضو مجموعة الاتصال الدولية في البلقان المكونة من ست دول ان المجموعة لن تبدي اي تساهل تجاه المسلحين. وتضم المجموعة بالاضافة الى ايطاليا الولايات المتحدة وفرنسا والمانيا وبريطانيا وروسيا.

وفي واشنطن قالت وزارة الخارجية الاميركية ان واشنطن وحلفاءها في حلف شمال الاطلسي يبحثون اعطاء مقدونيا مزيدا من المعونات العسكرية لكن ليس ارسال المزيد من القوات للمساعدة في انهاء التمرد. واكد الرئيس جورج بوش اثناء زيارة لوكالة المخابرات المركزية مجددا موقف بلاده قائلا ان واشنطن ستعمل مع الحلف على تطوير استراتيجية من شأنها مساعدة مقدونيا على حماية نفسها. كما عزز المستشار الالماني جيرهارد شرودر والرئيس الفرنسي جاك شيراك المطالب الغربية بانهاء القتال واحترام وحدة اراضي مقدونيا.

ووعد جورج روبرتسون امين عام حلف الاطلسي بالقيام بتحرك حاسم لتعزيز الحدود لكنه لم يحدد عدد القوات او موقعها او موعدا. واضاف: ان الفكرة هنا هي قطع طرق امداد المقاتلين الالبان، لكن المجتمع الدولي لن يسعى لتوسيع التفويض للعمل في مقدونيا نفسها.

وقالت الولايات المتحدة انها خصصت بالفعل 33 مليون دولار هذا العام لمساعدة مقدونيا في برامج لدعم الديمقراطية والاقتصاد والمجتمع المدني وخصصت 13.5 مليون دولار لمساعدتها عسكريا.

ويذكر ان بوش كان يأمل في خروج سريع للولايات المتحدة من البلقان ولكن انتشار القتال في مقدونيا سبب تعقيدات قد تطيل الدور الاميركي وربما مهمة حلف شمال الاطلسي في المنطقة. وكما حدث للرئيسين السابقين جورج بوش (الاب) ثم بيل كلينتون فقد يجد بوش انه من الصعب الخروج من البلقان خاصة أن الهجمات التي يشنها المقاتلون الالبان على مقدونيا تثير مخاوف من اندلاع حرب اقليمية.

وقال خبير في شؤون البلقان: «أعتقد ان الادارة الاميركية لا تريد أن تسمع كلمة عن البلقان. ولكن تجاهل المنطقة هو أقصر الطرق الى كارثة.. واذا استمر الصراع لن ينفع الندم.. يجب وقفه الآن».

ويتفق كثيرون مع هذا الرأي بعد الدرس الذي تعلمته الولايات المتحدة وأوروبا منذ عشر سنوات عندما تجمعت السحب فوق البوسنة وكوسوفو في 1991 ايذانا بهبوب العاصفة، ولكنهما لم يتحركا الا بعد ان تفاقم الموقف الى درجة هددت الحلف والاستقرار في أوروبا. وقال دانييل سيروير المسؤول السابق بوزارة الخارجية الاميركية والرئيس الحالي لبرنامج السلام في البلقان: «مقدونيا بمثابة محور العجلة في البلقان.. اذا انهارت يمكن حدوث فوضى كبيرة».

وحتى الآن لا توجد مؤشرات بأن واشنطن ستستجيب لطلب من الحلف بأن ترسل الدول الاعضاء قوات اضافية الى كوسوفو الاقليم الصربي الذي أنقذه الحلف من براثن الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان مليوشيفيتش وذلك لمداهمة المتمردين. وقبل توليه اعرب بوش وكبار مساعديه عن معارضتهم لارسال قوات الى الخارج، وأوضحوا ان الادارة الجديدة تريد خفض الوجود العسكري الاميركي في البلقان حيث تتحمل أوروبا العبء الاكبر.

وردا على سؤال عما اذا كان تفاقم الصراع في مقدونيا يغير من هذه السياسة اجاب أري فلايشر المتحدث باسم البيت الابيض قائلا: «الوضع في مقدونيا لم يغير من موقف الرئيس».