الإبراهيمي: أوساط غربية تشوه المؤسسة العسكرية الجزائرية والإسلام

وزير خارجية الجزائر الأسبق يتهم في حوار لـ«الشرق الأوسط» الحكومة بعدم الجدية في البحث عن حلول للأزمة

TT

يقدّر وزير الخارجية الجزائري الأسبق الدكتور أحمد طالب الابراهيمي أن مسعى المصالحة والوئام الذي تبناه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم يكن الا قفازا لتغطية استمرار سياسة الاقصاء، بدليل أنه توقف في منتصف الطريق لاعتبارات وحسابات سياسية ضيقة، وأكد أن السلطة لم تتجه بعد الى معالجة الملفات الكبرى لتي تشغل بال الجزائريين.

واعتبر رئيس حركة الوفاء والعدل، التي رفضت الحكومة الترخيص لها بالنشاط الرسمي، وأحد المرشحين الستة المنسحبين من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في أول حوار خص به «الشرق الأوسط» بعد التزامه الصمت لعدة أشهر، أن أوساطا غربية تواطأت مع التيار الاستئصالي في الجزائر من أجل الصاق كل أعمال العنف التي تعرفها الجزائر بالتيار الاسلامي، ولما انتهت من ذلك توجهت الى الجيش لوضعه في قفص الاتهام بهدف إضعاف هذه المؤسسة التي يجمع الجزائريون على أنها العمود الفقري لاستقرار البلد.

وقال الابراهيمي عند سؤاله عن تقييمه لتطورات الوضع في الجزائر بعد الانقسام الملاحظ بين المؤيدين والمعارضين لسياسة الوئام للرئيس عبد العزيز بوتفليقة:

ـ منذ عشر سنوات وأنا أصرح وأكرر أن الأزمة الجزائرية هي أزمة سياسية قبل كل شيء، وأن حلها لا بد أن يبدأ بالجانب السياسي، عن طريق حوار يشمل جميع القوى الفاعلة على الساحة الجزائرية بدون اقصاء، لنصل الى مصالحة وطنية حقيقية تسهل حل المعضلات الأخرى: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لكن، مع الأسف، اختار أصحاب القرار طريقا آخر وهو ما أطلق عليه اسم الحل الأمني الشامل، الذي فضل المعالجة الأمنية الصرفة، متجاهلا الجوهر السياسي للأزمة ومتجاهلا كل ما لا يتفق مع آراء دعاة الاستئصال والتغريب. ثم جاء موعد الانتخابات الرئاسية في الشهر الرابع من عام 1999 وكان تاريخ علق عليه الشعب الجزائري آمالا كبيرة، خاصة بعد التزام السلطة، ممثلة في رئيس الدولة آنذاك ورئيس أركان الجيش، باجراء انتخابات نزيهة، ولكن، مرة أخرى، صودرت الارادة الشعبية وفُرض رئيس على الشعب. ولذا سياسة الوئام المدني لم تكن الا قُفّازا لتغطية استمرار سياسة الاستئصال، وأحسن دليل على فشل هذه السياسة أنه بالرغم من وجود رئيس جديد منذ سنتين، بقيت دار لقمان على حالها، إذ المواجهة مستمرة وعدد الضحايا، المقدر بأكثر من مائة ألف، لم يتوقف، وما زلنا نشاهد مزيدا من المهجرين والمسجونين والمفقودين والمعذبين. ثانيا، تشتيت الساحة السياسية أدى الى انسداد سياسي، فإما أحزاب عميلة للسلطة أو أحزاب معارضة ذات مصداقية، لكن لا حق لها لا في التعبير ولا في الوجود مثلما حدث مع حركة الوفاء والعدل. فضلا عن ذلك، اغلاق الساحة الاعلامية باحتكار وسائل الاعلام العمومية التي لا تفتح أبوابها للرأي الآخر المخالف لرأي السلطة، وتكميم أفواه الصحافة الحرة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية وانعدام المشاريع الاستثمارية بالرغم من تحسن مداخيل الدولة بالضعف، وتحطيم الطبقة المتوسطة.

* دعا الرئيس قبل شهر الى ضرورة ترقية الوئام المدني الى وئام وطني، هل يعني هذا استعداد السلطة للدخول في مرحلة ثانية من المصالحة تنتهي الى مصالحة وطنية مثل تلك التي دعوت اليها، وما هي قراءتك للمواقف الرافضة لهذه الدعوة من قبل أهم أحزاب الائتلاف الحكومي؟

ـ كنا نتمنى أن يشكل الوئام المدني خطوة جادة على طريق المصالحة الوطنية، لذلك لم نعارضه في حينه لأن أي قرار يرمي الى تجنب اراقة الدماء لا يمكن الا أن يكون ايجابيا. ولكن، بعد عامين، تبين أن العملية توقفت في منتصف الطريق، لأنها لم تكن خالية من الحسابات السياسية الضيقة، والدليل على ذلك استمرار أعمال العنف، وعودة السلطة الى توزيع السلاح على المواطنين في بعض الجهات عوض سحبه كما وعدت. والدليل الآخر على محدودية نتائج الوئام المدني أن الملفات الحقيقية لم تفتح بالرغم من مرور سنتين على تعيين الرئيس الجديد. وعوض ذلك تقوم السلطة بالهاء الرأي العام بالمشاكل المزيفة التي تثيرها دوريا لتجعل الشعب ينسى المشاكل الحقيقية.

