طالبان حققت الاستقرار لأفغانستان لكنها جلبت الحزن للسكان

TT

كابل ـ رويترز: يرقد بابور، مؤسس امبراطورية المغول، في قبره الرخامي عند احد تلال العاصمة الافغانية كابل وسط تجاهل شديد للسكان. ويعرف ابناء الاكواخ المتناثرة على المنحدر فتوحاته، لكن المباني الخربة في المقبرة والجنان المهجورة التي شيدها قبل خمسة قرون تشهد على انه ليس محل اهتمام احفاده من حكام افغانستان هذه الايام.

وحال كابل اليوم يقول إنها صارت مدينة يلفها الحزن. فلم تحل 21 سنة من الحرب الاهلية دون تشييد مبان جديدة فحسب بل قوضت الكثير مما كان موجودا من قبل. اما طالبان التي استولت على السلطة عام 1996 فقد فرضت وضعا اجتماعيا كئيبا على الجميع. فالموسيقى والرقص والغناء والتلفزيون جميعها محظورة. واعتبارا من التاسعة مساء يلزم الجميع بيوتهم باستثناء المسلحين الذين يجوبون الشوارع المظلمة. ويعيش المواطنون الذين يشاهدون سرا اجهزة تلفزيون لم تصادرها طالبان في هلع من حملات المداهمة. وكثيرا ما يتردد «لقد فرضوا الامن، الا انه امن السجون».

وكانت كابل قد شهدت حركة تحديث سريعة في الستينات والسبعينات قبل ان تسقط البلاد في اتون صراع بين الاصلاحيين والمتشددين. وفي عام 1979 جاء الغزو السوفياتي بهدف انقاذ النظام الشيوعي ليشعل نار حرب لا تزال مستمرة حتى الآن. ويقول دليل سياحي صدر قبل 25 عاما «كابل عاصمة افغانستان منذ 1776 مدينة سريعة النمو تطل فيها البنايات الشاهقة الحديثة على الاسواق العامرة. وتعج الشوارع الفسيحة بحشود من فتيات المدارس المشرقات في ملابسهن الطويلة والقصيرة مع كثير من اصحاب الوجوه الجميلة وزحام المرور».

هذه المدينة غير موجودة الآن. فمساحات كبيرة من العاصمة سويت بالارض نتيجة الحرب، خاصة بسبب الهجمات الصاروخية العشوائية التي كان يشنها قادة الميليشيات المتناحرة خلال سنوات ما بعد الانسحاب السوفياتي عام 1989. وتحولت اجمل بنايات ما قبل الحرب الى حطام. فتهدم الطابق الاخير من المتحف الوطني الذي شيد في الستينات بسبب القصف الصاروخي. وقال احمد يار مدير المتحف ان 70 في المائة من محتويات المتحف اما دمرت او سرقت حتى قبل ان تعمد حركة طالبان الى تدمير مجموعة تماثيل بوذا. اما الكهرباء فهي متقطعة او غير موجودة بالنسبة لنحو 1.6 مليون من سكان كابل التي تزايد تعدادها بارتفاع معدلات الهجرة من الريف بسبب الحرب.

وتواصل المنظمات الاجنبية في كابل تطهير حقول الالغام التي يعرج الكثيرون من ضحاياها في شوارع تذرعها سيارات متهالكة مستوردة من دبي. وبسهولة يمكن تمييز حافلات طالبان المكدسة بمسلحين يحملون بنادق الكلاشنيكوف.

والنساء الآن منقبات تماما، كما يحظر توظيفهن في كثير من المهن باستثناء وظائف محدودة. ومنعت السلطات تعليم الفتيات بدعوى عدم القدرة على اقامة منشآت جديدة لتعليمهن في مدارس غير مختلطة.

وفي جامعة كابل التي كانت يوما منارة في المنطقة حظرت السلطات على طلابها دراسة فنون مثل النحت والموسيقى. ورغم ان المسؤولين يقولون انهم يريدون استئناف الاتصالات مع الجامعات الاجنبية فان رئيس الجامعة مولوي بير روحاني يتشكك في الثقافة الغربية. وقال روحاني عن الجامعة قبل الحرب «في ذلك الوقت كان المحاضرون الموالون للثقافة الغربية اصحاب النفوذ في الجامعة. لقد كانوا يفكرون في متع الحياة الدنيا بدلا من دفع المجتمع الى الاتجاه الصحيح».

اما الاقتصاد فهو ارض خراب. فالدولار الذي كان يساوي 50 افغانياً في منتصف الثمانينات بلغ سعره الشهر الماضي 77500 افغاني. وشارع تشيكن الذي كان قبلة السياح في الايام الخوالي حين كان يعج بمتاجر بيع السجاد والتحف والمشغولات التقليدية اصبح الان مهجورا. ويبدو الامل في حياة افضل ضئيلا حتى ان كل افغاني اتيحت له فرصة الخروج من البلاد هاجر. وقليلون هم الذين يحتمل ان يعودوا. قال مسؤول بارز في احدى جهات المعونة «طالبان جلبت الاستقرار، الا انه بعد خمسة اعوام يتوقع الناس اكثر من الاستقرار، انهم يريدون البرامج اجتماعية والاعمار».

وفيما تركز طالبان على دحر آخر قوات المعارضة في شمال شرق البلاد يعتمد الافغان على الامم المتحدة ومنظمات الاغاثة الاخرى في الحصول على الخدمات الاجتماعية الضرورية التي تقدمها الحكومة عادة في معظم الدول.

ولا تبدو الامم المتحدة متفائلة بشأن امكانية ابداء طالبان ليونة في اسلوبها المتشدد. فقد رفضوا في العام الماضي السماح بتوظيف نساء رغم الاحتياج اليهن بشدة لانه مسموح لهن فقط بدخول المنازل والتحدث الى الاخريات من النساء.

كما تبدو الحركة اكثر عداء تجاه موجة الغضب العالمي. ويظهر ذلك من خلال رفض طالبان النداءات الدولية من اجل التراجع عن قرار اصدره الملا محمد عمر، الزعيم الاعلى للحركة، بتدمير تمثالي بوذا في باميان وسط البلاد. ويردد بعض الافغان شائعات بأن حكومة طالبان قد تتجه الى ازالة حتى الكنوز المعمارية الاسلامية المتمثلة في الاضرحة المزخرفة بالنقوش والفسيفساء.