أحمد شاه مسعود: طالبان لا تمثل شعب أفغانستان وتحطيم التماثيل صور الأفغان كأعداء للثقافة والإنسانية

زعيم المعارضة الأفغانية لـ«الشرق الأوسط»: جئت إلى باريس لتعريف الأوروبيين بالحقائق

TT

«أسد في باريس!» .. هذه هي الطريقة التي استقبلت بها وسائل الاعلام الفرنسية الزيارة المفاجئة التي قام بها زعيم المعارضة الأفغانية أحمد شاه مسعود، الذي يلقب بـ«أسد بانشير». وقد وصل الى باريس أول من امس في اول زيارة له الى اوروبا خلال 20 عاماً. وقد استقبلته يوم امس الجمعية الوطنية الفرنسية التي اعلن فيها انه «سيبذل النفس والنفيس من اجل تحرير افغانستان للمرة الثانية»، أي تحريرها هذه المرة من حركة «طالبان». وقد استقبله البرلمانيون من كل ألوان الطيف السياسي بالوقوف والتصفيق. والتقى بعد الظهيرة بوزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين. ومن التطورات الهامة ان فرنسا استطاعت ان تقنع الاتحاد الأوروبي بدعم تحالف المعارضة الأفغانية بقيادة مسعود من اجل اقامة نظام جديد بأفغانستان. وقد أثار فيدرين هذا الموضوع مع وزير الخارجية الاميركي الجديد، كولن باول بواشنطن الأسبوع الماضي. وتقول مصادر اميركية وفرنسية مطلعة ان الولايات المتحدة تعيد تقييم سياستها نحو افغانستان بعد ان كانت تميل الى طالبان من البداية. يقول أوليفيير روي، احد كبار الخبراء الفرنسيين حول افغانستان «ضلل الأميركيون بعض الحلفاء الباكستانيين والعرب واقنعوهم بدعم طالبان. وتدفع واشنطن الآن ثمن اخطائها ومن ضمنها رفضها المتواصل للتعامل مع احمد شاه مسعود». ويتضمن جدول اعمال مسعود مخاطبة البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ على امل الحصول على مزيد من الدعم لحكومة برهان الدين رباني. ومع ان هذه الحكومة معترف بها من قبل جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة ما عدا ثلاث دول، الاانها لا تسيطر الا على 10% من الأراضي الأفغانية مقارنة بـ90% تسيطر عليها طالبان. ويشغل مسعود رسمياً منصب وزير الدفاع في حكومة رباني، ولكنه في الواقع القائد الفعلي للمعارضة والوحيد الذي يقود جيشاً من 20.000 مقاتل.

بدأ مسعود حرباً ضد الجيش السوفياتي الغازي بعد ايام فقط من دخوله الى كابل، عام 1979. وصار بالتالي القائد الوحيد الذي قضى كل فترة التحرير داخل افغانستان. وطوال تلك الفترة لم يسجل سوى زيارة قصيرة الى باريس، فضلاً عن مشاركته في المفاوضات مع قادة الفصائل الآخرين بطشقند (أوزبكستان) ودوشانبه (تاجيكستان). وقد سجل كذلك ثلاث زيارات كل منها ليوم واحد لمدينة مشهد بشمال ايران من اجل مفاوضات مع القادة الأفغان بالمنفى. باستثناء ذلك فقد قضى كل هذا الوقت بمنطقة نفوذه بوادي بانشير (الأسود الخمسة) الى الشمال الشرقي من كابول. والجدير بالذكر ان قوات مسعود هي التي حررت كابل في النهاية واسقطت النظام الشيوعي المدعوم من قبل موسكو. وفي عام 1996، اضطر مسعود الى الانسحاب من كابل، اثر ضغط عسكري شديد من طالبان، التي يقول انها مجرد واجهة للجيش الباكستاني.

ويتوقع ان تطرح قضية افغانستان على جدول اعمال (قمة الثمانية) التي ينتظر انعقادها الشهر المقبل بايطاليا، حيث يلتقي الرئيس الأميركي جورج بوش بقادة كندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا واليابان وروسيا، ويتمنى الكثيرون ان تتمكن القمة من الوصول الى موقف سياسي موحد يهدف الى مساعدة افغانستان في تكوين حكومة قومية جديدة تمثل كل الجماعات في البلاد.

في محادثة هاتفية اجاب مسعود على اسئلة «الشرق الأوسط» حول زيارته الى باريس:

* ما هو هدف زيارتكم إلى باريس؟

ـ وجهت لي السيدة نيكول فونتين، رئيسة البرلمان الأوروبي، الدعوة لزيارة ستراسبورغ ومخاطبة جلسة خاصة للبرلمان. وقد قبلت الدعوة لأنها تعتبر شرفاً لا يسبغ الا على القلة من الضيوف الأجانب. فكرت كذلك انه قد حان الوقت ان اطلع ممثلي 15 دولة اوروبية، وبصورة مباشرة، على حقيقة الأوضاع بأفغانستان. ويتيح لي وجودي بفرنسا، كذلك، فرصة التفاوض مع الحكومة الفرنسية ومع الشخصيات غير الحكومية، التي يهمها أمر بلادنا.

