كيف وازن بوتين بين «أهل الثقة» وأهل الخبرة في التغييرات الوزارية الجديدة؟!

TT

عقد مجلس الأمن القومي الروسي بقوامه الجديد جلسة طارئة امس لبحث الأوضاع في الشيشان، والاستماع الى تقرير ستانيسلاف الياسوف رئيس الحكومة الشيشانية حول هذه القضية. وجاء هذا الاجتماع تأكيداً لما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول ان ما اجراه من تغييرات حكومية يستهدف ضمنا تحسين الأوضاع في شمال القوقاز.

وكان بوتين قد ذكر كذلك ان هذه التغييرات تستهدف الحد من الطابع العسكري للحكومة، في اشارة من جانبه الى تعيين سكرتير مجلس الأمن القومي السابق سيرجي ايفانوف وزيراً للدفاع، واختيار زعيم كتلة «الوحدة» الموالية له في مجلس الدوما بوريس جريزيلوف وزيراً للداخلية، رغم انه مهندس للالكترونيات ولم يعمل قط في اي من الاجهزة الأمنية، وهو ما وصفه بوتين بأنه «اختيار يتسم بطابع سياسي».

ولعل ما قاله بوتين حول «الطابع السياسي» للحكومة يعني ضمناً اجراء عدد من التغييرات التي تستهدف اختيار العناصر التنفيذية الجديدة، بما يتناسب مع البرنامج المقترح لاجراء الاصلاحات الداخلية، سواء على الصعيد العسكري داخل صفوف القوات المسلحة، او الاقتصادي في اطار تحقيق خطة التنمية، وتحديد العلاقة مع اقطاب الداخل، وصقور الخارج في المؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد.

ولم يخف بوتين خطته لاجراء عدد آخر من التغييرات، وثمة دلائل حول انها لا بد ان تطال اركان المجموعة الاقتصادية، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة ميخائيل كاسيانوف. ومن المنتظر ان يجدد الخطاب السنوي الذي سيلقيه بوتين امام مجلسي الجمعية الفيدرالية ملامح خطة العمل في الفترة المقبلة، وماهية الشخصيات المدعوة لتنفيذ هذه الخطة.

وثمة مؤشرات كثيرة تقول ان التغييرات المرتقبة شأن التي جرت يوم الأربعاء الماضي تأتي في وفاق مع ما سبق وأعلنه بوتين، يوم تولى رئاسة الحكومة في اغسطس (آب) عام 1998، انه لن يجري اية تغييرات جذرية سواء في قوام الحكومة او استراتيجية العمل قبل عام على اقل تقدير.

ووفى بوتين بالوعد الذي قطعه على نفسه امام الرئيس السابق بوريس يلتسين، ولم يقدم على التغيير الا مع حلول الذكرى الأولى لانتخابه رئيساً للدولة. وحين اقدم عليه لم يقس على اي من الذين طالتهم يد التغيير سوى وزير الطاقة النووية يفجيني اداموف، الذي اكتفى بارغامه على طلب الاستقالة بدلاً من اصدار مرسوم الاقالة لأسباب تتعلق بالفساد في وزارته بالدرجة الاولى.

لذا فقد احتفظ بوزير الدفاع السابق المارشال ايجور سيرجييف وعيّنه مساعداً للرئيس لما يسمى بالاستقرار الاستراتيجي (!!). ورغما عن ذلك فقد آثر الاحتفاظ بفلاديمير روشايلو، الذي سبق ان رشحته الشائعات للرحيل من منصبه كوزير للداخلية عام 1998، بسبب علاقاته الوثيقة بالملياردير اليهودي بوريس بيريزوفسكي، الذي وقف الى جانب بوتين في البداية، لينتهي به المطاف بالهرب الى الخارج فراراً من اتهامات بالفساد.

وفي هذا الصدد، قالت مصادر مطلعة ان تعيين روشايلو سكرتيراً لمجلس الأمن القومي الروسي بدلاً من سيرجي ايفانوف الذي عين وزيراً للدفاع يقلل من شأن هذا المجلس، الذي اعتمد عليه بوتين، وكان يرأسه شخصياً ابان عهد الرئيس السابق يلتسين، ومنح الكثير من الصلاحيات، بما فيها الاتصالات الخارجية خصماً من رصيد ومواقع وزارة الخارجية الروسية.

مع ذلك، فان الاحتفاظ بروشايلو يعني ضمناً تقدير بوتين لما ابداه من ولاء وانضباط خلال الفترة القليلة الماضية، لكنه يعني ايضا اهتماما اكبر بالأمن الاقتصادي، مما يفسر اشارته الى اهمية التصدي للفساد، وتهريب الأموال، والكشف عن محاولات غسيلها عبر المؤسسات الوهمية في الداخل والخارج.

لذا لم يكن غريبا ان ينتقل فياتشيسلاف سولتاجاوف رئيس جهاز شرطة الضرائب الى منصب نائب سكرتير مجلس الأمن القومي، تاركاً منصبه لميخائيل فرادكوف الذي شغل من قبل منصب سكرتير مجلس الأمن القومي، بعد سنوات من العمل وزيراً للعلاقات الاقتصادية الخارجية.

وهنا تحديداً يصدق ما قاله بوتين حول اضفاء الطابع المدني على عمل الأجهزة الروسية حيث جرى تحويل الجنرال سولتاجانوف الى العمل في مجلس الأمن، بينما يتولى المدني فرادكوف الاشراف على شرطة الضرائب.

ومن المنتظر ايضا ان يتولى روشايلو عبر منصبه الجديد كسكرتير للأمن القومي الاشراف على تسوية الاوضاع في الشيشان، استنادا الى ما سبق ان تراكم لديه من خبرات أمنية ابان الحربين الاولى والثانية مع المقاتلين الشيشان.

ومن المنظور نفسه يعلق بوتين الكثير من آماله لتحقيق الاصلاح العسكري، على سيرجي ايفانوف الذي اشرف على وضع استراتيجية الجيش من منصبه السابق كسكرتير لمجلس الأمن القومي، وهو الذي لم يخدم في القوات المسلحة، مكتفيا بموقعه السابق كجنرال في جهاز المخابرات سبق ان تخرج مع بوتين في جامعة ليننغراد، من كلية الآداب المجاورة لكلية الحقوق التي تخرج فيها بوتين في عام 1975.

اما عن الشاعر السخط والغضب التي تعتمل في نفوس الكثيرين في وزارة الداخلية بسبب تولي «مدني» لمنصب الوزير من دون اية خبرات سابقة، فثمة من يقول ان بوتين «عمل حسابها» حين اعاد الجنرال فلاديمير فاسيليف الى منصب نائب وزير الداخلية وسكرتير عام الوزارة، وهو الذي يتمتع باحترام وتقدير كل العاملين بالوزارة التي سبق ان عمل بها منذ «سنوات الصبا» قبل انتقاله للعمل نائبا لسكرتير مجلس الأمن القومي.

وبينما يحتدم الجدل في الساحة السياسية حول مدى ارتياح الأوساط الغربية تجاه تولي جنرال المخابرات الروسية سيرجي ايفانوف لمنصب وزير الدفاع، رغم ما يقال عن طابعه المدني، يترقب الكثيرون الكشف عن ابعاد التغييرات التي اعلن بوتين عن عزمه اجراءها ومدى احتمالات ان تطال رئيس الحكومة، وهو ما سيتضح الكثير من معالمه بعد القاء الرئيس الروسي لخطابه السنوي امام الجمعية الفيدرالية يوم الثلاثاء القادم.