الكرملين يستعد للرد «بقوة» على احتمال طرد 12 دبلوماسياً روسياً من واشنطن

TT

افصحت مصادر قريبة من الكرملين عن رفض موسكو لما تسميه بمحاولات واشنطن العودة الى سياسات املاء ارادتها من منظور القوة، مما يعني العودة الى مناخ الحرب الباردة والتخلي عن روح الشراكة التي طالما سادت علاقات البلدين خلال السنوات العشر الاخيرة. وكشفت المصادر عن ان وزارة الخارجية الاميركية اعدت قائمة تضم 12 من الدبلوماسيين الروس العاملين في سفارة موسكو بوشنطن، تمهيدا لطردهم بتهمة التجسس.

وتأتي هذه الخطوة في اعقاب خطوات مماثلة اتخذها الجانبان مؤخرا، وكانت مبررا لتصعيد حملات الهجوم المتبادلة رغم كل ما يصدر عنهما من تصريحات حول الرغبة في تحسين العلاقات الثنائية. ولعل ما واكب زيارة سيرجي ايفانوف سكرتير مجلس الامن القومي الروسي لواشنطن من اجواء غير ودية، وما صدر من تصريحات حول رفض الرئيس الاميركي جورج بوش عقد قمة ثنائية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قبيل انعقاد قمة الثمانية الكبار في جنوة بايطاليا، يمكن ان يكون تفسيرا لما تبذله من محاولات لاستقطاب كبريات الدول الاوروبية، واستمالتها قريبا من توجهاتها على الصعيدين الاقليمي والدولي.

من هذا المنظور ينبغي تناول الجولة التي بدأها ايجور ايفانوف وزير الخارجية في منطقة البلقان وزيارة العمل التي يقوم بها سيرجي ايفانوف لفرنسا.

وكشفت المصادر الروسية عن قائمة الموضوعات التي سيطرحها سكرتير مجلس الامن القومي الروسي في باريس في لقاءاته مع ابرز رجالات الدولة الفرنسيين، وفي مقدمتهم الرئيس جاك شيراك، وهو ما يبدو محاولة لتعويض ما شاب زيارته الاخيرة لواشنطن من قصور. اذ تضم قائمة الموضوعات المطروحة للنقاش مع المسؤولين الفرنسيين الامن الاقليمي والاوروبي، وقضايا الامن والتعاون الاوروبي والوضع في الشيشان، وعلاقات روسيا مع الناتو، وبناء المنظومة الاوروبية للدفاع المضاد للصواريخ، وتسوية الاوضاع في البلقان والشرق الاوسط.

وثمة من يقول ان تعمد موسكو تكثيف نشاطها الدبلوماسي في اوروبا يبدو محاولة جادة لتعزيز مواقعها في مواجهة تعسف الادارة الاميركية الجديدة التي كشفت صراحة عن رفضها لكثير من توجهات موسكو الخارجية ولا سيما ازاء ايران والعراق وليبيا التي لا تزال واشنطن تضعها في صدر قائمة الدول «المناوئة» لها.

وفي ما يربط البعض ـ وعن حق ـ بين هذه التوجهات وتقلد فلاديمير بوتين السلطة في الكرملين، يعرب الكثيرون في موسكو عن خيبة امل كبيرة في العديد من سياسات الماضي التي طالما استندت الى ثقة غير محدودة، وتفاؤل غير محسوب، في ما كان يسميه «الصديقان القديمان» بوريس يلتسين وبيل كلينتون بالشراكة الاستراتيجية. واذا كان الكرملين يعترف اليوم بعدالة الانتقادات بحق السياسة الخارجية ابان عهد يلتسين، فانه يبدو مدعوا الى العمل من اجل تعويض ما شاب عمل الدبلوماسية الروسية من تصور بعيدا عن اوهام امكانية التعامل مع الولايات المتحدة من موقع الندية، في ظل الادارة الاميركية الجديدة، وعدم انتظار تحقيق النجاح السهل على صعيد التقارب بين روسيا وبلدان غرب اوروبا، واستيعاب مغزى ما يصدر من تصريحات تكشف في جوهرها عن ان واشنطن عادت لترى في موسكو خصما تقليديا يهدد مصالحها، ليس فقط في القارة الاوروبية، بل في مناطق بحر قزوين والقوقاز والشرق الاوسط، في ظل محاولات احياء «نظرية ملء الفراغ».

وليس ثمة شك في ان واشنطن تدرك جيدا اليوم ابعاد ما صدر ويصدر عن الكرملين من تصريحات، حول استعادة مواقع الدولة العظمى، والتصدي لسلبيات النظام العالمي الجديد، وسياسات القطب الواحد، وهو ما يعني ضياع الثقة وتزايد مخاوف الادارة الاميركية الجديدة. ولعل ذلك تحديدا يبدو تفسيرا للتوتر الذي تشوبه علاقات البلدين، ويدفع كلا منهما الى البحث عن حلفاء جدد، واستعادة ما فقده من شركاء ابان السنوات العشر الماضية، واعادة حساباته من منظور الواقع الجديد، وهذا ما يعرض على الكرملين البدء بتوطيد «اركان البيت» من الداخل، على اعتبار ان السياسة الخارجية في دولة هي امتداد طبيعي لسياساتها الداخلية.