وأعني بالملفات الكبرى ملف العنف الذي لم يتوقف، وملف البطالة التي لم نشهد لها مشروعا واحدا يهدف الى امتصاص جزء منها، وملف السكن الذي أصبح عائقا أمام زواج كثير من الشبان، وملف الهوية الذي كنا نعتقد أننا حسمناه خلال الثورة المسلحة وملف حقوق الانسان الذي تسيطر عليه مأساة المفقودين. من كل هذا أستخلص أن السلطة ليست جادة في البحث عن المصالحة الوطنية التي تضع حدا نهائيا لمحنة الشعب الجزائري، وتجعله يستعيد قواه من أجل خوض معركة التنمية في ظل الأمن والاستقرار والتسامح.

* هناك من ربط خروج أحزاب الائتلاف الى العلن لانتقاد سياسة الرئيس بوجود خلاف بين بوتفليقة وقيادة الجيش، هل تتصور أن هناك فعلا مشاكل بين الطرفين وأن الطلاق وشيك بينهما؟

ـ لست من رواد أروقة السلطة، وعلى هذا الأساس ليست لي معلومات دقيقة حول الموضوع، كل ما أتصوره أن الخلاف، اذا كان هناك فعلا خلاف، لا يطال القضايا الأساسية، وغالب الظن أنه يتعلق باقتسام مناطق النفوذ في السلطة واقتسام الريع في القطاعات الاقتصادية. وفي كل الحالات يبدو من الصعب على الرئيس الجديد أن يتمرد على من أتى به الى السلطة.

* وكيف تفسر اقدام السلطة على رفع التشميع عن المقر المركزي لحركتك ثم اعادة تشميعه بعد أقل من 48 ساعة؟

ـ ان المواقف المتذبذبة للسلطة تجاه حركة الوفاء والعدل تؤكد جوابي على السؤال السابق. كان رد وزير الداخلية على مساءلة 40 نائبا حول هذه القضية ردا مخزيا من الناحية الأخلاقية وتافها من الناحية القانونية، وقد تلا هذا الرد، الذي أثار استياء الرأي العام الجزائري وحتى بعض الدوائر في السلطة، تشميع مقرات الحركة ومنعها بغير وجه حق من أي نشاط.

وفي آخر ندوة صحافية لي كنت قد أكدت أنني بعد استشارة القيادة قررت تجميد نشاط الحركة تفاديا للوقوع في فخ المواجهة التي تبحث عنها السلطة، وأنا الذي ركزت حملتي الانتخابية على ايقاف النزيف الدموي، لا أريد أن أتسبب في نزيف جديد. كما أكدت أن تجميد الحركة لا يعني تجميد المشروع.

في 8 فبراير (شباط) الماضي رفع التشميع بأمر من الشرطة القضائية لتقوم نفس الشرطة، بعد 48 ساعة، باعادة هذا التشميع، وهذا الموقف يؤكد أن السلطة التنفيذية في الجزائر لا تريد معارضة ذات مصداقية، بينما كان يقتضي الدهاء السياسي السماح لهذه المعارضة بالنشاط لأنها الوسيلة الوحيدة لاضفاء شيء من المصداقية والشرعية على هذه السلطة.

ـ رسالتك الى مناضلي الحركة غداة اعلان وزير الداخلية قرار الحكومة بمنع منح الاعتماد القانوني لحركة الوفاء، قرأها بعض المحللين بأنها خطبة وداع لأي نشاط سياسي مستقبلا، ما هو تعليقك؟

ـ أعتقد أنني، سياسيا وقانونيا، ما زلت رئيسا منتخبا لحركة الوفاء والعدل، ولو منعتني السلطة من النشاط مؤقتا. بيني وبين مناضلي حركة الوفاء والعدل، وأغلبهم من الشباب، عقد أدبي لا يمكن أن يُفسخ بقرار من أي وزير أو أي رئيس. فالذين تجمّعوا حول برنامج الحركة يتسمون ببعد روحي وأخلاقي يجعلهم يعتبرون الوطن أعز من النفس ويستحق كل تضحية، وأن فوق حب الوطن الايمان بالله، والحياة لديهم عقيدة وكفاح، أو بمعنى آخر ان الحياة غير ممكنة بدون مبادئ وقيم وأخلاق وقناعات.

