قوى المعارضة اللبنانية تعد للبطريرك صفير استقبالا وطنيا لا طائفيا وتفوِّضه «الموقف السياسي»

تحضيرات شعبية واسعة... ولا إجراءات أمنية استثنائية

TT

يعود البطريرك الماروني نصر الله صفير غدا من جولة شملت الولايات المتحدة وكندا عاود خلالها اطلاق مواقفه المعارضة للوجود العسكري السوري في لبنان. وينتظر ان تنظم الاحزاب والقوى المسيحية المعارضة استقبالا حاشدا للبطريرك في مقر البطريركية المارونية في بكركي (شمال بيروت). وتحاول نزع طابع المسيحية و«الفئوية» عن الاستقبال.

وقالت اوساط سياسية لبنانية ان حجم الاستقبال الذي يعد للبطريرك صفير، الذي توقعت اوساط منظميه ان يشارك فيه حوالي مائة الف شخص، سيترجم «مبايعة» للبطريرك كمعبِّر عن مواقف هذه القوى التي تناست خلافاتها في بعض الاحيان، كحال «القوات اللبنانية» المحظورة وانصار القائد السابق للجيش العماد ميشال عون الذين خاضوا اشرس المعارك عام 1990 في ما سمي «حرب الالغاء».

واعتبرت اوساط مسيحية قريبة من بكركي ان ما يحصل من التفاف العونيين و«القوات» حول البطريرك هو «تفويض طبيعي». وقالت هذه الاوساط لـ «الشرق الأوسط»: «لا مشروع قائما حاليا سوى البطريرك صفير، فميشال عون ليس مشروعا بالمعنى الكامل وكذلك (القوات) لا تملك مشروعا متكاملا. هناك مشروع عقلاني وحيد احد ابرز المعبرين عنه هو البطريرك صفير». واكدت المصادر ان «ترك الامور في يد واحدة، خاصة اذا كانت يد البطريرك، يمنع اي خربطة».

وقال رئيس الرابطة المارونية حارس شهاب لـ «الشرق الأوسط» ان الدعوة التي اطلقت تندرج في اطار التعبير عن التضامن حول الموقف الوطني الذي عبر عنه البطريرك. واكد ان «هذا لا يشكل استفزازا او تحديا لأي فئة من الفئات بل يندرج في اطار السعي لعلاقة واضحة مبنية على الثقة والاحترام المتبادل».

وسيحظى البطريرك صفير باستقبال رسمي في مطار بيروت يشارك فيه ممثلون لرؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة. ويتوجه مباشرة الى بكركي التي ستتجمع القوى والاحزاب في اكثر من موقع للانطلاق اليها. ففي انطلياس (مدخل بيروت الشمالي) سيتجمع انصار الرئيس الاسبق امين الجميل. اما انصار تيار «القوات» فيتجمعون قرب كنيسة سيدة النجاة التي كان الانفجار الذي استهدفها في فبراير (شباط) 1994 مدخلا لحل «القوات» وسجن قائدها سمير جعجع. اما انصار التيار العوني وبقية القوى فسيتجمعون في بكركي.

واكد مصدر امني لبناني لـ «الشرق الأوسط» ان القوى الامنية لن تتخذ اجراءات مكثفة خلال الاستقبال على غرار تلك التي اتخذت في 14 مارس (آذار) الجاري لدى محاولة انصار عون احياء ذكرى «حرب التحرير» التي اعلنها عون في هذا التاريخ من عام 1989 ضد القوات السورية.

وشدد المصدر على ان القوى الامنية لن تتخذ تدابير امنية ظاهرة، لكنه تخوف من حصول «بعض الممارسات المخلة بالامن».

وابلغ الناطق باسم تيار «القوات اللبنانية» الدكتور توفيق الهندي «الشرق الأوسط» ان التيار وحزب «الوطنيين الاحرار» و«التيار الوطني الحر» المؤيد لعون اتفقت على منع المظاهر الحزبية والطائفية عن الاحتفال، وبالتالي عدم ظهور صور لعون او قائد «القوات» المسجون سمير جعجع ولا الصلبان التي اعتاد مناصرو «القوات» رفعها في احتفالاتهم.