* ما هي رسالتك؟

ـ هدفي الأول ان اذكر العالم بالتراث الثقافي والانساني العظيم لأفغانستان. فتحطيم التماثيل البوذية قرب باميان، والذي حدث مؤخراً، صوّر الأفغانيين كأعداء للثقافة وللانسانية. ولكن افغانستان كانت مهداً للعديد من الثقافات التي تضرب آلاف السنين في أعماق التاريخ. وقد انجبت بلادنا عدداً كبيراً من الشعراء والفلاسفة العظام، الذين تخلدهم تعاليمهم الانسانية وحبهم للجمال. وتقوم ثقافة افغانستان الاسلامية على قيم انسانية عميقة، بما في ذلك احترام الثقافات والمعتقدات الاخرى. بمعنى آخر فان ما تقوم به طالبان لا يمثل الشعب الأفغاني، والواقع ان الضحية الأساسية لطالبان هي الشعب الأفغاني نفسه.

* الحقيقة هي ان طالبان تسيطر على 90% من أفغانستان.

ـ يعتمد الأمر على ما يعني المرء بكلمة يسيطر. ومن الضروري ايضا ان نتذكر من هم وراء طالبان؟ من يسلحهم ويمولهم؟ من الذي يزيد اعدادهم عن طريق ما يطلق عليه «المتطوعون»؟ من الذي يستخدمهم كقوات مرتزقة لتدمير الأمة الأفغانية وفتح الطريق للسيطرة عليها من قبل قوى خارجية؟ وايضا لا تنس ان الجيش السوفياتي كان يسيطر على 100% من افغانستان. وكنا في وقت من الأوقات لا نسيطر الا على عدة قرى في بنجشير. ربما يرفرف علم طالبان على العديد من المناطق في البلاد، الا ان شعبنا يقاوم ويقاتل المستبد كل يوم. ان سجون طالبان مليئة بالمقاتلين. ومن المؤكد انك على علم بالمذابح التي تقوم بها قوات طالبان في كل المناطق التي استولوا عليها. ان على هؤلاء الذين يتحدثون كثيرا عن جرائم ضد الانسانية يجب ان ينظروا الى افغانستان. ان وجود افغانستان في مكان قصي في العالم يجب ألا يعني تجاهل المجتمع الدولي لها.

* ماذا تتوقع من الأوروبيين والأميركيين؟

ـ لا أفرض سياسة على احد. كل ما اطلبه هو ضرورة ان تتعامل جميع الدول طبقا للقيم المشتركة للانسانية. ان شعبنا يواجه المجاعة والدمار. لقد دمر الجفاف المحاصيل الزراعية في عديد من مناطق البلاد. كما دمرت طالبان البنية الأساسية المتواضعة لمدارسنا ومستشفياتنا وحطمت اقتصادنا بفرص سلسلة من الاجراءات الغبية. لقد حولت طالبان المرأة الافغانية الى مواطن من الدرجة الثانية، بينما يحرم أطفالنا من الرعاية الصحية الأساسية.

* تبدو أفغانستان كجائزة في نسخة جديدة «من اللعبة العظمى».

ـ هذا بالضبط ما نريد تحذير الجميع منه. لقد اظهر التاريخ ان كل من حاولوا السيطرة على افغانستان واستخدامها كقاعدة اقليمية لتحقيق طموحاتهم، قد انتهوا بالأسى. ان الافغان يحبون حرياتهم واستقلالهم ويعرفون كيف يقاتلون للحفاظ على قيمهم. ولا يجب السماح لدولة او كتلة بالسيطرة على افغانستان. ان افغانستان المستقلة في سلام مع نفسها وجيرانها هي الحل الافضل لجميع من يهتم بالمنطقة.

* تؤكد طالبان ان تحركاتك تتم بدعم من روسيا وايران والهند. هل تتوقع من الغرب مساعدتك ايضا؟

ـ يعرف من يتابعون خطواتنا اننا تعلمنا الاعتماد على انفسنا. لقد قاومنا السوفيات لسنوات طويلة بدون اي دعم خارجي. ونشرت طالبان شائعات حولنا لأن قوى خارجية هي التي أسستها وتستمر في دعمها. نحن نرحب بأي دعم من اي جناح شريطة الحفاظ على استقلالية افكارنا وتصرفاتنا، وهو الامر الذي يفهمه الجميع.

* تشير طالبان الى استعدادها للتفاوض معك حول حكومة تحالف شريطة عدم مشاركتك انت وغيرك من القيادات في تلك الحكومة.

ـ ان المشكلة ليست مشكلة اشخاص. توجد في افغانستان رؤيتان، يعرف العالم رؤية طالبان. ورؤيتنا مختلفة. نحن نريد افغانستان مستقلة تعيش في العصر الحديث. نريد السلام والتقدم والازدهار لشعبنا ونرفض التعصب. ونحن نعتقد ان الهدف من الدين هو خدمة الناس ومساعدتهم على تحسين حياتهم المادية والاخلاقية، وليس اخافتهم. هل تخيف هذه الرؤية عناصر طالبان الذين يريدون نقل افغانستان من القرن الواحد والعشرين واعادتها الى «عصر ذهبي» خيالي يفكر فيه كل شخص ويتصرف بنفس طريقة «الزعيم». هذا وصفة للعبودية.