ـ تناقلت أوساط اعلامية معلومات عن تناولك فطورا رمضانيا مع وزير الداخلية يزيد زرهوني في باريس، ثم رسالة شفوية يكون نقلها لك شخصيتان مقربتان من الرئيس بوتفليقة، وأخيرا لقاء يكون جرى بينك وبين الرئيس عشية سفره الى الهند، ما هي الحقيقة في كل هذا، وهل مشكلتك فعلا مع العسكر وليس مع بوتفليقة؟

ـ كل هذه المعلومات ما هي الا أساطير الآخرين.. ولا أدري كيف أضطر الى تكذيب أقاويل لا أساس لها من الصحة، لكن أقول انني لم أسافر أبدا خارج الوطن في شهر رمضان، ولم أتلق أية رسالة شفوية ولا كتابية من رئيس الدولة، كما أنني لم ألتق هذا الأخير، وشخصيا ليست لي أية مشكلة مع أية جهة في السلطة، بل أتساءل ما هي مشكلة هذه الجهات معي؟

ـ أسفار الرئيس المتواصلة الى الخارج أثارت انتقاد عدة أوساط بما فيها أحزاب الائتلاف، في حين يقول الرئيس والمقربون منه ان هذه الأسفار ضرورية لتلميع صورة البلد، ما مدى صحة هذه المبررات بحكم تجربتك في منصب وزير للخارجية سابقا؟ ـ التجربة تبين أن تلميع صورة أي بلد في الخارج لا يحصل الا عندما يتم التحكم في الوضع الداخلي حيث يسود الأمن والاستقرار. وما دامت الجزائر لم تعرف لا الأمن ولا الاستقرار وما دامت المصالحة الوطنية منعدمة، فكل عمل خارجي يبقى ضئيلا وذا مردود هزيل. ـ ما رأيك في الضجة التي أثارها مؤخرا كتاب «الحرب القذرة» في الأوساط الاعلامية الفرنسية على الخصوص، وهل ترى أن لذلك علاقة بزيارة وزير الخارجية الفرنسي الى الجزائر؟

ـ ان قراءة هذا الكتاب مؤثرة ومؤلمة، لأنها تمس مؤسسة حيوية كنت وما زلت أعتقد أنها تشكل العمود الفقري لاستقرار البلاد. ان سرد الأحداث مع ذكر أسماء الأشخاص والأماكن والتواريخ يضفي نوعا من المصداقية على الكتاب عند القارئ العادي، ولعل الضجة الاعلامية التي أثارها الكتاب كانت مرتبطة بهوية المؤلف وباقتراب موعد اجتماع لجنة الأمم المتحدة لحقوق الانسان بجنيف. ويبدو لي أن العشرية الماضية تميزت بتواطؤ بعض الأوساط الغربية وبعض الأوساط الاستئصالية في الجزائر من أجل الصاق كل أعمال العنف في الجزائر بالتيار الاسلامي، وهذا التواطؤ يستهدف ابراز صورة مشوّهة للاسلام. وبعد أن أيقنت هذه الأوساط الغربية أنها نجحت في مهمتها، ها هي تستهدف المؤسسة العسكرية وتضعها في قفص الاتهام باستغلال ما يُشاع عن اقدام بعض العناصر من الجيش على أعمال يذهب ضحيتها مواطنون ومواطنات.

ان هذا الأعمال مدانة ومرفوضة في كل الأحوال، ونرفض أن تكون ذريعة لاضعاف المؤسسة العسكرية التي نريدها قوية ومتماسكة وعصرية حتى تقوم بمهمتها في الدفاع عن وحدتنا الترابية وسيادتنا الوطنية.

ـ ما هي قراءتك للتطورات التي رافقت مصادقة اللجنة الوطنية لاصلاح المنظومة التربوية اخيرا وعن موضوع المدرسة الجزائرية عموما، علما أنك توليت في السبعينات وزارة التربية؟

ـ لم أطلع بعد على تقرير اللجنة الوطنية لاصلاح المنظومة التربوية لأنه لم يُنشر، ولكن طيلة العشرية الأخيرة وأنا ألاحظ ردة في مسيرة التعريب، ازدادت حدة في العامين الماضيين، وهذه الردّة لا تبشر بالخير بالنسبة للتوجهات العامة لهذه اللجنة. فهي تدخل في اطار الصراع الحضاري الذي نعيشه في الجزائر بين أنصار العروبة والاسلام وهم الأغلبية، وأنصار التغريب وهم الأقلية الحاكمة.

بعد جهد جهيد لعودة العربية الى مكانها الطبيعي في التعليم وفي الادارة وفي الاعلام وفي الحياة العامة، لن نقبل أن تعود اللغة الوطنية الى وضعها في العهد الاستعماري كلغة أجنبية.

ـ حذر رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، قبل أيام، من انزلاق الجزائر بين أحضان نظام استبدادي شمولي بسبب السياسة التي ينتهجها الرئيس بوتفليقة، هل تقاسمه نفس التخوف أم لك موقف مغاير؟

ـ نحن نعيش النظام الشمولي منذ عشر سنوات، بالرغم من الواجهة الديمقراطية المزيفة. والآن بدل أن تنتهي بنا تجربة التعددية السياسية، التي خطت بعض الخطوات، نحو الديمقراطية، أصبحنا مهددين بالوقوع في قبضة نظام أسوأ من نظام الحزب الواحد، هو نظام الشخص الواحد.