وقال الهندي: «ان استقبال البطريرك يتم في منطقة ذات غالبية سكانية مسيحية. لكن لا يجوز اظهار ان فئة واحدة تستقبل البطريرك الذي هو رجل دين، لكن مطالبه وعنوان تحركه الاساسي وطنية لا طائفية». واشار ردا على سؤال الى «اننا نريد اظهار ان حزب الاستقلال الذي اطلقه البطريرك فيه توحد حتى بالشكل» نافيا وجود «جو عدائي حيال سورية كدولة». وقال: «اللبنانيون يطلبون استقلالهم وقرارهم الحر من دون اي محاولة لاظهار منحى عدائي» مؤكدا «نبذ العنف في المطلق».

ودعت هيئة التنسيق المنبثقة من لقاء تياري «القوات» و«عون» وحزب «الاحرار» الى «طابع وطني بامتياز» لاستقبال البطريرك «على قاعدة ان المواقف التي اعلنها غبطته اثناء جولته كانت من اجل لبنان، كل لبنان بمسلميه ومسيحييه». وتمنت على «سائر التنظيمات السياسية الملتزمة التيار السيادي الاستقلالي الاكتفاء برفع الشعارات الوطنية دون سواها من الصور او العلامات الخاصة بها».

ولفتت الهيئة الى «ما تبيته جهات معروفة الاهداف من نيات لتحويل المناسبة الى مظاهرة طائفية نرفضها نحن كما لا يريدها البطريرك نفسه». وشددت على ان «الاساءة الاعلامية السافرة التي تعرض لها غبطته على لسان مصدر سوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» لم تكن موجهة لشخصه بقدر ما كانت وبالتأكيد بسبب مواقفه الوطنية الجامعة». وجاء في بيان اصدرته «هيئة التنسيق» ان «الخيار السيادي للبنانيين المحسوم في ضمائرهم منذ ان ولدتهم امهاتهم احرارا، سيعبر عن نفسه يوم الثلاثاء في ارقى وابلغ طريقة واكثرها سلمية وحضارية. وما على الاسرة الدولية، وفي مقدمها الدول العربية ودول القرار، سوى ان تلمس لمس اليد ارادة الشعب اللبناني فتمد له يد المساعدة، وهي واجبة عليها، لتحقيق تطلعاته في وطن حر يقرر مصيره بذاته».

من جهتها، تمنت السيدة ستريدا جعجع زوجة قائد «القوات» على «كل الرفاق ان يعتبروا ان استقبال البطريرك نهار الثلاثاء في باحة بكركي يهدف حصرا الى دعم مواقفه الوطنية وابراز مدى الدعم الشعبي اللبناني الذي يتمتع به، واعتبار ان هذا الدعم لمصلحة المطالب المحقة لكافة الفئات الشعبية اللبنانية». كما تمنت على «كل الرفاق والمؤيدين الحضور الحضاري الهادىء والرصين».

ودعا النائب فارس سعيد الدولة الى «استيعاب الاحتقان الشعبي». ولفت الى ان «البلد يمر في فترة تشنج. ومقولة ان لبنان لا يزال داخل التجاذبات الامنية والعسكرية سقطت». وقال: «لا مصلحة للدولة في التعامل مع البطريرك صفير كما تتعامل مع اي تيار سياسي في الوطن».

ولاحظ سعيد ان «المتضررين من تصحيح العلاقة اللبنانية - السورية يحبون ابراز ما يحدث وكأنه خلاف طائفي وانقسام في الوطن الذي يحتاج الى وصاية دائمة». وقال: «اذا كان هناك طرف في لبنان يطالب بتصحيح العلاقة اللبنانية - السورية، فهذا التعبير مسيحي ولكن المطالبة وطنية وتطاول الشرائح اللبنانية المسلمة والمسيحية. واذا قوبلت كل مطالبة بهذا الشأن بمطالبة من فئة اخرى ببقاء الجيش السوري، فهذه من الوسائل المستعملة لابراز انقسام في الموقف». واضاف: «اعتقد ان المرحلة تخطت الفئوية التي كانت موجودة في فترة الحرب. ومع احترامي لتيار «القوات» و«التيار الوطني الحر»، فالموضوع تخطى فترة عامي 1989 و1990. نحن في العام 2001. وهناك قيادة وطنية وموقع وطني اسمها الكنيسة المارونية التي تطرح موضوع تصحيح العلاقة اللبنانية - السورية ليس من باب اعادة انتاج الرموز القديمة للحرب، بل من باب التقدم في اتجاه تضامن وطني».